“الروبوت البري”.. فيلم يُلهم الآباء ويتحدى ديزني وبيكسار

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

“الروبوت البري” (The Wild Robot) ليس مجرد فيلم رسوم متحركة عادي، بل هو عمل فني نابع من شغف خالص، صُنِع بعناية فائقة إذ اجتهد صانعوه لتقديم تجربة متكاملة تجمع بين الحبكة المتقنة، والصورة الجذابة، والصوت المميز. يبتعد الفيلم تمامًا عن “الكليشيهات” المألوفة في إنتاجات ديزني والرسوم المتحركة الهوليودية التقليدية، ليقدم رؤية فنية فريدة ومبتكرة.

وهو ما نجحوا به وكُلل بتحقيق الفيلم أرباحا بلغت 318 مليون دولار، ليصبح فيلم الرسوم المتحركة الأول غير التكميلي من حيث الإيرادات لهذا العام، وأكثر ثاني فيلم غير تكميلي ربحا لعام 2024، بعد “إنها تنتهي بنا” (It Ends with Us).

مهمة مستحيلة

تبدأ الأحداث بعاصفة هوجاء تتسبب بوصول الروبوت “روز” إلى جزيرة نائية لا يسكنها إلا الحيوانات البرية، ونتيجة فضول أحد الحيوانات يتم تشغيل روز المُبرمجة على أداء المهام المطلوبة منها من دون أن تعرف الفشل مهما كان الثمن.

وهنا يصبح عليها أن تعرف المهمة التي كُلفت بها لتبدأ البحث عن مالكها، وحين تقودها الظروف إلى التسبب بسحق بعض الإوز وتدمير كل البيض عدا بيضة واحدة، تجد نفسها موكلة بالاعتناء بفرخ الإوز الناجي وتعليمه كل سُبل العيش ومنها الطيران قبل موسم الهجرة التالي.

تتعاون روز مع ثعلب منبوذ لتنفيذ المهمة، ويشكل الثلاثي عائلة غير مقبولة لدى الجميع، ومع الوقت وانخراط الروبوت بمهام الأمومة تتحرك مشاعرها وتتعرّف إلى ماهية أن يملك الكائن شيئا اسمه القلب، وتتوالى الأحداث.

المشاعر سيدة الموقف

حبكة قد تبدو عادية أو متوقعة، ومع ذلك تنجح بأن تسمو بمشاعر الجمهور صغارا وكبارا كونها تدغدغ مجموعة مختلفة من المشاعر وتقوم بشيء من التشريح للعلاقات المجتمعية من حولنا.

يأخذنا الفيلم في رحلة عاطفية مع أبطاله بينما يستعرض لغات الحب المختلفة، والصعاب التي تواجه الأهل في سبيل تربية الأبناء ومنحهم السبيل للاستقلال بكل ما قد يحمله هذا من مشقة أو انكسار للقلب.

كذلك يُسلط الضوء على مخاطر الحياة القاسية واحتمالات الموت الوشيك بكل لحظة، وهو ما قد لا يفضل بعض الآباء أن يتعرّض له صغارهم، لكن هذا الموت الحاضر دائما يجعل أبطاله مفعمين بالحياة وحريصين على الاستمتاع بها طوال الوقت والأهم أن يُدركوا قيمة العلاقات.

وأخيرًا يناقش العمل بحكمة وذكاء قضايا مثل الهوية والانتماء والأحكام القبلية التي يُطلقها الآخرون على من لا يشبهونهم قبل منح أنفسهم الفرصة لمعرفتهم عن قُرب أولا، كل هذا قُدّم عبر خلطة جمعت بين الأحاسيس الصادقة والصورة الباهرة مع قدر مثالي من الكوميديا الممزوجة بالمغامرات والقليل من الإثارة.

الأفضل لعام 2024

بمجرد طرح فيلم “الروبوت البري” عدّه كثير من النقاد فيلم الرسوم المتحركة الأفضل لعام 2024 بينما صنفه آخرون ضمن أفضل 10 أفلام لهذا العام، مؤكدين جدارته بالترشّح للأوسكار ضمن أكثر من فئة، من بينها الرسوم المتحركة وأفضل أغنية، ويطمح البعض لأن يصل إلى فئة أفضل فيلم.

ورغم أن شركة الإنتاج “دريم وركس” (DreamWorks) لم تحصد الأوسكار عن رسومها المتحركة سوى مرتين فقط في 2001 و2005، فقد ترشّح مخرج العمل، كريس ساندرز، للأوسكار 3 مرات آخرها كان عن فيلم “آل كرودز” (The Croods) الذي خسر أمام “فروزن” (Frozen) في 2014.

لم تأت تلك التوقعات أو التمنيات من فراغ، بل نشأت بناء على الإيجابيات الفنية المتنوعة التي حظى بها الفيلم، وعلى رأسها التجربة البصرية المميزة، إذ جاءت الرسومات متخمة بالتفاصيل وأشبه باللوحات العملاقة الجديرة بالتأطير والاستمتاع بها على الجدران أو استخدامها كبطاقات بريدية.

وذلك يعود إلى “التكنيك” والأسلوب البصري حيث الرسومات التي تتمتع بمظهر يدوي والذي لجأ إليه كريس ساندرز، ووفقا لتصريحاته فإنه أقرب إلى مزيج يجمع بين لوحات مونيه النابضة بالحياة وعالم البرية الخاص بالفنان الياباني هاياو ميازاكي وكلاسيكيات ديزني القديمة.

 

كذلك تمتع العمل بموسيقى تصويرية حماسية ومعبرة عن مشاعر الأبطال على اختلافها وعمقها بين الحزن واليأس والحب والامتنان، وهو ما برع به الحاصل على الأوسكار كريس باورز، بالإضافة إلى أغنيات ملهمة ستجبرك على ذرف بعض الدموع مهما بلغ عمرك.

وبذكر الموسيقى، تميز الفيلم بأصوات أبطاله وإن لم يعتمد صانعوه على أسماء رنانة، فقد برعت الممثلة لوبيتا نيونغو بأداء دور الروبوت روز بمختلف مراحلها بين التعامل بالمنطق والصرامة أولا بصوت أقرب إلى الآلية، ثم إصابتها بالفضول ومحاولة تطوير نفسها وإعادة برمجة نظامها للتأقلم مع الحياة في البرية والنجاة من براثن الموت، وصولا إلى شعورها بالانتماء والإخلاص لمن حولها.

وعود بجزء جديد

بنهاية العمل، تساءل البعض إذا ما كان الفيلم قد يمتد إلى جزء جديد، خاصة أن النهاية تحتمل بعض التأويلات، وأمام هذا النجاح والتساؤلات أكد ساندرز أنه يتمنى لو تتاح له فرصة المكوث في ذلك العالم مدة أطول.

“الروبوت البري” أحد أهم أفلام العام، إذ يجمع بين الترفيه والفن ويأتي بوقت مثالي يشهد العديد من المخاوف من تطور التكنولوجيا غير المدروس. ورغم أن البطل روبوت، فإن العمل يختلف عن الأفلام المشابهة، إذ لا يسلط الضوء على العلاقة بين الآلة والإنسان بل يتطرق إلى منعطف آخر يجمع بين الآلات وعالم الحيوانات والتساؤل عن إمكانية وجود حياة تشمل كل الأطياف في تناغم وسلام مع مراعاة احتياجات كل فريق.

الفيلم يحتل حاليا المرتبة 154 ضمن قائمة أفضل 250 فيلم بموقع “آي إم دي بي” (IMDb)، وهو مُقتبس من رواية بالاسم نفسه صدرت في 2016 وكتبها بيتر براون ونجحت بأن تصبح الأقرب إلى قلوب الأطفال. أخرج العمل وألّفه كريس ساندرز، ومن بطولة لوبيتا نيونغو، وبيدرو باسكال، وكاثرين أوهارا، وبيل نيجي، وكيت كونور، ومارك هاميل.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *