فاز المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي عن فيلمه الجديد “الغرفة المجاورة” (The Room Next Door)، وهو أول فيلم له باللغة الإنجليزية، من بطولة تيلدا سوينتون وجوليان مور. ورغم أن الفيلم يتناول موضوع الموت، فإنه في جوهره يعكس احتفاء عميقا بالحياة.
ورغم أن ألمودوفار يُعدّ أحد أبرز مخرجي السينما الأوروبية، فإنه لم يفز منذ فترة طويلة بجائزة في المهرجانات الكبرى، لكن لجنة التحكيم في مهرجان البندقية منحته أخيرا جائزة الأسد الذهبي عن فيلمه “الغرفة المجاورة”.
تدور أحداث الفيلم حول امرأة مصابة بمرض عضال تقرر إنهاء حياتها بمساعدة صديق قديم.
استطاع ألمودوفار إقناع اثنتين من أبرز نجمات هوليوود، تيلدا سوينتون وجوليان مور، بالمشاركة في العمل، لكن الغريب أن الأمر لم يتطلب جهدا كبيرا لإقناعهما، بل أعربت النجمتان عن إعجابهما الكبير بعمله.
مور قالت في البندقية: “شعرت بأنني محظوظة، لأنه اختارني”.
من جانبها، قالت سوينتون إنها لطالما أعجبت بأعمال ألمودوفار، لكنها لم تتوقع أن تجد دورا يناسبها في أفلامه، مضيفة: “ذات يوم، عندما التقينا، تجرأت وقلت له: سأتعلم الإسبانية من أجلك؛ سأكون صامتة طوال الفيلم، لا يهمني. لكنه ضحك بلطف”.
كما أشارت سوينتون إلى أن اختيار المخرج الإسباني لها كان “نعمة عظيمة وامتيازا كبيرا”، بينما قالت مور إن “أفلامه مليئة بالحياة والإنسانية، والمشاركة في هذا الفيلم كانت تجربة مثيرة للغاية”.
يعتمد ألمودوفار على الكاريزما القوية لنجمتيه في “الغرفة المجاورة”، ويقدم أداء متقنا، فسوينتون على وجه التحديد، بدت وكأن الدور قد كُتب خصيصا لها.
وتجسد سوينتون شخصية مارثا، وهي مراسلة حربية سابقة مصابة بسرطان عضال، تحصل على حبة دواء من “الدارك ويب” لإنهاء حياتها. ورغم اقترابها من الموت، فإنها تبقى متفائلة، لكنها لا تريد أن تموت وحيدة، لذا تطلب من صديقتها إنغريد (جوليان مور) أن ترافقها إلى منزل ريفي مستأجر لتكون معها في لحظاتها الأخيرة.
تخبرها مارثا بأنها تريد أن تكون إنغريد في “الغرفة المجاورة” عند تناول الحبة، وتقول لها: “بمجرد إغلاق الباب، سينتهي الأمر”.
يمضي الفيلم في أجواء هادئة، حيث تقضي مارثا وإنغريد وقتهما في التحدث عن الكتب والعلاقات، أو مشاهدة الأفلام، أو الاسترخاء تحت أشعة الشمس، في مشاهد تشبه لوحات الفنان إدوارد هوبر، بل تظهر إحدى لوحاته على جدار الفيلا الفسيحة التي يقيمان فيها.
كالعادة في أفلام ألمودوفار، يتميز العمل بجماليات بصرية، حيث تتألق الألوان الزاهية وتُؤطَّر المشاهد كما لو كانت لوحات فنية. ورغم موضوع الفيلم الجاد، فإنه لا يخلو من لحظات فكاهية تضفي عليه خفة وروحا مرحة.
تتجلى روح الفكاهة في مشهد يُغلق فيه باب غرفة مارثا فجأة، فتعتقد إنغريد أن صديقتها قد ماتت، ليتضح لاحقا أن الرياح أغلقته. وفي مشهد آخر، تظهر سوينتون في أداء هزلي مميز، حيث لا تلعب دور مارثا فقط، بل تجسد أيضا شخصية ابنتها في مشهد مسرحي غريب.
تقول سوينتون إنهم لم يتحدثوا كثيرا عن الموت في أثناء تصوير الفيلم، بل ركزوا أكثر على الحياة. وأشارت إلى أن أحد المواضيع الرئيسية للفيلم هو تقرير المصير، إذ يتعلق الأمر بشخصية تتخذ قرارا حاسما بإدارة حياتها وموتها بطريقتها الخاصة.
وترى مارثا رحلتها الأخيرة مع صديقتها نوعا من المغامرة التي تستحق الاحتفال، وتعترف سوينتون بأنها لا تستطيع الجزم بأنها لن تتخذ القرار نفسه لو كانت في مكان الشخصية.
يضيف “الغرفة المجاورة” بعدا آخر من خلال شخصية داميان، الذي يؤدي دوره جون تورتورو، وهو يلعب دور صديق مشترك قديم بين مارثا وإنغريد، يعمل باحثا مختصا في أزمة المناخ، ويلقي محاضرات عن كارثة بيئية وشيكة.
رغم أن النهاية محتومة، فإن رسالة ألمودوفار في “الغرفة المجاورة” تؤكد أهمية الاحتفاء بالحياة ومن نقضي معهم هذه الحياة.