فازت الممثلة “ميشيل يوه” بجائزة الأوسكار أفضل ممثلة بدور رئيس في 2023، لتصبح أول ممثلة آسيوية تفوز بهذه الجائزة، وأول ماليزية تحصل على أوسكار بأي فئة، أعادت هذه الجائزة اكتشاف الممثلة التي ربما لم يعرفها من قبل قطاع واسع من الجمهور، وفي 2024 انتقلت “يوه” من السينما إلى شاشة نتفلكس، لتقدم المسلسل الأميركي “الأخوان صن” The Brothers Sun.
يتكون مسلسل “الأخوان صن” من 8 حلقات، وينتمي لنوع “الأكشن” كوميدي، كتبه للشاشة ” بايرون وو” و”براد فالتشوك”، ويشارك “ميشيل يوه” البطولة كل من: “جوستين شين” و” سام سونج لي”.
مسلسل شوهد من قبل
يعطي مسلسل “الأخوان صن” انطباع “شوهد من قبل” أو الـ “ديجافو” منذ بدايته، فالحبكة وبناء الشخصيات خاصة يبدوان كما لو أنهما أبناء غير شرعيين لعشرات المسلسلات والأفلام، سواء الأكشن الكوميدي بشكل عام، أو الأكشن الكوميدي الآسيوي على وجه الخصوص.
يبدأ الأمر بالمشهد الافتتاحي، وفيه نشاهد بطل المسلسل “تشارلز/ جوستين تشين” في مطبخ منزله المتسع يحضر كعكة بإتقان شديد، وفي الخلفية شاشة تلفاز عملاقة يُعرض عليها أحد برامج الطهي الشهيرة، سريعا ما ينقلب هذا السكون إلى فوضى صاخبة عندما يهاجم “تشارلز” مجموعة من رجال العصابات، ولكن الطاهي الهادئ يتحول إلى إعصار يتقن فن القتال الآسيوي، فيقتلهم واحدا بعد الآخر، قبل أن يعود لكعكته ويجدها محترقة ما يثير غضبه ربما أكثر من الهجوم نفسه.
استخدم عشرات المخرجين مشهد البطل الذي يمارس عاداته اليومية الهادئة قبل الهجوم عليه، واستعراض قدراته القتالية في العديد من الأعمال التي يصعب حتى حصرها، فهو وسيلة تقليدية للتعبير عن جوانب الحياة المتناقضة للشخصية، ومن المفترض منه مفاجأة المشاهد، الأمر الذي لم يتحقق هنا؛ لأن مع كثرة استخدام هذا الأسلوب أصبح “كليشيه” مكرر في حد ذاته.
في المشهد التالي مباشرة نتعرف إلى والد “تشارلز”، وهو أحد 3 رؤساء للعصابات الصينية، الذي يتنافس مع الرئيسين الآخرين على حكم عالم الجريمة الآسيوي، ويتكرر الهجوم الذي يستهدف الأب هذه المرة، وقبل دخوله للغيبوبة مباشرة يطلب من ابنه حماية والدته.
يترك “تشارلز” الحرب التي كان ينوي شنها على رؤساء العصابات المنافسة، وينتقل من “تايوان” إلى “لوس أنجلوس” الأميركية، ليعرف المشاهد أن والدته وأخاه الأصغر يعيشان حياة “مدنية” هادئة بعيدا عن عنف الجريمة المنظمة، وتحت غطاء من عملها ممرضة تربي الأم “إيلين/ ميشل يوه” ابنها الأصغر “بروس/ سام سونج لي”.
تكرار آخر نجده في الأخوين اللذين تربيا بمعزل عن بعضهما بعضا، ثم يكتشفان حاجة كل منهما للآخر، ومدى التناقض بينهما في الوقت نفسه، وهي أداة درامية استُخدمت كثيرا من قبل، من أشهرها فيلم “رجل المطر” (Rain Man) الحائز على العديد من الجوائز.
بينما قدمت “ميشيل يوه” نفسها شخصية الأم نفسها في أشهر أفلامها “كل شيء في كل مكان في وقت واحد” (Everything Everywhere All At Once) الذي فازت عنه بالأوسكار، وهي المرأة التي تبدو من الخارج سيدة آسيوية اعتيادية بما تحمله من صرامة وتشدد في تطبيق القواعد وتربية أبنائها، وتغذيتهم بالوصفات الأصلية التي تعلمتها من جدتها، ولكنها قادرة على القتال بشراسة شديدة لحماية أولادها.
تمتد التشابهات مع أعمال أخرى لباقي تفاصيل المسلسل، مثل: خضوع الابن الأكبر الكامل لأهله، وتمرد الابن الأصغر المتمثل في تعلمه التمثيل “الارتجالي” على عكس رغبة الأم، لنجد أن حلقات العمل لا تقدم سوى مشهد متوقع وراء الآخر بلا أي محاولة لكسر أفق توقعات المشاهد أو مفاجأته.
متلازمة جاكي شان
أسهم النجاح العالمي للممثل الهونغ كونغي “جاكي شان” في ظاهرة يمكن تسميتها “متلازمة جاكي شان”، وتتمثل في عشرات الأفلام التي تحاول نسخ أسلوبه في مزج الكوميديا والأكشن الآسيوي على وجه الخصوص، حيث البطل يجمع بين خفة الظل والقدرة على أداء حركات فنون القتال الآسيوية بسرعة ودقة.
مسلسل “الأخوان صن” أحدث ضحايا هذه المتلازمة، وقد حاول صنّاعه طوال الوقت المزج بين مشاهد الأكشن والكوميديا، يتركز ذلك بشكل أساس في الأخ “تشارلز” -وهو الذي قدّم أغلب مشاهد الحركة في المسلسل بشكل عام- فرُسمت شخصيته التي تستمتع بالقتل بالدرجة ذاتها أثناء استمتاعها بالطهي، فمثلما يتابع بشغف البحث عن العدو الذي يستهدف عائلته، يحاول طهي أحد أنواع الحلوى التي تعرَّفها حديثا في الولايات المتحدة، مع تلميحات لماضيه كونه مراهقا شديد السُمنة لحبه الطعام.
وعلى الرغم من شهرة الممثلة “ميشيل يوه” بأدائها المميز لمشاهد الأكشن -خاصة في أفلامها الآسيوية التي صنعت اسمها ما قبل الأوسكار وتعرف الجمهور الأميركي إليها- فإن صنّاع المسلسل حرموها من هذه المشاهد تقريبا، إلا في الحلقات الأخيرة عندما قدّمت واحدا من أفضل تتابعات الحركة في المسلسل.
في لقاء لمؤلف المسلسل “براندون رو” مع موقع “فاريتي” سوّغ هذا الغياب برغبته مع باقي صناع “الأخوان صن” في التركيز على جانب الأمومة في شخصية “إيلين” ليتماهى معها الأميركيون من أصل آسيوي، ويشعرون أنهم يشاهدون أمهاتهم على الشاشة، وليس ممثلة الأكشن الشهيرة تقدم دور أم.
ما يوحي بأن المسلسل بشكل أساس موجّه فقط لإرضاء هذه الشريحة من المشاهدين، باستخدام المألوف للغاية من مشاهد و”تكنيك الأكشن” عبر “تشارلز”، وحرم العمل من رؤية ما هو جديد على العديد من المتفرجين، أي “ميشيل يوه” وهي تقدم ما برعت فيه لعقود في أفلامها الأولى.
تكنيك الأكشن نفسه وطريقة تصويره أو اختيار المواقع التي يدور فيها القتال، لم يأتِ بأي جديد أو مختلف عن المشاهد المكررة والمعتادة في عشرات المسلسلات والأفلام التي تقدم الأكشن الآسيوي، ولم تتفوق حتى على أفلام “جاكي شان” القديمة على الرغم من اختلاف الزمن والتقنيات المستخدمة حديثا.
مسلسل “الأخوان صن” عمل استغل شهرة نجمته للتسويق لنفسه، ولكن لم يستطع استغلال مهاراتها وإمكاناتها الحقيقية، سواء كونها نجمة أكشن، أو ممثلة، واقتبس كثيرا من الأعمال الأخرى حتى طمس ملامحه، فلم يعُد له مذاق مختلف ليذكره جمهوره بعد انتهائه.