الرباط- “غزة وشهود الزور” هو عنوان الأغنية الأخيرة التي لحنها وغناها المطرب والملحن المغربي نعمان لحلو ونشرها قبل أيام على قناته في يوتيوب، ولاقت تفاعلا في مواقع التواصل الاجتماعي حيث وجدها الجمهور معبرة عن واقع الحال في القطاع الذي يعيش حرب إبادة أمام أعين العالم.
تقول كلمات الأغنية التي كتبها الشاعر سعيد متوكل وقام يونس الخزان بالتوزيع، “أنا غزة رمز العزة، أنا اللي مات وأنا اللي عزى” وتضيف، “الله حق، الله عدل، واللي معاه ربي ديما منصور، وانت جيتي، تاخد داري وجبتي معاك شهود الزور”.
ثم تخاطب الأغنية الاحتلال الإسرائيلي، “جيب معاك حبال الصمت، وجيب معاك شْهود الزور، جيب الرومان وجانكيز خان، جيب المغول مع تيمور، ولو تبني 100 سور وسور، وفالمواقع تحجب الكلمة وتقطع الما وتقطع النور، جيل جديد جايب العيد كل شيء فْكتاب مذكور”.
يقول نعمان لحلو لـ “الجزيرة نت”، إن ما يحدث في غزة جعله يشعر بالعجز، ويضيف “رغم أن العالم كله يغلي رفضا للإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة لكن لا أحد يفعل شيئا لمنع مرتكب هذه الإبادة، وهذا يشعرنا جميعا بالعجز”.
واشتغل المغني والملحن نعمان لحلو مع الشاعر سعيد متوكل في ورشة عمل استمرت لأيام لإخراج الأغنية وفق التصور الذي كان يريده لها.
يقول “لم نكن نريد أن تعبر الأغنية عن الحزن أو الفرح أو الغضب، بل عن العزة والكرامة”، لذلك يكشف أنه قسمها إلى 3 مقاطع، وسجل كل مقطع في أوقات مختلفة، في السادسة صباحا حيث يكون الصوت قويا ثم في الظهيرة وفي الليل، ليجمع المقاطع معا وتكتمل الأغنية كما صدرت في شكلها النهائي.
يؤكد نعمان، “أردنا إعطاء جرعة أمل وسط أزمة كبيرة لكن دون خنوع أو حزن”.
المبدع وقضايا الأمة
وتفاعل فنانو المغرب العربي مع المجازر المرتكبة في غزة وفلسطين في ظل الصمت الدولي، وأنتجوا أغاني للدعم المعنوي والمشاركة في موجة التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية، وخاصة مع أهالي قطاع غزة.
وقبل أسبوعين صدرت للفنان التونسي أغنية “وا أمتاه” من كلمات الشاعر فيصل الشريف وألحان وغناء لطفي بوشناق، جاء في مطلعها، “وا أمتاه الصمت قد أردانا، إنا سئمنا الجور والطغيانا، سفك العداة دماءنا في غزة، والغرب قد كانوا لهم أعوانا”.
ثم صدرت بعدها أغنية “نشيد القدس” من كلمات الشاعرة التونسية شيراز جردق.
يرى نعمان لحلو أن المبدع ينبغي أن يكون حاضرا في القضايا الحاسمة لأمته، فالأغنية -في نظره- هي بمثابة الإسمنت الذي يجمع الشعب أو الأمة التي تشترك في الدين واللغة والثقافة.
ورغم حزنه على الفظاعات التي ترتكب في غزة، أشاد لحلو بالحراك الذي يشهده الشارع العالمي سواء العربي أو الغربي، وأكد “أنا ضد من يقول إن الشعوب تعيش في صمت، الشعوب حية وضميرها حي”.
ودعا لحلو الفنانين والمؤثرين إلى القيام بأدوارهم في زمن الأزمات وإيصال الرسائل والحقائق في زمن حجب المعلومة.
وأضاف، “ليس لدينا خصاص في الإبداع، وعلى المبدعين أن يستيقظوا وأن يكونوا حاضرين في القضايا والمنعطفات الحاسمة للأمة”، معتبرا أن دورهم مهم في التعبير عن هموم الناس وإيصال أصوات المستضعفين والدفاع عن القضايا العادلة.
الحاجة إلى الفن المسؤول
من جهته، أكد الناقد الفني مصطفى الطالب أن القضية الفلسطينية كانت دائما حاضرة في الفن المغربي منذ سبعينيات القرن الماضي مع مجموعات “جيل جيلالة” و”ناس الغيوان” و”لمشاهب” و”السهام” ومغنيين آخرين، لافتا إلى أن هؤلاء الفنانين كانوا يؤمنون بأهمية الفن في الدفاع عن القضايا الوطنية حيث غنوا عن الصحراء المغربية والمسيرة الخضراء والاستقلال، وفي الدفاع عن قضايا الأمة العربية والإسلامية وخاصة فلسطين التي تعرضت للاحتلال والمجازر.
وأوضح الطالب في حديث مع “الجزيرة نت”، أن أهمية أغنية “غزة وشهود الزور” التي أطلقها لحلو، تكمن في أنها جاءت في زمن التطبيع مع إسرائيل وسط صمت الفنانين والمثقفين، إلى أن جاء طوفان الأقصى ومأساة غزة التي تشهد إبادة جماعية في ظل صمت الدول العربية.
ولفت المتحدث إلى أن الفن الذي يخاطب الوجدان والذي يستأثر باهتمام جماهير عريضة في المجتمع يعد سلاحا قويا في نصرة القضايا الإنسانية العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ففي نظره، فإن أغنية أو فيلما أو رسما يمكن أن يكون له الأثر الكبير على الناس أكثر من المقالات والخطب وإن كانت هي الأخرى لها دورها المهم، “كم من مرة حارب العدو الصهيوني رسما أو فيلما لأنه يكشف لا إنسانيته وهمجيته وهناك من طرد من عمله بسبب ذلك؟”.
وأشار الطالب إلى أن الثقافة الإسلامية تشجع الأعمال الفنية زمن الحروب، لافتا في هذا الصدد إلى أن الرسول الكريم عند مواجهته كفار قريش دعا الشاعر حسان بن ثابت إلى هجائهم وقال أيضا إن من البيان لسحر.
وأكد الناقد الفني على أن الحاجة ماسة اليوم إلى الفن المسؤول والهادف لمواجهة التفاهة والميوعة الفنية التي أفسدت الذوق والجمال وسُخرت لها أموال طائلة لإلهاء الشعوب العربية وتخديرها حتى لا تكون في مستوى قضاياها أي قضايا التحرير والاستقلالية والحرية والكرامة وخاصة نصرة الشعب الفلسطيني.