الكاتب الإيطالي فرانتشيسكو بورغونوفو: الإسلام دين فروسية وحماس تتمتع بحاضنة شعبية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 14 دقيقة للقراءة

ميلانوـ أثارت إطلالته على القناة الإيطالية السابعة مع إحدى صحفيات “كورييري ديللا سيرا” الأسبوع الماضي كثيرا من الجدل، إذ وصفته الممثلة عن الصحيفة الليبرالية الأكثر انتشارا في إيطاليا بأنه موالٍ لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بسبب مطالبته بوقف إطلاق النار في غزة، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد وطالب في مناظرات تلفزيونية عدة بالحوار مع حماس وعدم ربط الحركة الفلسطينية بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بل كان الوحيد في إيطاليا الذي أذاع -في البرنامج الذي يقدمه على قناة بيوبلو “1984”- حوارا مع أحد قياديي حماس أجرته معه في وقت سابق مجلة “لا لوتشي”.

هو الكاتب والصحفي الإيطالي الذي لا يخشى السباحة ضد التيار، ونائب مدير يومية “لافيريتا” اليمينية، وصاحب برامج تلفزيونية وإذاعية عدة، فرانتشيسكو بورغونوفو (1983) الذي ينحدر من تقاليد أقصى اليمين الإيطالي، ويُعد في الوقت الحالي واحدا من أبرز الوجوه الإعلامية في إيطاليا وأكثرهم شعبية. وعلى عكس وجوه اليسار التي وصفت مؤخرا عمليات حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين بالإجرامية وطالبت بعزلها، فإن بورغونوفو يرى أن حماس حركة سياسية تمثل شعبها ولا بد للغرب من أن يجلس معها على طاولة الحوار، وكان للجزيرة نت هذا اللقاء معه:

  • الفكرة السائدة عن التقسيمات السياسية في إيطاليا مفادها أن اليسار هو من يقف دوما مع القضايا العربية، بينما اليمين ينحاز ضدها، هل هذا التبسيط حقيقي؟ وهل الأمر كذلك فعلا من الناحية التاريخية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟

في الحقيقة، تاريخ اليمين الإيطالي في أغلبه تاريخ مناصر للقضية الفلسطينية والانحياز لدولة إسرائيل هو الطارئ. هناك لحظة حدث فيها تقارب مع الولايات المتحدة، وبدا أن كل شيء تغير معها، لكن في الواقع ثمة الكثير من الحركات اليمينية في إيطاليا التي لا تزال في وقتنا الحالي تدعم وبكل حزم القضية الفلسطينية، فعلى سبيل المثال، ممثلو “كازا باوند” أعلنوا مؤخرا انحيازهم لفلسطين، كما أن علاقتهم الثقافية لطالما كانت جيدة جدا مع العالم الإسلامي.

تاريخ اليمين الإيطالي في أغلبه تاريخ مناصر للقضية الفلسطينية والانحياز لدولة إسرائيل هو الطارئ. هناك لحظة حدث فيها تقارب مع الولايات المتحدة الأميركية بدا أن كل شيء تغير معها.

هناك تقاليد ثقافية يمينية عريقة في هذا الصدد، ويحضر في ذهني الآن مثقفون من اليمين قريبون جدا من الثقافة الإسلامية على غرار كلاوديو موتي أو (المفكر) بييترانجيلو بوتافووكو الذي اعتنق قبل سنوات قليلة الإسلام.

 لا نسمع رأي مسلمي أوروبا في قضايا أخلاقية كبرى كالإجهاض أو تأجير الأرحام! أنا شخصيا أؤمن بصدق بأن المسلمين هنا عليهم أن يشاركوا في النقاش السياسي. لذلك، أنا الوحيد الذي يدعو في برنامجه الحواري وجوها مسلمة لتحليل الأحداث السياسية المختلفة، بعيدا عن الصيغ المسبقة التي حشرهم فيها اليسار، فهو الذي حبسهم في غيتو ثقافي لا يشبههم حتى، أما أنا، فعن نفسي أرى أن ما يجمع المجتمعات الإسلامية باليمين أكثر مما يجمعها باليسار

  • لماذا لا يشعر العالم العربي بهذه العلاقة مع اليمين، ويعتقد أن المثقف اليساري هو الأكثر قربا إليه؟

أعتقد أن ثمة سوء فهم كبيرا على هذا المستوى. ومن ذلك أن هناك فرقا شاسعا بين الإسلام الذي نعرفه في أوروبا والإسلام الذي تعيشه الشعوب المسلمة على أرضها؛ ما زلت أحاول من خلال عملي أن أجد حلا لهذه المعضلة، لكن مبدئيا علينا أن ندرك أن مسلمي أوروبا لطالما تم استغلالهم من طرف اليسار ومنحهم شعورا زائفا بـ”الدلال” باعتبارهم وجوها للهجرة فقط، وهكذا أصبحنا لا نسمع لهم صوتا في الإعلام إلا للشكوى والمطالبة بأمور محددة كالجنسية، ولكننا لا نسمع رأيهم في قضايا أخلاقية كبرى كالإجهاض أو تأجير الأرحام! أنا شخصيا أؤمن بصدق بأن المسلمين هنا عليهم أن يشاركوا في النقاش السياسي. لذلك، أنا الوحيد الذي يدعو في برنامجه الحواري وجوها مسلمة لتحليل الأحداث السياسية المختلفة، بعيدا عن الصيغ المسبقة التي حشرهم فيها اليسار، فهو الذي حبسهم في غيتو ثقافي لا يشبههم حتى، أما أنا، فعن نفسي أرى أن ما يجمع المجتمعات الإسلامية باليمين أكثر مما يجمعها باليسار.

في الغرب، اليمين واليسار كلاهما أصبح مفرغا من أي معنى.

  • إن كان من الطبيعي أكثر التفكير في تحالف بين المسلمين والمسيحيين في أوروبا، كيف تقرأ المواقف المناهِضة للإسلام من بعض سياسيي اليمين الإيطاليين؟

أعتقد أن صفحة الإرهاب التي عرفناها في الغرب -والتي ما زلنا لم نستوعب ماهيتها بعد- هي ما أفسد العلاقات بيننا، لكن المشكلة الكبرى تكمن أيضا في أن اليمين الغربي ليس يمينا متدينا. صحيح أن بعضهم يلوّح ببعض القيم الدينية، ولكنه يستخدمها شعارات فقط. والحقيقة هي أن المسيحيين المتدينين أقلية في اليمين، ففتح موضوع “الجندر” مثلا يزعج كثيرا من اليمينيين لأنه يجعلهم يظهرون بشكل غير مواكب للعصر، وهذا هو نفسه السبب الذي يجعلهم يُعرضون عن الحديث عما يجمعهم بالإسلام؛ في الحقيقة، اليمين واليسار في الغرب كلاهما أصبح مفرغا من أي معنى.

  • بالعودة لموضوع الهجرة وفلسطين، ولد في السنوات الأخيرة تيار ثقافي في إيطاليا يدعو إلى مقاومة نماذج العيش المعولمة وإغراء الهجرة عن البلدات الصغيرة في الجنوب الإيطالي، نرى ذلك في أعمال الأنثروبولوجي فيتو تيتي والتيار الشعري لفرانكو أرمينيو. لكننا -في الوقت نفسه- نرى توجها ثقافيا يروّج للهجرة الجماعية وإفراغ النصف الجنوبي من الكرة الأرضية من شعوبها، بل سمعنا رئيس بلدية رياتشي السابق ميمو لوكانو يطلق مؤخرا نداءً لاستقبال الغزيين في إيطاليا من دون مراعاة تاريخ الشعب الفلسطيني الذي يناضل الآن في وجه مخططات تهجيره القسري. ثقافيا، كيف تقرأ موقف اليسار الإيطالي المتناقض من هذا الموضوع؟

الحديث عن الأرض في إيطاليا هو مفهوم فلكلوري أكثر من كونه مفهوما مقدسا. التقاليد هنا لا تعجب اليسار إلا عندما يتعلق الأمر بالطعام. والأرض لا تثير اهتمام أحد إلا لأنها تنبت أجود أنواع الفستق والطماطم. لكن التقاليد هي أيضا الروحانيات والأرض وحدودها هي أمر مقدس.

الخوض في موضوع الأرض بكل ما يكتنفه من عمق لا يعجب اليسار، بل يزعج طمأنينته. الأرض -بوصفها مفهوما في الغرب- أصبحت صورة كاريكاتيرية: أكل وفريق كرة قدم وعطل وغيرها من الصور الجاهزة، في حين أن الأمة مفهوم مقدس، الحدود مقدسة، والشعوب مقدسة.

أعتقد أن هناك صورة زائفة تُقدم عن الإسلام أنا أرفضها وأطالب بتصحيحها، وأعتقد أن الإسلام دين رائع ينضح بقيم الفروسية، أما الادعاء أنه دين سلام، فهو محاولة لتدجينه، والزعم بأن الثقافة الغربية ثقافة سلام لأنها منحت العالم 70 سنة من السلام ليس سوى هراء.

  • سمعناك مؤخرا في إحدى إطلالتك اليومية على قناة بيوبلو تدعو متابعيك لعدم الانسياق وراء الصور النمطية المنتشرة حول الإسلام. هل راجعت الأفكار التي طرحتها في بعض كتبك السابقة عن الإسلام؟ وهل هذه عملية مهمة في حياة كل مثقف؟

صحيح أن مراجعة الأفكار عملية مهمة في حياة المثقف، لكنني لم أراجع أفكاري. أنا أعتقد أن هناك صورة زائفة تُقدم عن الإسلام؛ أنا أرفضها وأطالب بتصحيحها. ما الذي يعنيه فعلا القول إن الإسلام دين سلام؟ أنا أعتقد أن الإسلام دين رائع ينضح بقيم الفروسية، أما الادعاء أنه دين سلام، فهو محاولة لتدجينه. الأمر يشبه مشاهدة الحجاب على منصات عروض الأزياء. أليس ارتداء الحجاب فعلا مقدسا، ووضعه على عارضات أزياء ليس سوى محاولة لإدراجه ضمن المنظومة الرأسمالية وإفراغه من معناه وتحويله إلى صورة كاريكاتيرية؟! هذا الأمر مثير للقرف.

يثير اهتمامي في الإسلام تلك الروحانيات وكل تقاليد الفروسية التي ينبض بها.

تماما مثلما يثير قرفي اليساريون الذين يدّعون احترام ديانة المهاجرين، بينما يشمئزون من ديانة شعوبهم في الداخل، بل يخوضون معارك مثيرة للسخرية من التقاليد الدينية خلال فترات الاحتفال بعيد الميلاد ويطالبون بإلغائها احتراما لمشاعر المسلمين في حين أن المسلمين أنفسهم لا مشكلة أساسا لهم معها. لا أعتقد أنه من الخاطئ القول إن الإسلام ديانة حربية، بل يمكنني أيضا أن أقول الأمر ذاته عن المسيحية. فالادعاء أن الثقافة الغربية ثقافة سلام لأنها منحت العالم 70 سنة من السلام ليس سوى هراء. أما أنا شخصيا، فالذي يثير اهتمامي في الإسلام هي تلك الروحانيات وكل تقاليد الفروسية التي ينبض بها.

الحديث عن العالم العربي في حدود الإكزوتيكية (الافتتان بغير المألوف) التي تشبه زيارة المطاعم العربية وإظهار العالم العربي كحديقة حيوانات ملونة ضمن مسعى يندرج لإظهار التنوع الثقافي الكرنفالي للعالم هو بالتأكيد سهل جدا ومتاح للجميع، تماما مثلما هو الحديث عن فلسطين مثلا

  • حدثنا الروائي الإيطالي مارتشيلو فينيتسياني، في كتابه الأخير، عن معاناة أعظم فلاسفة إيطاليا، جامباتيستا فيكو، في جامعة لوريينتالي بنابولي والتهميش الذي كان يتعرض له بسبب مواقفه الدينية المحافظة في وقت كانت فيه نابولي مفتونة بفلسفة الأنوار الإلحادية. وقبل أسابيع قليلة، تفاجأ الجمهور العربي بواحدة من أكبر دارسي الأدب العربي في إيطاليا، يولندا غواردي، وهي تصرح لأول مرة في الإعلام العربي بأنها تعرضت لمعاناة كبيرة في الجامعة الإيطالية التي قالت إنها تفرض رقابة على باحثيها. ما الذي تعتقد أنه يحدث في الأوساط الأكاديمية الإيطالية؟ وكيف يمكن أن تبني إيطاليا علاقات صحية مع العالم العربي في جو أيديولوجي موجّه كالذي تعيشه الجامعة الإيطالية؟

الجامعة الإيطالية مريضة بادعاء الطيبة الزائفة، وأول شيء ينبغي أن تفعله هو التوقف عن الكذب. علينا جميعنا أن نتوقف عن الكذب على أنفسنا وعلى غيرنا؛ الحديث عن العالم العربي في حدود الإكزوتيكية (الافتتان بغير المألوف) التي تشبه زيارة المطاعم العربية وإظهار العالم العربي كحديقة حيوانات ملونة ضمن مسعى يندرج لإظهار التنوع الثقافي الكرنفالي للعالم هو بالتأكيد سهل جدا ومتاح للجميع، تماما مثلما هو الحديث عن فلسطين مثلا. فما دام الأمر منحصرا في البكاء على الأطفال، فهو ممكن، وهو أمر جميعنا نقدر عليه بالمناسبة.

أي شخص يُظهر مواقف تحترم فعلا تقاليد الشعوب المحافظة يصبح غير مرحب به، تماما مثل من يُظهر مواقف معارضة للسياسات الأميركية في العالم.

ولكن، من يجرؤ على القول مثلا إن حماس حركة سياسية لها حاضنة شعبية حقيقية وإنها لاعب سياسي أساسي لا بد من الحوار معه؟! هذا هو الواقع. الأكاديميون -باعتقادي- عندهم حدود لا يمكنهم تجاوزها عندما يتعلق الأمر بالإسلام، والأمر ينطبق أيضا على اليهودية بالمناسبة، فاليهودي الجيد هو اليهودي العلماني فقط. والأكيد هو أن أي شخص يُظهر مواقف تحترم فعلا تقاليد الشعوب المحافظة يصبح غير مرحب به، تماما مثل من يُظهر مواقف معارضة للسياسات الأميركية في العالم.

لا بد أن نتعمق في المفاهيم، وأن نخرج من منطق السطحية في مقاربة مواضيع جوهرية، وأن نبتعد عن الاستسهال. علينا عقد مؤتمرات جادة مع المسلمين للحوار، لا ملتقيات حوار الأديان التي لا تُعقد إلا لالتقاط الصور الجماعية وإخبارنا أنه يمكن توحيد الأديان! الأديان مختلفة، وعليها أن تبقى مختلفة، وعلى كل منا أن يلتزم بعقيدته وإيمانه. الحوار ينبغي أن يجري على الصعيد السياسي وليس العَقدي.

  • برأيك، ما الدور الذي يمكن أن يلعبه المثقف اليميني لتوطيد العلاقات بين العالم العربي والإسلامي وإيطاليا؟ (رغم أن اليسار الإيطالي يرى أن اليمين لا يملك مثقفين أصلا!)

أنا في الحقيقة يساري (يضحك)… ربّاه! أنا اتُهمت بكل شيء ولا ينقصني سوى هذا. أرى أنه لا بد أن نتعمق في المفاهيم، وأن نخرج من منطق السطحية في مقاربة مواضيع جوهرية، وأن نبتعد عن الاستسهال. علينا عقد مؤتمرات جادة مع المسلمين للحوار، لا ملتقيات حوار الأديان التي لا تُعقد إلا لالتقاط الصور الجماعية وإخبارنا أنه يمكن توحيد الأديان! الأديان مختلفة، وعليها أن تبقى مختلفة، وعلى كل منا أن يلتزم بعقيدته وإيمانه.

ماذا عساني أن أقول لمن يطالب المهاجرين المسلمين بالتكيف مع نمط العيش الغربي في المقابل؟ أي نمط عيش هذا؟! إن كنتُ أنا غربيا ولست متكيفا مع نمط العيش الغربي الذي يشعرني أنا نفسي بالقرف، فلمَ عليّ أن أطالب المسلمين باعتناقه! عموما، أنا مؤمن بأن هناك جيلا قادما عليه فعل الكثير..

الحوار ينبغي أن يجري على الصعيد السياسي وليس العَقدي، فالمسلمون موجودون بيننا في أوروبا وسيبقون بيننا، لذا عليهم أن يخبروننا صدقا، أي مجتمع يريدون بناءه هنا، هل يريدون مجتمعا قائما على ثقافة “الووك” (جندر ونسوية) فعلا؟ ما القيم المشتركة التي نستطيع البناء عليها سياسيا؟ وحديثي هنا عن القيم الحقيقية. أما من يطالب المهاجرين المسلمين بالتكيف مع نمط العيش الغربي في المقابل، فما عساني أن أقول له؟ أي نمط عيش هذا؟! إن كنتُ أنا غربيا ولست متكيفا مع نمط العيش الغربي الذي يشعرني أنا نفسي بالقرف، فلمَ عليّ أن أطالب المسلمين باعتناقه! عموما، أنا مؤمن بأن هناك جيلا قادم عليه فعل الكثير، وهو -برأيي- قادر على فعل الكثير.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *