تعرض أعمال فنية وتراثية من قطاع غزة، في متحف في بيرزيت بالضفة الغربية، في مبادرة يراد منها الرد على تدمير مواقع ثقافية وأثرية حيث تشن إسرائيل حربا هي الأعنف على الإطلاق على القطاع الفلسطيني منذ أكثر من 4 أشهر.
ويقول عضو مجلس إدارة المتحف الفلسطيني في بيرزيت إيهاب بسيسو لوكالة الصحافة الفرنسية إن المتحف الذي افتتح في عام 2016 قرر القيام بمبادرة تهدف إلى “الحفاظ على العمل التراثي الفلسطيني في غزة الذي يتعرض لتدمير نتيجة الحرب”.
ويضيف وزير الثقافة الفلسطيني السابق “فوجئنا حين وصلتنا مئات الأعمال لفنانين وفنانات كانت موجودة في جامعات ومراكز ثقافية ولدى شخصيات فلسطينية في الضفة الغربية”، وهي عبارة عن لوحات وأزياء تراثية قديمة وقطع أثرية.
وعلى مدخل المعرض، علقت لوحة كتب عليها “هذا ليس معرضا”، في إشارة إلى أنه “تظاهرة فنية متواصلة”، كما يقول بسيسو.
ويضيف بسيسو “هذه التظاهرة الفنية إنما هي نوع من تقديم المشهد الفني الغزي بشكل مختلف، ونوع من الوقوف أمام التحديات والصعوبات التي يواجهها الفنانون والثقافة في غزة في ظل الدمار والحصار”.
ويتابع أنها “مساحة تعبر عن امتداد تلك المراكز والمتاحف التي هدمت”.
وأعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية في تقرير لها نشر في يناير/كانون الثاني الماضي، “تدمير 24 مركزا ثقافيا في قطاع غزة، بشكل كلي أو جزئي” خلال الحرب الدائرة في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومن بين هذه المواقع المركز الثقافي الاجتماعي الأرثوذكسي العربي ومركز رشاد الشوا الثقافي الذي يضم مسرحا ومكتبة ومطابع، ومؤسسة السنونو للفنون والثقافة في مدينة غزة. كما تضررت مبان تاريخية، بينها كنائس ومساجد، وميناء فينيقيا ومتحف القرارة.
ويقول بسيسو عن المعرض “هذه رحلة في الفن الغزي الفلسطيني، خصوصا عقب استشهاد عشرات الفنانين والكُتاب والشعراء والصحفيين، وهذه الرحلة لتأكيد اللُّحمة بين الشعب الفلسطيني التي يحاول الاحتلال أن يدمرها”.
وكُتبت على مدخل المعرض الرئيسي أسماء 115 فنانا وفوقها العبارة التالية: “هؤلاء سرقت منهم حرب الإبادة بيوتهم وأحلامهم وذكرياتهم وأحبتهم وحياتهم بأكملها”.
ووضعت حول بعض الأسماء إشارات بالأسود للدلالة على مَن قتلوا خلال الحرب، وبينهم الفنانة التشكيلية هبة زقوت والرسام محمد سامي قريقع.
تظاهرة لا معرض
وقالت إدارة المتحف، في بيان لها، عن “التظاهرة” إنها “مساحة بديلة عن الحيز الذي كان يوما في غزة قبل أن تدمره نيران الحرب”، مضيفة أن المبادرة تسعى إلى أن تكون “منبرا بديلا لأصوات” الغزيين “التي يمنعها عنا انقطاع الاتصال”.
وتعمد القيمون على المتحف وضع ركام من الطوب والحديد وسط قاعة العرض الرئيسية، في إشارة إلى الدمار الذي يتعرض له قطاع غزة، على خلفية صوت طائرة الاستطلاع المعروفة بـ”الزنانة” والتي لا تفارق سماء غزة، ومشاهد فيديو لسيارات إسعاف تنقل مصابين. كل ذلك لوضع الزائر في أجواء ما يعيشه أهل غزة.
ويقول الفنان التشكيلي محمد الحواجنة الموجود في رفح عبر اتصال بالفيديو لوكالة الصحافة الفرنسية “هذه التظاهرة للتذكير والتعاضد معا بين الضفة الغربية وغزة، ومن أجل التأكيد على استمرار وجودنا”.
ومنذ افتتاح المعرض في أواسط فبراير/شباط الجاري، يتوافد العشرات من الزوار إلى المتحف.
وتقول ألما عبد الغني في الثلاثينيات من عمرها، “شيء جميل أن نشاهد أعمالا فنية لفنانين وفنانات من غزة هنا في الضفة، لا سيما أنه لم يعد لها مكان لعرضها في غزة بعد الدمار هناك”.
عند المدخل الرئيسي للمتحف، عرضت أزياء تراثية نسائية قديمة مصنوعة من القطن والكتان والحرير، وإلى جانبها قلادات وأساور من العهد البريطاني، وفساتين عرائس قديمة من خان يونس ودير البلح ومدينة غزة.
وليس بعيدا عرضت لوحات للفنان التشكيلي تيسير بركات المولود في جباليا في قطاع غزة، لكنه مقيم في الضفة الغربية منذ عام 1984.
وتحمل إحدى اللوحات اسم “التيه” وعليها رسم لآليات عسكرية ومركبات، بالإضافة إلى أكثر من 16 رسما من الأكريليك وعلى القماش تحمل كل منها عبارات اختارها الفنان للتعبير عما يجري في غزة.
ومن بين العبارات: “كيف تفقد أكثر من 7 آلاف إنسان؟.. أمطرهم بالغارات واحدة تلو الأخرى، وامنع انتشالهم من تحت الركام”، أو “كيف نفقد شعبا من مليونين ونصف المليون إنسان؟.. اقطع عنهم الاتصالات والكهرباء والماء والحياة”.
ويقول بركات لوكالة الصحافة الفرنسية “هذه المجموعة رسالة وتعبير عما شاهدت وسمعت عما يعيشه أهلنا في غزة من حرب مجنونة”.