الأيديولوجيا والقتل الجماعي.. السياسات الأمنية المردكلة للإبادات الجماعية والفظائع المميتة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

“لماذا يتحول بعض الأفراد العاديين إلى قتلة جماعيين؟ وكيف تلعب الأيديولوجيا دورا في تبرير هذه الجرائم؟”

في كتابه الجديد “الأيديولوجيا والقتل الجماعي.. السياسات الأمنية المتطرفة للإبادات الجماعية والفظائع المميتة”، يقدم الدكتور جوناثان ماينارد تحليلا عميقا لهذه الظاهرة المروعة.

والدكتور ماينارد هو محاضر أول وأستاذ مشارك في السياسة الدولية في قسم الاقتصاد السياسي في كلية كينجز لندن، وبرلماني يعمل في وحدة الشؤون الدولية في مجلس العموم البريطاني.

قبل انضمامه إلى كلية كينجز في عام 2020، كان الدكتور ليدر ماينارد يعمل في جامعة أكسفورد، وشملت أبحاثه موضوعات تتصل بالعلاقات الدولية والعلوم السياسية والنظرية السياسية، وتركز على دور الأيديولوجيا في الصراعات المسلحة والمنافسة الجيوسياسية والسياسات المتطرفة، وخاصة في أشكال العنف ضد المدنيين مثل الإبادة الجماعية وإرهاب الدولة وانتهاكات حقوق الإنسان المنهجية.

كما أن لديه اهتمامات بحثية ثانوية في الدور الأوسع للأيديولوجيا في السياسة المعاصرة وأخلاقيات العنف السياسي والمناظرات المنهجية في إطار النظرية السياسية والعلوم السياسية النوعية.

وفي عام 2025 م، صدرت الترجمة العربية لكتابه “الأيديولوجيا والقتل الجماعي.. السياسات الأمنية المتطرفة للإبادات الجماعية والفظائع المميتة” عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر بوساطة المترجم محمد الدخاخني.

تفسير الظاهرة وتحليل الدوافع

يناقش ماينارد في كتابه أن عمليات القتل الجماعي، التي تظهر على شكل إبادات وحملات إرهابية وصولا إلى المذابح، تقوم بها منظمات شبه عسكرية، وتشتمل على أكثر الانتهاكات جورا لحقوق الضحايا، وتشكل “الجرائم الفظيعة” الأشد خطورة في القانون الدولي، ثم يتساءل لماذا تحدث هذه العمليات؟ وما العوامل الأيديولوجية التي تحفز البشر على ارتكاب الجرائم وأعمال العنف؟

أجاب ماينارد في كتابه عن هذه الأسئلة، طارحا ثلاث فرضيات شائعة لتفسير الإبادة الجماعية وأعمال العنف؛ الفرضية الأولى هي حالة الاضطراب العقلي التي قد يعانيها مرتكب الجريمة، والفرضية الثانية هي الطبيعة العدوانية للفطرة البشرية، وأن البشر بطبيعتهم قتلة، أما الفرضية الثالثة فهي إجبار القتلة على ممارسة العنف.

ووفقًا لتحليلات مستفيضة أجراها الكاتب، فإن الأيديولوجيا التي يتبناها المجتمع، ممثلة في مجموعة المعتقدات السياسية التي تعتنقها الدولة، هي التفسير الحقيقي لعمليات القتل الجماعي، مشيرا إلى عدة عوامل أيديولوجية أساسية؛ منها تصوير المدنيين بأنهم يشكلون تهديدا، واتهامهم بارتكاب جرائم خطيرة، وإنكار روابطهم الهوياتية مع مجتمعهم السياسي، إضافة إلى اعتبار أن العنف ضدهم واجب، مع التأكيد على فوائد العنف الاستراتيجية في المستقبل، وأن القتل الجماعي حتمي، ولا بديل عنه لمواجهة الطرف الآخر.

ومهما حاولنا تجاهل الحقيقة واعتماد التفسيرات الشائعة لتبرير جرائم الحرب وأعمال العنف، فإننا مضطرون إلى الاعتراف بأن وحشية البشر تظهر مع ظهور أيديولوجيات العنف في المجتمع، التي تغويهم للمشاركة في جرائم وإبادات مميتة.

أقسام الكتاب

ويأخذنا ماينارد في كتابه، عبر تسعة فصول غنية بالمعلومات، تبدأ بمقدمة تحليلية وتنتهي بخاتمة تستشرف المستقبل، مقسما الكتاب على النحو الآتي:

  • الفصل الأول: مقدمة

وفيه يفصل المؤلف القول في مقدمات لا بد منها لكتابه، فيتحدث عن لغز القتل الجماعي، والأيديولوجيا ونقادها، ثم ينتقل إلى ما أسماه تفصيل الحجة، ويستعرض بعدها المخطط التفصيلي للكتاب.

  • الفصل الثاني: توضيح الأيديولوجيا

وفيه يناقش المؤلف بالتفصيل تحرير مفهوم الأيديولوجيا مجيبا عن سؤال: ما الأيديولوجيا؟ ثم يغوص في التحليل العميق لتأثيرات الأيديولوجيا، مجيبا عن سؤال: كيف تؤثر الأيديولوجيا في السلوك؟ ليقدم بعد ذلك خلاصات الفصل الثاني في نقاط مركزة.

  • الفصل الثالث: كيف تفسر الأيديولوجيا القتل الجماعي؟

وفيه يقدم المؤلف شرحا وافيا لحالة القتل الجماعي من دون أيديولوجيا، ثم يناقش بالتفصيل والتحليل الحجة الأساسية: الأيديولوجيات والأزمات السياسية، ثم يقدم تحليلا عميقا للأيديولوجيا وتحالفات الجناة، لينتقل بعدها متناولا قضية من أهم القضايا، وهي جذور الأيديولوجيا المتشددة بالتفصيل والتحليل. وكعادته في نهاية كل فصل، يقدم خلاصات مركزة لكل ما استعرضه.

  • الفصل الرابع: التبرير المتشدد للقتل الجماعي

ويبدأ المؤلف هذا الفصل بالإجابة العميقة عن سؤال: أي أيديولوجيات ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند الحديث عن الإبادات والقتل الجماعي؟ ثم يتناول بالتحليل المستفيض سلطة السرديات التبريرية، وفي نهاية الفصل يقدم خلاصاته المركزة كما اعتاد في كل الفصول.

A picture taken in Moscow on December 5, 1936, at the Congress of Soviets, shows General Secretary of the PCUS Joseph Stalin giving a speech during the debates about the vote of the new Constitution of the USSR also known as the "Stalin" constitution. (Photo by SNEP / AFP)
  • الفصل الخامس: القمع الستاليني

وفي بدايته يقدم لمحة عامة عن القمع الستاليني، ليناقش بعدها بالشرح صعود الحالة الستالينية، ثم يتناول الستالينية والقتل الجماعي بوصفه سياسة قمعية.

  • الفصل السادس: قصف الحلفاء للمدنيين في الحرب العالمية الثانية

وبعد أن يقدم المؤلف لمحة عامة عن الحدث، ينتقل ليجيب عن جذور عقائد القصف الجوي عند الحلفاء، ثم يتحدث بالتحليل عن الأيديولوجيا وقصف مناطق المدنيين في الحرب العالمية الثانية.

  • الفصل السابع: القتل الجماعي في الحرب الأهلية في غواتيمالا

وبعد اللمحة العامة عن الحدث، يتحدث المؤلف عن تطور الأيديولوجيا العسكرية، ثم يستفيض في التحليل عن الأيديولوجيا والقتل الجماعي لمكافحة المتمردين.

  • الفصل الثامن: الإبادة الجماعية في رواندا

وبعد اللمحة العامة، يقدم المؤلف شرحا وافيا عن تطور القومية الإثنية المتشددة للهوتو، ليناقش بعد هذا الشرح الأيديولوجيا في الإبادة الجماعية.

  • الفصل التاسع والأخير: الخاتمة

التي يستعرض فيها المؤلف خلاصاته حول دور الأيديولوجيا في القتل الجماعي، طارحا رؤيته في التقدم نحو الأمام، ومنهجيته في التنبؤ والرقابة.

فإذا كنت مهتما بفهم كيف تؤثر الأيديولوجيات على قرارات الدول والمجموعات المتطرفة، فإن كتاب “الأيديولوجيا والقتل الجماعي.. السياسات الأمنية المتطرفة للإبادات الجماعية والفظائع المميتة”، الواقع في 560 صفحة، يعد مرجعا مهما يغوص في أعماق هذه التساؤلات، ويشرح العلاقة بين الأيديولوجيا والقتل الجماعي، ولا غنى لباحث في هذا الموضوع عنه.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *