كوالالمبور- لن يستغرق التفكير طويلا في جعل ماليزيا وجهة سياحية مفضلة لعطلة طويلة على ما تتوافر فيها من الفعاليات والأماكن السياحية، أما العاصمة كوالالمبور ففيها ما يكفي ويروي الظمأ لأولئك الذين تضطرهم زيارة عمل خاطفة للمكوث فيها دون الذهاب لغيرها من الوجهات داخل ماليزيا.
ومع إعلان قائد الطائرة بدء الهبوط التدريجي إلى مطار كوالالمبور الدولي تأسرك من الجو الطبيعة الخضراء الخلابة، تتوسطها في بعض الأماكن المجمعات السكنية التي تتميز بترتيب قل نظيره.
وتلفت انتباهك النظافة والخدمات المميزة في المطار رغم مضي أكثر من ربع قرن على افتتاحه، فالمطار -الذي استقبل أولى الرحلات منتصف 1998- لا يزال يصنف كأفضل 10 مطارات في العالم التي تستقبل أكثر من 40 مليون مسافر سنويا وفق استطلاع جودة خدمة المطارات “إيه إس كيو” (ASQ) لعام 2024.
وإن لم يكن أحد في استقبالك بالمطار -الذي يبعد عن وسط المدينة نحو 80 كيلومترا- فيفضل أن تستقل القطار أو حجز تاكسي من خلال التطبيقات الإلكترونية المتوفرة، فالرحلة إلى مركز العاصمة تأخذك نحو ساعة من الزمان وسط غابة آسيوية حقيقية تحيط بك حقول أشجار زيت النخيل من كل جانب.
وها قد وصلنا مركز العاصمة: مجمعات تجارية وسكنية فاخرة، والأجواء معتدلة إلى حارة نسبيا مع درجة رطوبة مرتفعة طوال أيام السنة، والأمطار تهطل بغزارة شديدة على مدار العام تقريبا ودون أي إنذار مسبق، لذا احرص على وجود مظلة معك، ولا داعي للقلق فهي متوفرة في معظم الأماكن، وحتى مع بعض الباعة المتجولين.

البرجان توقيع مهاتير
اختار رئيس الوزراء السابق “باني نهضة ماليزيا” مهاتير محمد أن يترك بصمته في هذه المدينة الساحرة، وأن يجعل برجي بتروناس كتوقيع له يذكر كل من يزور المدينة أنه “كان هنا وأنه من فعل هذا” وأنه حول هذه المنطقة الطينية الوحلية إلى واحدة من أجمل عواصم العالم.
ويتكون البرجان من 88 طابقا موصولين ببعضهما عن طريق جسر هوائي، وافتتحهما مهاتير محمد رسميًا مطلع أغسطس/آب 1999، ويعتبران من الأبنية العملاقة على مستوى العالم.
وبعيدا عن كثير من التفاصيل الهندسية الدقيقة المتعلقة ببناء البرجين، فإنه تحسن الإشارة إلى أن التصميم بزخارفه المنتمية إلى الفن الإسلامي جاء انعكاسا لفكر مهاتير الذي حاول تقديم نموذج إسلامي فريد لإدارته.

ويحيط بالبرجين حديقة واسعة تتوفر على مساحات مائية ضخمة ومسارات للرياضة والمشي وملاعب الأطفال، إضافة إلى النافورة السيمفونية التي تقدم عروضا راقصة يوميا، وبطيعة الحال يوجد مسجد بتصميم جذاب لافت للأنظار، كما توجد قاعات المعارض الدولية في نفس المكان.
وتحت البرجين، تقع حديقة الأحياء المائية “الأكويريا” التي يصنف واحدا من أجمل الأماكن السياحية بالعاصمة الماليزية، وتتنوع الكائنات البحرية التي تحتضنها، وتتوفر فيه تجربة فريدة تجمع بين التعلم والاستمتاع، إلى جانب الأنشطة والفعاليات الترفيهية.

منارة كوالالمبور
على مقربة من برجي بتروناس يقع برج اتصالات كوالالمبور “المنارة” ويبلغ طوله 420.7 مترا، ويُصنف سابع أطول برج في العالم، كما أنه أطول برج اتصالات في ماليزيا ومنطقة جنوب شرق آسيا.
وقد افتتحه مهاتير محمد في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1996، ويتوفر البُرج على درج ومصعد، وفي طوابقه العليا يوجد مطعم دوار يمنح الزائر إطلالة بانورامية على المدينة.
ويُستغل البرج أيضا كمرصد فلكي لمُراقبة هلال أشهر السنة الهجرية، وتحديد مواقيت عيدي الفطر والأضحى.

طبيعة خلابة وأماكن سياحية
تجتمع بالعاصمة الماليزية عشرات الأماكن والفعاليات السياحية المتنوعة، وتنتظم جميعها وسط طبيعة خضراء خلابة تمنح الزائر فرصة سياحية متميزة حتى لو بقي متجولا بالسيارة، بل تتوفر حافلات مكشوفة للتجول داخل كوالالمبور.
وتخدم هذه الأماكن شبكة حديثة من وسائل المواصلات تتضمن الحافلات وشركات التاكسي، إضاقة إلى شبكات قطارات الأنفاق والسكك الحديدية وحتى القطارات المعلقة.
ولا تكاد تخلو منطقة بالعاصمة من وجود معالم سياحية وترفيهية، سواء كانت حدائق أو متاحف أو مجمعات تجارية، فيمكن القول إنها مدينة سياحية بامتياز، خصوصا أنها عاصمة دولة تقدم نفسها على أنها آسيا الحقيقية وتستقبل نحو 30 مليون سائح سنويا.

الحدائق
تتميز العاصمة كوالالمبور بوجد عدد كبير من الحدائق المنوعة، منها حديقة الحيوانات الوطنية “زو نيغارا” التي تضم أكثر من 5 آلاف نوع من الثدييات والبرمائيات والأسماك والطيور والزواحف.
كما تعتبر حديقة الفراشات من أشهر الحدائق في كوالالمبور، وتتمتع بطبيعة ساحرة، وتضم أكثر من 6 آلاف فراشة، وبجانبها تقع حديقة بيردانا النباتية التي تعتبر أول حديقة ترفيهية في العاصمة.
أما حديقة الزهور فتحتوي أكثر من 800 نوع من نباتات الأوركيدا النادرة، بينما تسمح المساحات المائية في حديقة تمان تيتي وانغسا -التي تبلغ مساحتها أكثر من 91 هكتار- للزوار بالتجول بالقوارب.
وتتوفر داخل هذه الحدائق أماكن مخصصة لممارسة التمارين الرياضية، وملاعب الأطفال، كما يمكن للزوار القيام بالكثير من الأنشطة الترفيهية بما في ذلك تأجير الدراجات الهوائية والقوارب.

أماكن التسوق
توصف كوالالمبور بأنها كرنفال تسوق متواصل على مدار العام، يجذب السكان المحليين والسياح على حد سواء، وهو ما عزز سمعتها كأحد مراكز التسوق جنوب شرق آسيا.
ومع وجود عشرات المراكز الضخمة، يصبح للتسوق في كوالالمبور متعة خاصة خصوصا مع توفر العلامات العالمية والمحلية، ومع توفر العروض التنافسية والخصومات الكبيرة طوال العام.
وتقدم الأسواق والمجمعات التجارية تنوعا مذهلا من الملابس وأدوات التجميل والمستلزمات المنزلية، والأدوات الكهربائية وغيرها، كما توفر خدمات ترفيهية متنوعة ترضي جميع الأذواق وبأسعار مناسبة.

ولا بأس من تقديم أسماء بعض هذه المجمعات التجارية، التي يأتي في مقدمتها مجمع سوريا (KLCC) ويقع في الطوابق الأولى من تحت برجي بتروناس.
ومجمع بافيليون (Pavilion) ويقع في المنطقة المعروفة بشارع العرب وسط العاصمة، وقريبا منه مجمع برجايا تايمز سكوير (Berjaya Times Square) وتوجد فيه مدينة ألعاب ترفيهية مكتملة.
وعلى الجهة الأخرى من المدينة، يقع مجمع ون أوتاما (Utama Shopping Centre 1) وكذلك مجمع ميدفالي ميغا مول (Mid Valley Megamall) الذي يعتبر من أشهر الأسواق بالمدينة، ويلتصق به مجمع ذا غاردنز مول (The Gardens Mall) كما توجد العشرات من مراكز التسوق المنتشرة في كل مكان من العاصمة الماليزية.

المتاحف
تتميز ماليزيا بتنوعها العرقي والثقافي، مما يجعلها موطنا زاخرا بالكثير من المعالم السياحية كالمساجد والمعابد الصينية والهندوسية، بالإضافة للكثير من المتاحف الموزعة في أنحاء العاصمة.
ومن أهم هذه المتاحف متحف الفن الإسلامي” الذي يحوي على أكثر من 12 ألف قطعه فنية منوعة، تنقل الزائر إلى بقاع ومدارس فنية من أقصى الشرق في الصين وحتى الأندلس، مرورا بحضارات بلاد أرخبيل الملايو والهند والسند ووسط آسيا وبلاد العرب وفارس وتركيا.
وهناك المتحف العلمي الذي يقع في برجي بتروناس وهو ملاذ للعائلات، ويحتوي على الكثير من الفعاليات العلمية والتقنية، كما يعرض تاريخ وتكنولوجيا صناعة الطاقة.
ويقدم المتحف الوطني لمحة عامة عن التاريخ والثقافة الماليزية، ويحتوي على الكثير من المقتنيات الوطنية، ويشمل صالات تعرض فيها مجموعات فنية عديدة من النتاج الفني والثقافي والعادات والتقاليد والحرف اليدوية.

أما متحف الغموض والخداع البصري، فهو فكرة إبداعية تعتمد على التلاعب بالنسب والأحجام، ويعتبر هذا المتحف مكانا مناسبا لمحبي التقاط الصور.
ويضم متحف البنك الوطني مجموعة من الأعمال الفنية الماليزية ومن جنوب شرق آسيا، ويقدم معلومات خاصه بالاقتصاد والتطورات في ماليزيا.
وللشرطة نصيبها من المتاحف، حيث يضم متحف الشرطة الملكية مجموعة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والأزياء العسكرية والمركبات الخاصة بالشرطة الماليزية.
ويضاف إلى هذه المتاحف عدد لا حصر له من المعابد البوذية والهندوسية التي تمنح الزائر فرصة للاطلاع على ثقافات آسيوية متنوعة.

العطلات والاحتفالات
ميزة أخرى للتنوع العرقي والثقافي في ماليزيا أنها تغرق الزائر في جو بهيج من الاحتفالات والأعياد الممتدة على فترات طويلة من العام، وتراعي السلطات هذا التنوع فتجعل من هذه الأعياد عطلات رسمية لمنح السكان على مختلف أعراقهم فرصة للاحتفال بأعيادهم.
ويحتفل المسلمون بعيديْ الفطر والأضحى وباقي المناسبات الدينية، وما يلفت في احتفالات المسلمين بعيد الفطر بيوت الضيافة المفتوحة التي تستمر طيلة شهر شوال.
أما في الأعياد الصينية فتكتسي كوالالمبور حلة مترفة تحاكي زمن الأباطرة فخامة وروعة، وتصبغ الألوان الحمراء والذهبية كل ما تقع عليه العينان، وتنتشر الرسومات الخرافية في كل مكان.

ويستقبل السكان من ذوي العرقية الهندية عيد الأنوار “الديوالي” بحفاوة بالغة، فتتزين البيوت والأماكن العامة والشوارع بأسراب من الشموع الزيتية والأضواء.
وتتنافس العرقيات في إظهار الفرح والبهجة والزينة خلال الاحتفالات بالأسواق والمجمعات السكنية والدوائر الحكومية.
وعلى مقربة من كوالالمبور، لابد من زيارة العاصمة الإدارية بوترا جايا التي تعتبر أحدث مناطق ماليزيا وتسمى مدينة الحدائق، ومن الضروري زيارة مرتفعات غينتينغ التي لا تبعد عن العاصمة سوى ساعة ونصف الساعة بالحافلة، وهي بحاجة لتقرير منفصل لما تتمتع به من مناظر خلابة ومناطق ساحرة تستحق الزيارة.