الأكاديمي اللبناني نديم منصوري: الصورة البراقة للنموذج الغربي سقطت

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 19 دقيقة للقراءة

يرى البروفيسور اللبناني نديم منصوري أن الصراع في فلسطين يعود إلى 75 عاما من القهر والاستبداد والقتل والإجرام الإسرائيلي، ليصل الفلسطينيون إلى “نقطة التحول”.

ويضيف “أعاد هذا التحول المنتظر القضية الفلسطينية إلى المسرح العالمي بعد محاولات طمسها عبر “التطبيع البارد” الذي كان يمارس بحقها”.

ويقول منصوري -وهو أحد علماء علم الاجتماع الرقمي في العالم العربي- إن الصورة البراقة للنموذج الغربي قد سقطت، وإن لم تظهر ملامح هذا السقوط بشكل مباشر في الشارع العربي حتى اللحظة بشكل واضح، لكن تأثير هذا السقوط سيظهر جليا مع الوقت.

ويعمل منصوري حاليا محاضرا في الجامعة اللبنانية ومنسقا عاما لشبكة التحول والحوكمة الرقمية في لبنان، وله العشرات من الإنجازات العلمية إضافة إلى الكتب، ومن أهمها “العصبية في المجتمع الرقمي” (2022)، و”موضوعات في علم الاجتماع الإنترنت والتواصل الرقمي” (2019)، و”الاستحمار الإلكتروني” (2016)، و”سوسيولوجيا الإنترنت” (2014)، و”الثورات العربية بين المطامح والمطامع” (2012) وغيرها، فإلى الحوار:

  • ما أبرز الظواهر والتأثيرات التي ستفرزها الإبادة الجماعية والجرائم غير الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال الإسرائيلي منذ طوفان الأقصى، سواء عربيا أو دوليا؟

إن أبرز ما أحدثته عملية “طوفان الأقصى” يتجسد في بروز “نقطة التحول” التاريخية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، في علم الاجتماع تُعتبر نقطة التحول ظاهرة نادرة، فهي لا تحدث إلا عند حدوث ظرف تاريخي حاسم.

صِيغت هذه العبارة في استخدامها الاجتماعي بواسطة مورتون غرودزينز لكن في سياق مختلف حيث درس الأحياء الأميركية المختلطة في ستينيات القرن الماضي، ولاحظ أن الأسر ذات البشرة البيضاء تبقى في الحي طالما أن عدد الأسر ذات البشرة السوداء مقارنة بها صغير جدا.

لكن عند نقطة معينة عند وصول “عدد كبير جدا” من العائلات ذات البشرة السوداء تخرج الأسر ذوات البشرة البيضاء المتبقية بشكل جماعي كرد فعل، وقد أطلق غرودزينز على هذه العملية اسم “نقطة التحول”.

لقد احتاج الصراع إلى 75 عاما من القهر والاستبداد والقتل والإجرام الإسرائيلي، ليصل الفلسطينيون إلى “نقطة التحول”.

لقد احتاج الصراع إلى 75 عاما من القهر والاستبداد والقتل والإجرام الإسرائيلي، ليصل الفلسطينيون إلى “نقطة التحول”.

لقد أعاد هذا التحول المنتظر القضية الفلسطينية إلى المسرح العالمي بعد محاولات طمسها عبر “التطبيع البارد” الذي كان يمارس بحقها، فالدماء التي سالت جراء الإبادة الجماعية والجرائم غير الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي أدت إلى حدوث عدة تأثيرات إستراتيجية على المستويين العربي والدولي نذكرها كما يلي:

– الانكشاف الدولي: انكشاف الاحتلال الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي الذي كان يدعي تعرضه للظلم، لتظهر حقيقته كمجرم حرب يقف مدانا أمام المحاكم الدولية.
– سقوط أكذوبة الجيش الذي لا يقهر: أدت تأثيرات طوفان الأقصى إلى انكشاف جيش الاحتلال الإسرائيلي من حيث عجزه عن تحقيق الأهداف العسكرية، واقتصار دوره على البطش والقتل.
– ثبات محورية القضية الفلسطينية: إعادة بروز القضية الفلسطينية على طاولة البحث، حيث لا يمكن تجاهل هذه القضية التي أثبتت أنها القضية المحورية للعرب، ودون حلها لا يمكن العيش في شرق أوسط ينعم بالسلام، ومعاودة طرح حل الدولتين.
– بروز رأي عام شبابي عالمي: أدى طوفان الأقصى إلى بروز رأي عام شبابي عالمي -ولا سيما من الجامعات العالمية التي تنتج قادة المستقبل- مؤمن بأحقية القضية الفلسطينية بعد انكشاف السرديات الإسرائيلية السابقة على مدار عقود سابقة.

  • كان النموذج الغربي -أيديولوجية وحقوقا وقيما- حاضرا في العالم العربي، هل تتوقعون أن تؤثر المجازر الوحشية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة على هذا النموذج لدى الشعوب العربية؟

إن الإشكالية السياسية الأساسية التي واجهها النموذج الغربي انطلاقا من الفكر الإغريقي هي إشكالية العدل، فكتابات الفلاسفة عند الإغريق شددت على مفهوم العدل باعتباره مفهوما مفتاحيا في الحياة السياسية والأخلاقية، لذلك نجد أفلاطون مؤسس الفلسفة العقلانية التي ارتكزت عليها الفلسفة الحديثة يعطي مفهوم العدل الأولوية المعيارية في النظام السياسي والأخلاقي الذي كرس جهده لتحديد معالمه.

ولطالما ترافق مفهوم العدل في النموذج الغربي مع الفلاسفة اللاحقين -مع أوغسطينوس وتوما الأكويني وهوبز وهيوم وكانت وميل وماركس ورولز وغيرهم- على مفاهيم أخلاقية أخرى وثيقة الصلة بالحق والإنصاف والمساواة.

وبالتالي، فإن أي ممارسات تخالف هذه المبادئ -التي تأطرت لاحقا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان كمبادئ مشتركة للبشرية جمعاء- تجعلنا في موقع الذهول، لأن الفكر الغربي قد ارتكز على هذه المبادئ.

لقد كان من البديهي أن تتأثر الشعوب العربية بهذه المبادئ التي أدخلتها في مناهجها التعليمية المدرسية والجامعية، والتي تكوّنت على إطارها أجيال كثيرة متأثرة بهذه الثقافة ومقتنعة بها كونها ثقافة لا بد للفرد العربي من الاقتداء بها.

المجازر الإسرائيلية التي ترتكب بحق الفلسطينيين جعلت المسائل المبدئية في تناقض ضخم على المستويين المفاهيمي والتطبيقي، فالمشهد اليوم مستهجن بكل مقاييسه، فكيف للدول الغربية التي تدعي صون العدالة وحرية التعبير وحقوق الإنسان أن تدافع عن السلوك الإجرامي الممنهج الذي يتبعه الاحتلال الإسرائيلي واعتباره حقا مضادا تحت ذريعة “الدفاع عن النفس”؟

لكن المجازر الإسرائيلية التي ترتكب بحق الفلسطينيين جعلت المسائل المبدئية في تناقض ضخم على المستويين المفاهيمي والتطبيقي، فالمشهد اليوم مستهجن بكل مقاييسه، فكيف للدول الغربية التي تدعي صون العدالة وحرية التعبير وحقوق الإنسان أن تدافع عن السلوك الإجرامي الممنهج الذي يتبعه الاحتلال الإسرائيلي واعتباره حقا مضادا تحت ذريعة “الدفاع عن النفس”؟

إن انقلاب مصداقية المفاهيم الغربية يطرح إشكالية العدل مجددا، فما هو العدل؟ ما معاييره؟ كيف يتم قياسه؟ والأهم من ذلك، إلى أي مدى تستطيع الشعوب العربية الاستمرار في تصديق النموذج الغربي الذي سقط في أهم امتحان أخلاقي طال كينونة الإنسان؟

في رأيي، إن الصورة البراقة للنموذج الغربي قد سقطت وإن لم تظهر ملامح هذا السقوط بشكل مباشر في الشارع العربي حتى اللحظة بشكل واضح، لكن تأثير هذا السقوط سيظهر جليا مع الوقت، وهذه نقطة انطلاق يبنى عليها إذا ما أرادت الشعوب أن تتحرر من المفاهيم الكاذبة نحو مرحلة المفاهيم الأصيلة التي تعبر بصدق عن حقيقة الواقع.

  • بوصفكم أحد علماء الاجتماع، ما الذي يجعل مجازر الاحتلال الإسرائيلي أكثر تحريكا للوجدان والفعل في بعض الدول الغربية دون بعض الشعوب العربية؟ وهل فقدت الدول العربية الحوافز للدفاع عن ذاتها ومصالحها العربية؟

لا بد أولا أن نفصل بين ردود الفعل الشعبية المتمثلة بالشباب الجامعيين في الجامعات الغربية التي تدين الجرائم الإسرائيلية وبين ردود فعل الحكومات الغربية التي ما زالت على موقفها الداعم للاحتلال الإسرائيلي على الرغم من استمرار الحرب غير الإنسانية في غزة واعتبار أن جميع الشهداء والوفيات الذين سقطوا ضحايا جانبيين مؤسفين لعملية عسكرية ضرورية ومحقة.

ويعود سبب دعم الحكومات الغربية “لإسرائيل” إلى العديد من الاعتبارات التاريخية وهي:

– قناعة الحكومات الغربية بأحقية “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها.
لكن في المقابل شعر الشباب الجامعيون الغربيون بحجم هذه الأكذوبة التي تعكس “إشكالية أخلاقية” ظاهرة للجميع، حيث إن الدفاع عن النفس لا يكون بالإبادة الجماعية لشعب بالكامل.
– اعتبار الحكومات الغربية أن “إسرائيل” دولة عقلانية يحكمها القانون، وأنها تحرص على المدنيين، وأنها دولة غير عنصرية وإنما تقوم بردة فعل على هجوم غير مسبوق تعرضت له في 7 أكتوبر.

لكن ذلك لم يمر على الشباب الغربيين الذين يدركون تماما معنى العقلانية، وهم بالمقابل يشاهدون المجازر الجنونية التي ترتكبها “إسرائيل” بحق المدنيين.
– اعتبار الحكومات الغربية أن الشعب الفلسطيني ينتمي إلى الإسلام السياسي، وهو يعتبر الإسلام السياسي المتطرف معاديا للسامية.

لكن الشباب الغربيين الذين بدأ اهتمامهم بدراسة الإسلام منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول باتوا يدركون نسبيا أن الإسلام كدين لا يشبه بالضرورة المجموعات المتطرفة التي ظهرت مع القاعدة وداعش وغيرها، وأن الشعب الفلسطيني والنساء والأطفال ليسوا تنظيمات إرهابية، بل هم أناس عزّل ويحق لهم الحياة بشكل آمن.

وكذلك لا بد من الالتفات إلى أن الشباب الغربيين يعترضون على المجازر الإجرامية من منطلق إنساني أكثر منه لاعتبارات أيديولوجية أو عقائدية أو تاريخية.

التفكير النقدي للشباب الغربيين يجعلهم قادرين على إدراك الحقائق وتحليل المعطيات انطلاقا من مسلّمات تربوا عليها، فهم لا يقتنعون لأي سبب من الأسباب بظاهرة القمع التي تمارس بحقهم لمجرد أنهم يعبرون عن آرائهم، وهم لن يقتنعوا أن القتل والإجرام هما ضمن قواعد الدفاع عن النفس.

وبالتالي، فإن التفكير النقدي للشباب الغربيين يجعلهم قادرين على إدراك الحقائق وتحليل المعطيات انطلاقا من مسلّمات تربوا عليها، فهم لا يقتنعون لأي سبب من الأسباب بظاهرة القمع التي تمارس بحقهم لمجرد أنهم يعبرون عن آرائهم، وهم لن يقتنعوا أن القتل والإجرام هما ضمن قواعد الدفاع عن النفس.

في المقابل، يقف الشباب العرب عاجزين عن إظهار أي دور فعال في نصرة أهل فلسطين، وذلك للاعتبارات الآتية:

– استمرار الخوف في صفوف الشباب العرب من الأنظمة العربية الخاضعة التي لم تبدِ أي مواقف فعالة، بل نجد أن البعض منها قد تماهى مع الموقف “الإسرائيلي”.
– استمرار الهيمنة الاجتماعية كما يفسرها بيار بورديو، والتي تقوم على إعادة إنتاج نفسها عبر المؤسسات الاجتماعية، خاصة النظام التعليمي الذي يقوم بإعادة إنتاج الهياكل الهرمية للمجتمع عبر الأجيال، وما زال الشباب العرب خاضعين لهذا التسلط عاجزين عن كسر طوقه في الوقت الراهن.
– عدم إدماج الأساليب القائمة على النقد والتحليل في المناهج التعليمية، وهي وإن وجدت ما زالت تُدرس بشكل تلقيني سطحي وبأسلوب يعيد الفكرة دون أي تمحيص أو فهم.
– تراجع الفكر القومي لصالح القضايا الوطنية، ففي الوقت الذي عايشت الأجيال العربية من مواليد الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي الفكر القومي الذي أجمع على أن القضية الفلسطينية هي “قضية مركزية قومية” كانت الأجيال من مواليد الستينيات قد سيطرت على قيمها أدبيات الولاء الوطني، وفي بعض الأحيان المعاداة لكل ما هو قومي، وأدى كل ذلك تباعا إلى ابتعاد الشباب العرب عن القضية المحورية مقابل حرصهم على التقوقع ضمن إطارهم الوطني الضيق.

  • قبل طوفان الأقصى كانت هناك صورة نمطية عن الشباب بأنهم يتواصلون عبر المنصات الرقمية لإشباع احتياجات فردية، لكننا نتابع اليوم احتجاجات في جامعات أميركية وأوروبية وآسيوية، هل هناك سوء فهم لهؤلاء الشباب؟

في قول مأثور عن الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور لفت إلى أن الحرب هي مسألة أكثر خطورة من أن تترك للعسكريين، ويزيد من أهمية هذا القول أن أيزنهاور نفسه كان عسكريا متمرسا، فهو الذي قاد الإنزال الشهير لقوات الحلفاء في النورماندي أثناء الحرب العالمية الثانية مؤذنا ببداية النهاية للرايخ النازي الثالث وحروبه.

وعلى غرار هذا يميل كثير من اختصاصيي الرقمنة إلى القول بعدم ترك شأنها لاختصاصي التقنية حصريا، وثمة أكثر من مبرر لهذا التفكير، فيكفي القول إن المعلوماتية وعوالمها الرقمية باتت جزءا لا يتجزأ من حياة الناس اليومية، فضلا عن كونها محط اهتمام الباحثين في مختلف العلوم (بمعنى آخر: الرقمنة أهم بكثير من أن تترك للمعلوماتيين فقط).

باتت المنصات الرقمية مجتمعا للجميع، فيها ومن خلالها يمكن لأي مستخدم أن يتعامل معها كما يشاء، سيبقى من يستخدمها بشكل فردي وسطحي يجوب عبر مواقعها وتطبيقاتها دون أي فائدة، وسيظهر من يحسن استخدامها بعد اكتسابه المهارات الرقمية المطلوبة ليكون مواطنا رقميا فاعلا يحدث التغيير في مجتمعه.

لقد باتت المنصات الرقمية مجتمعا للجميع، فيها ومن خلالها يمكن لأي مستخدم أن يتعامل معها كما يشاء، سيبقى من يستخدمها بشكل فردي وسطحي يجوب عبر مواقعها وتطبيقاتها دون أي فائدة، وسيظهر من يحسن استخدامها بعد اكتسابه المهارات الرقمية المطلوبة ليكون مواطنا رقميا فاعلا يحدث التغيير في مجتمعه.

  • ما دور المنصات الرقمية في تفعيل الاحتجاجات بالجامعات الغربية، وفي تأثيرها على الساحة العربية؟

– أحدثت الاحتجاجات في الجامعات الغربية “عدوى احتجاجية متنقلة” جعلها تمتد إلى العديد من الدول الأوروبية والآسيوية، وأن تحرج الجامعات العربية في التحرك وفي التعبير عن موقفها المؤيد للقضية الفلسطينية.

– تساهم المنصات الرقمية في خلق جيل شبابي واعٍ للقضايا العامة وإن كان ضمن البيئة الرقمية، ولكنها تساعد على ارتفاع منسوب الوعي السياسي وعدم الخضوع للهيمنة التي تمنعه من التعبير عن موقفه.
– تساهم المنصات الرقمية في نقل الواقع وعدم تزييفه كما يحصل مع الكثير من المحطات التلفزيونية التقليدية التي تنقل روايتها البعيدة أحيانا عن الواقع أو الموجهة من السلطة التابعة لها.
– ينشط الفاعلون الرقميون انطلاقا من إيمانهم بقضية محقة وتكريسا لكل المبادئ الإنسانية والقانونية التي تربوا عليها، وبالتالي ساهمت هذه المنصات في نقل مواقف الطلاب الأحرار الذين يؤمنون فعلا بهذه المبادئ خارج إطار الشعارات الكاذبة.
– يستخدم الفاعلون الرقميون كافة الأساليب في نقل المعلومات من نصوص إلى صور إلى فيديوهات إلى روابط إلى رسوم تعبيرية إلى مضامين ساخرة إلى استطلاعات رأي إلى تسريبات إعلامية، كل ذلك يساهم في نقل الحقيقة وفي زيادة الوعي عند الشباب الغربيين والعرب.

صمت المشاهير مرتبط بمصالحهم الشخصية، لكن هذا الصمت قد انعكس عليهم سلبا بعد مواقفهم غير الإنسانية وبعد تسخيف البعض منهم دماء الشهداء في فلسطين.

  • في المقابل، لاحظنا أن الكثير من الفنانين والمثقفين والسياسيين التزموا الصمت رغم مشاركة الحكومات الغربية في العدوان على الشعب الفلسطيني، بل صارت تقمع حق الشباب في حرية التعبير، كيف تفسرون هذا التناقض؟

إن صمت المشاهير مرتبط بمصالحهم الشخصية، لكن هذا الصمت قد انعكس عليهم سلبا بعد مواقفهم غير الإنسانية وبعد تسخيف البعض منهم دماء الشهداء في فلسطين.

هذا ما جرى مؤخرا خلال موقف عارضة الأزياء والشخصية المؤثرة هايلي بايلي في حفل ميت غالا، والتي نشرت مقطع فيديو بعنوان “بعيد عن اللمس” مقتبسة عبارة ماري أنطوانيت الشهيرة “دعهم يأكلون الكعك”، كاستهزاء متعمد بحق الفلسطينيين الجائعين بسبب الاحتلال الإسرائيلي.

وقد أثار هذا الموقف غير الإنساني حفيظة الشباب الغربيين، مما دفعهم إلى إطلاق حملة “بلوك آوت 24” التي تهدف إلى حظر الفنانين الأميركيين والمشاهير بسبب امتناعهم عن اتخاذ موقف واضح إزاء الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.

وجسدت هذه الحملة الضخمة موقفا موجعا للمشاهير والمؤثرين الذي خسروا ملايين المتابعين عقابا لهم على مواقفهم اللاإنسانية، مثل كيم كاردشيان والمغنية العالمية تايلور سويفت وسيلينا غوميز وجينفر لوبيز، وغيرهم الكثير.

والمهم في الحملة أن المنصات الرقمية لا يمكنها التدخل في إيقافها، ومن شأنها التأثير الفعلي في مسيرة هؤلاء المشاهير وفي مسار شهرتهم في وقت قصير وفي تراجع مداخيلهم المادية.

وقد امتدت هذه الحملة إلى العالم العربي من خلال حظر المشاهير والمؤثرين الذين لم يتخذوا موقفا من الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.

كل ذلك يؤكد أن الشعوب تمتلك القدرة على تحقيق التغيير، يتطلب الأمر كسر طوق الخوف والانحياز للحق قبل أي شيء آخر.

هذا الجيل أبناء الجامعات المتمثل بـ”جيل زد” أي مواليد (1997-2012) هم الأكثر تأثرا بهذه الحملة، وهم في الوقت عينه جيل القادة المقبلين في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا وغيرها، وبالتالي نحن أمام مشهد ولادة جيل قيادي مستقبلي مؤيد للقضية الفلسطينية.

  • كيف يمكن البناء على تعاطف الطلبة الجامعيين وغيرهم من أجل خدمة القضايا العربية عامة وقضية فلسطين خاصة؟ أو كيف نستثمر مبادرات وأفعال الشباب الغربيين لتوسيعها وديمومتها؟

من وجهة نظري، ما يقوم به الشباب الغربيون قد تجاوز درجات التعاطف، حيث لم تعد القضية الفلسطينية بعيدة عن اهتمامات الأجيال الأميركية والغربية، بل باتت في صلب رؤيتهم المستقبلية تجاه الاحتلال الإسرائيلي.

كما أن هذا الجيل أبناء الجامعات المتمثل بـ”جيل زد” أي مواليد (1997-2012) هم الأكثر تأثرا بهذه الحملة، وهم في الوقت عينه جيل القادة المقبلين في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا وغيرها، وبالتالي نحن أمام مشهد ولادة جيل قيادي مستقبلي مؤيد للقضية الفلسطينية، ويضع “إسرائيل” في موضع المتهم على الجرائم غير الإنسانية التي ترتكبها بحق الفلسطينيين، ويؤدي ذلك إلى تشكل مواقف مغايرة للسياسات الخارجية الحالية، مما قد ينعكس لاحقا على السياسة الخارجية الأميركية، ولا سيما إذا تمكن هؤلاء الشباب من الوصول إلى سدة القرار.

كما نلاحظ أن من أبرز مطالب شباب الجامعات وقف الاستثمارات الأميركية والغربية في “إسرائيل”، وقد طالب العديد منهم إدارات جامعاتهم بوقف الاستثمار في الأراضي المحتلة.

كل ذلك يعكس صحوة شبابية غربية تجاه القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ويشكل معارضة فكرية وعلمية مواجهة للسياسات الغربية اللاعادلة، وفي رفض استمرار دولهم في دعم “إسرائيل”، والامتناع عن التفريط في أموالهم لصالح سياسات لا تصب في مصلحة الأميركيين، والأهم المطالبة بعدم خنوع السياسيين الأميركيين للإسرائيليين.

إن الفجوة الناشئة بين الحكومات الغربية وبين الرأي العام -ولا سيما الشبابي منهم- لا يقتصر فقط على المشهد الفلسطيني، بل طال المبادئ الأساسية التي تربى عليها الغربي، وأهمها “حرية التعبير”.

ورغم أن القانون يسمح لهؤلاء الشباب بالاحتجاج والاعتصام فإن السلطات الأميركية والغربية مارست انتهاكات واضحة بحق المواطنين، وهو عمل غير مبرر وينتهك قوانين حقوق الإنسان.

أمام هذه الصحوة الغربية لا بد أن تقابلها صحوة عربية وإسلامية، المنطق يقول ذلك، وهي فرصة ثمينة ليتمكن الشباب العرب من التواصل مع الشباب الغربيين والتنسيق فيما بينهم لمناقشة القضايا الإنسانية المشتركة.

القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية، وبالتالي يمكن أن تكون قضية عالمية مشتركة لا تعني العرب وحدهم، وأثبتت الآن أنها قضية عالمية

إن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية، وبالتالي يمكن أن تكون قضية عالمية مشتركة لا تعني العرب وحدهم، وأثبتت الآن أنها قضية عالمية.

ويمكن للشباب من خلال “التواصل الثقافي الرقمي” -الذي يشكل البيئة الرقمية لإنتاج واستهلاك الثقافة الرقمية عبر مجتمع الشبكة- أن يكونوا فرصة غير مسبوقة لإنتاج المحتوى المشترك للقضايا الإنسانية الواحدة الذي يمكنه أن يكون وثائقيات أو أفلاما أو موسيقى أو رسوما أو فنونا متنوعة، ويفتح ذلك آفاقا كبرى في تفاعل الشباب والمثقفين والمبدعين وتلقي ردود الفعل التي تؤسس لاحقا إلى قوة شبابية تحمل في طيات قوتها قرار المستقبل.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *