الحارة الشعبية بمسلسلات رمضان.. مكان خيالي غير موجود على الخريطة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

تنقسم مسلسلات رمضان إلى أنواع متعددة مثل طبقات المجتمع المصري بالضبط، فبعضها مسلسلات يعيش أبطالها بحبوحة في العيش ورفاهية لا يمكن تخيلها، وأخرى تخاطب الطبقة المتوسطة بهمومها الخاصة وتركز بشكل أساسي على الأسرة الشابة في هذا العصر.

ونوع ثالث يمكن اعتبارها مسلسلات شعبية تتناول قصص سكان الحارات، بعضها يحاول الاقتراب من الواقعية، وبعضها يبدو كما لو أن صناعه لم يزوروا أيا من هذه الأماكن بحياتهم، فيقدم حارة خيالية، وفي هذا المقال نركز على مسلسلات الحارة الشعبية الرمضانية وشخصياتها التي تقترب من شخصية الأبطال الخارقين في كثير من الأحيان.

أبطال شعبيون أم خارقون؟

يستلهم كثير من صناع المسلسلات التلفزيونية طبيعة الحارة من مسلسلات أقدم مثل “ليالي الحلمية” الذي قدم خلاله “أسامة أنور عكاشة” عالم حي الحلمية المنقسم على نفسه بين الباشوات “الأرستقراطيين” من ناحية، والسكان العاديين من الطبقة الوسطى والدنيا من ناحية أخرى، وأعاد “عكاشة” تقديم الأحياء الشعبية المصرية في مسلسلات أخرى مثل “أرابيسك” و”زيزينيا” فتميزت هذه الحارات بالتنوع الكبير من الناحية الطبقية والديموغرافية.

أفرد “أسامة أنور عكاشة” في هذه المسلسلات مساحة واسعة لبناء شخصيات أصبحت مع الوقت أيقونية، منها شخصية معلم القهوة الذي بدأها مع “زينهم السماحي” واستلهمها من أعمال أقدم وأرسخ مثل روايات نجيب محفوظ وفتواتها التي نلاحظ أثرها في أعماله، وشخصية الشاب المناضل سواء كان مناضلا ضد الإنجليز أو يساريا أو ساعيا خلف مبدأ ما، والمثقف العدمي المحب لجو الحارة وألفته وهكذا.

أخذ صناع المسلسلات الحديثة شخصية واحدة، وطوروها لتصبح بطلة نوع كامل من المسلسلات، فالرجل الشجاع القوي نسخة متطورة من “فتوة” الزمن القديم، ولكنها أكثر خيالية من أي مسلسل أو رواية أقدم، ففي المسلسلات الحديثة يستطيع هذا “الشجيع” ضرب عشرات من أعدائه في آن واحد، وقلب الباطل حقا بالتلاعب بالألفاظ، واستخدام اللغة بشكل شعري يغلب حتى شعر عنترة بن شداد.

من هؤلاء الأبطال الشعبيين الخارقين “المعلم” (مصطفى شعبان) في مسلسل “المعلم”، وأوضح المسلسل في الحلقة الأولى أن والده أصر على تسميته بهذا الاسم كنبوءة بالمكانة التي سيتبؤها في المستقبل، وفي ذات الحلقة نشاهد “المعلم” وهو يلقن أحد بلطجية الحارة الأكبر منه حجما بشكل واضح درسا عندما يضربه وكل عصابته، ثم يكرر الأمر في السوق مع مجموعة أخرى من الأشرار، ليتحول من بائع سمك عادي إلى بطل في المصارعة والكونغ فو.

يتكرر الأمر في مسلسل “حق عرب” والذي فيه كذلك يُدعى بطل المسلسل “عرب”، وفيه يتورط “عرب” (أحمد العوضي) في تحصيل أموال لرب عمله يكتشف لاحقا إنها مزورة، الأمر الذي يعني خسارة وإهانة له في ذات الوقت، لذلك يطارد الرجل الذي أعطاه المال، ويضربه مع باقي أعضاء عصابته ويعود عودة المنتصر، ويمكن تطبيق هذه القدرات الخارقة على أعمال أخرى مثل “كوبرا” و”العتاولة” حتى وإن كان أبطالها تجاوز أعمارهم الخمسين مثل “أحمد السقا” و”طارق لطفي”.

البوصلة الأخلاقية

الملاحظ في الفترة الحالية ظهور بعض من أبطال هذا النوع من المسلسلات لا يحملون الوازع الأخلاقي الذي حمله من قبلهم أبطال المسلسلات الأقدم، فعلى سبيل المثال “كوبرا” (محمد إمام) في مسلسل “كوبرا” يفتتح العمل بخروجه من السجن، ويقرر التوبة عن ماضيه الإجرامي وبدء صفحة جديدة بيضاء، ويعيقه عن قراره المعلم “شيخون” الذي يورطه في جريمة جديدة تقوده لعدة جرائم أخرى، لا ينكر “كوبرا” عمله في السرقة، ولكنه يصمم على عدم إيذاء أي شخص خلال السطو على أحد البنوك، حتى لا يحمل وزر القتل.

 

أبطال مسلسل “العتاولة” كذلك يعيشون حياة الإجرام بشكل علني وذلك لا يتعارض مع شهامتهم الشديدة، فالشقيقان “نصار” (أحمد السقا) و”خضر” (طارق لطفي) يسرقان في الحلقة الأولى أثاث منزل عروسين ليهدياه لأختهما التي ستتزوج في ذات اليوم، ولكن على الجانب الآخر يسدد “نصار” ديون بعض من أهل الحارة سرا، ويقوم بأعمال خير مختلفة، فيقدم هذا المسلسلان أبطالا ذوي بوصلة أخلاقية متذبذبة بين الصواب والخطأ.

نجد النقيض في شخصيات شعبية أخرى مثل “المعلم” الذي يكسب لقمته بالحلال، ولذلك تخلى عن حلمه في أن يصبح ضابط شرطة ويعمل وهو طفل في سوق السمك، ويتميز بالمثالية فهو يحمي العاملة في صيدلية زوجته ويحنو على والدة صديقه المتوفى بذات القوة التي يجابه بها الأشرار.

شاهدنا كذلك في رمضان هذا العام بطلات شعبيات من النساء، ولكن يستخدمن ذكاءهن ودهاءهن في هزيمة الأشرار وليس العضلات، منهن “نعمة الأفوكاتو” الشجاعة في وجه الظلم والشريفة عندما تأتيها المغريات المختلفة، والتي لم تتكبر أو تتغير حتى عندما أصبحت مديرة في واحدة من أكبر الشركات، وتتبرع بملايينها العشرة لتسعد أحبابها من أهل الحارة حتى صاحبة المقهى التي تجلس عليه، وعندما يخونها البعض لا تتورع عن عقابهم بقوة مماثلة لما كان يمكن أن يقوم به “عرب” أو “المعلم” أو “نصار” في المسلسلات الأخرى.

“ناصرة” (روجينا) بطلة “سر إلهي” أيضا اسم على مسمى، فهي ناصرة لكل من يعرفها، وتحسن معاملة جيرانها في الحي الشعبي الذي تسكنه لذلك يقفون في صفها عندما تبدأ في الانتقام من إخوتها الذين أسهموا في سجنها ظلما.

تنمط المسلسلات التلفزيونية كذلك أهل الحارة في دورين فقط، بطل الحارة أو بطلتها، والباقي معاونون أو أعداء في شخصيات أحادية تماما يغيب عنها تناقضات الخير والشر كما لو أن هذه الأعمال لا تحاول نقل شريحة من الحياة اليومية للأحياء الشعبية -وهي المهمة المنوطة بها بالفعل- بل صنعت نوعا سينمائيا جديدا يمكن تسميته “فانتازيا الدراما الشعبية”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *