إغناسيو ألفاريز أوسوريو: الحرب على غزة صراع استعماري وإسرائيل تزداد عزلة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 14 دقيقة للقراءة

يرى الأكاديمي الإسباني إغناسيو ألفاريز أوسوريو أن الحركة الصهيونية وريثة الاستعمار الأوروبي وتقاسمه سمات معينة، مثل الشعور بالفوقية واحتقارها الشعوب المستعمَرة الذين تجردهم من إنسانيتهم وتصفهم -مزدرية إياهم- بأنهم برابرة وغير متحضرين.

وإغناسيو ألفاريز أوسوريو هو أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة كومبلوتنسي بمدريد ومدير المجلة الأكاديمية “رف الباحث العربي” وعضو مجموعة “كومبلوتنسي” للأبحاث حول المغرب العربي والشرق الأوسط.

كان سابقا أستاذا في جامعة أليكانتي بين عامي 1999 و2019، حيث أدار المعهد المشترك بين الجامعات للتنمية الاجتماعية والسلام (آي يو دي إي إس بي)، وبين عامي 2015 و2018 كان منسقا لمنطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي في “مؤسسة البدائل” أحد أهم مراكز الأبحاث في إسبانيا.

نشر 50 مقالا أكاديميا في مجلات وطنية ودولية، بما في ذلك مجلة “ميدل إيست كوارترلي”، ومراجعة الإيمان والعلاقات الدولية، ومغرب المشرق، وآوتر تير، وآفاق المستقبل.

وهو أيضا عضو في هيئة تحرير مجلة الدراسات الدولية المتوسطية ويساهم بشكل منتظم في وسائل الإعلام المختلفة، حاورته الجزيرة نت حول رؤيته للحرب الإسرائيلية على غزة وتأثيرها على العلاقة بين الشرق والغرب، فإلى الحوار:

  •  كيف تنظرون إلى القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية بشأن نتنياهو وغالانت؟ وهل يمكن البناء عليه من أجل تطبيق القانون الدولي على جميع الدول دون استثناء؟

بداية، أظن أن هذه نقطة تحول، ذلك أنها المرة الأولى التي يصرح فيها بوضوح بأن بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت مسؤولان عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي يمثل تغيرا غير مسبوق، فلم يحدث أن أشارت العدالة الدولية من قبل بوضوح إلى مسؤولية السلطات الإسرائيلية في تخطيط وتنفيذ مشروع لتدمير قطاع غزة بالكامل واستعمال الجوع سلاحا لتقليل سكانه.

ثانيا، لا بد من أن نأخذ بعين الاعتبار أن أوامر الاعتقال الصادرة عن محكمة العدل الدولية لا تؤثر إلا على الدول الموقعة على ميثاق روما، وهي 123 دولة.

والولايات المتحدة الأميركية ليست ضمن هذه البلاد، لكن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة قد صدّقتا على هذا الميثاق، وهما مجبران بالتالي على اعتقال نتنياهو وغالانت إذا دخلا الأراضي الأوروبية، ويمثل هذا تغيرا غير مسبوق، ذلك أنه يظهر أن إسرائيل تصبح معزولة بشكل متزايد، وأن حصانتها قد وصلت إلى نهايتها.

هناك ازدواجية واضحة بين القيم التي يدعي الاتحاد الأوروبي الدفاع عنها دوليا كالديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة والعلاقات المميزة التي يمنحها لبعض الأنظمة الأكثر استبدادية في العالم من جهة أخرى

  • ⁠أعلنت إسبانيا ودول غربية وعالمية الاعتراف بدولة فلسطين، هل يمكن أن تنجح هذه الدول فيما فشلت فيه اتفاقية أوسلو منذ عقود في تحقيق الحق الفلسطيني؟

لقد اعترف حتى الآن 146 بلدا بدولة فلسطين، أي ما يمثل 75% من بلاد العالم، ومعظم هذه البلاد مما تسمى دول الجنوب.

ويظل الغرب استثناء لما فيه من مقاومة كبيرة للاعتراف بدولة فلسطين، أما في الاتحاد الأوروبي فلم تتخذ هذه الخطوة سوى نصف بلاده: 12 من 27 دولة.

ومن غير المقبول أن يرفض 15 بلدا أوروبيا الاعتراف بحق الشعب الفسلطيني في دولة مستقلة، في حين تمنح إسرائيل معاملة تفضيلية في الوقت الذي تدمر فيه قطاع غزة تدميرا كاملا وتقتل المئات من المدنيين كل يوم، فهناك ازدواجية واضحة بين القيم التي يدعي الاتحاد الأوروبي الدفاع عنها دوليا كالديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة والعلاقات المميزة التي يمنحها لبعض الأنظمة الأكثر استبدادية في العالم من جهة أخرى.

أخيرا، أعتقد أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية على نطاق عالمي يمكن أن يبعث رسالة واضحة إلى إسرائيل مفادها أن العالم لن يسمح لها بضم الأراضي الفلسطينية المحتلة أو الاستمرار في سياسة الأمر الواقع.

وعلاوة على ذلك يمكن أن يخلق الظروف اللازمة لفرض عقوبات دولية على إسرائيل.

الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين صراع استعماري في الدرجة الأولى، والحركة الصهيونية ذات رؤية استشراقية، فهي وريثة الاستعمار الأوروبي وتقاسمه سمات معينة، مثل الشعور بالفوقية واحتقارها للشعوب المستعمَرة الذين تجردهم من إنسانيتهم

  • ⁠تاريخيا، برهن المسلمون على أنهم يتقنون التعايش.. ألا ترى معي أن الدين الإسلامي هو الأقدر على تدبير الخلاف بين الديانات الثلاث في أرض الديانات أي فلسطين المحتلة؟

في حين أنه من الصحيح أن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين فيه عنصر ديني إلا أنه -في رأيي- صراع استعماري في الدرجة الأولى، فقد استضافت بلاد إسلامية وعلى مدى قرون عديدة مجتمعات يهودية كبيرة وتعايشت معها من دون صعوبات كبيرة، فيجب ألا ننسى أنه حين قرر الملوك الكاثوليكيون طرد اليهود من إسبانيا عام 1492 استقر معظمهم في شمال أفريقيا أو في الإمبراطورية العثمانية، حيث اندمجوا اندماجا كاملا وعاشوا في أمن وسلام.

أما الحركة الصهيونية فإنها ذات رؤية استشراقية، فهي وريثة الاستعمار الأوروبي وتقاسمه سمات معينة، مثل الشعور بالفوقية واحتقارها الشعوب المستعمَرة الذين تجردهم من إنسانيتهم وتصفهم -مزدرية إياهم- بأنهم برابرة وغير متحضرين.

من ناحية أخرى، وظفت الحركة الصهيونية الديانة اليهودية لتعزيز مشروعها الاستعماري عن طريق تقديمها اليهود على أنهم شعب الله المختار، وأن لهم الحق الحصري في أراضي فلسطين، وبناء على هذا أشك في احتمال إيجاد حل لنزاع ذي طبيعة استعمارية.

معظم الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الغرب مرتبط بمسائل تتعلق بالهوية، إذ إن في الغرب عملية لتوحيد الهويات ضمن إطار واحد، وفي هذا السياق نجد أن حلفاء إسرائيل الأوروبيين الأساسيين أحزاب يمينية متطرفة تثير الخوف من غزو إسلامي محتمل عن طريق الهجرة وتنطلق من مسلّمات معادية للإسلام

  •  ⁠تدعي بلدان غربية فك ارتباطها بالدين وأنها علمانية، لكن الدول الغربية الكبرى تستحضر المعتقدات الدينية في سياساتها لدعم إسرائيل في حربها على غزة، كيف نفهم هذا التناقض؟

لا أعتبر العامل الديني عاملا حاسما في تفسير الدعم الغربي لإسرائيل، لا في الحاضر ولا في الماضي، فتجدر الإشارة إلى أن قيام إسرائيل مرتبط مباشرة بالمحرقة التي ارتكبتها ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، وأن جزءا مهما من الدعم الذي حظيت به خطة تقسيم فلسطين عام 1947 مرتبط بالمحاولة الغربية لتعويض اليهود عن الضرر الذي لحق بهم، ولم تشارك معظم الدول الأفريقية والآسيوية في تصويت الأمم المتحدة على هذه المسألة، نظرا إلى أن عملية إنهاء الاستعمار كانت لا تزال في بداياتها.

وقد صار للدعم الغربي لإسرائيل -انطلاقا من خمسينيات القرن الماضي- خلفية أيديولوجية، إذ ينبغي ألا ننسى أن القادة الصهاينة لطالما نظروا إلى إسرائيل على أنها قاعدة غربية في العالم العربي، ثم صارت إسرائيل في الحرب الباردة حليفة إستراتيجية للغرب تهاجم البلاد العربية التي وقفت في صف الاتحاد السوفياتي.

أما الآن فإن معظم الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الغرب مرتبط بمسائل تتعلق بالهوية، إذ إن في الغرب عملية لتوحيد الهويات ضمن إطار واحد، وفي هذا السياق نجد أن حلفاء إسرائيل الأوروبيين الأساسيين أحزاب يمينية متطرفة تثير الخوف من غزو إسلامي محتمل عن طريق الهجرة، وتنطلق من مسلّمات معادية للإسلام بشكل واضح.

هناك صدع شديد العمق بين الحكام والمحكومين، ليس في العالم العربي فحسب، بل في الدول الغربية أيضا، فقد نزل جزء كبير من المجتمع الغربي إلى الشارع ليدين المجزرة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني وللمطالبة بأن تُنزل حكوماتهم عقوبات بإسرائيل

  • ⁠رغم الاحتجاجات الشعبية الغربية المتواصلة فإن بعض الحكومات الأوروبية لا تزال تدافع عن إسرائيل التي أدانتها محكمة العدل الدولية بممارسة إبادة جماعية، هل باتت الديمقراطية الغربية مشابهة للديمقراطية العربية، أنتم احتجوا ونحن نفعل ما نريد؟

بالفعل، هناك صدع شديد العمق بين الحكام والمحكومين، ليس في العالم العربي فحسب، بل في الدول الغربية أيضا، فقد نزل جزء كبير من المجتمع الغربي إلى الشارع ليدين المجزرة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني وللمطالبة بأن تنزل حكوماتهم عقوبات بإسرائيل.

وقد كان هذا الضغط فعالا، فقد أجبرت بعض الحكومات مثل الحكومة الإسبانية على إعادة النظر في علاقاتهم مع إسرائيل والاعتراف بدولة فلسطين، وقد حظيت هذه الخطوة بتأييد واسع من المجمتع الإسباني، أما الآن فيدعو المجتمع المدني الأوروبي إلى المضي قدما والموافقة على حظر بيع الأسلحة وتعليق العلاقات الدبلوماسية وفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل.

ولا يتضح لنا سبب استمرار الاتحاد الأوروبي بمعاملة الجامعات الإسرائيلية معاملة مميزة في الإطار التعليمي الأوروبي في الوقت الذي يدمر فيه الجيش الإسرائيلي جامعات غزة كلها ويعدم أساتذتها دون عقاب.

لجأت السلطات الإسرائيلية لعقود عديدة إلى حجة معاداة السامية، في محاولة لتحييد أي انتقاد لأفعالها في الأراضي المحتلة

  • تحولت “معاداة السامية” إلى أداة قمع في وجه حرية التعبير في البلدان الغربية وحتى في جامعاتها العالمية، لماذا لم يستطع الفكر الغربي التخلص من الربط بين الصهيونية واليهودية؟

لقد لجأت السلطات الإسرائيلية لعقود عديدة إلى حجة معاداة السامية في محاولة لتحييد أي انتقاد لأفعالها في الأراضي المحتلة، وقد حققت هذه الإستراتيجية نجاحا نسبيا عندما استعملت ضمن الحد المعقول، لكنها تفقد فعاليتها عندما تستعمل على نطاق واسع بهدف مهاجمة كل من ينتقد انتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الإنساني الدولي.

فيمكن أن نقول إن الحكومة الإسرائيلية قد وظفت مصطلح “معاداة السامية”، معتبرة أن كل من يدين المشروع الصهيوني الاستعماري معاد للسامية، فبالنسبة إلى نتنياهو فإن الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والحكومات مثل حكومات إسبانيا وأيرلندا والنرويج كلها معادية للسامية، الأمر الذي يخالف الواقع بشكل واضح.

وبدلا من تشويه سمعة هذه المؤسسات والحكومات فإن ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية عن طريق التقليل من قيمة مصطلح “معاداة السامية” هو تشويه سمعتها هي.

  • ⁠بمَ تفسر تخوف النخب الغربية من الصهيونية؟

أعتقد أنه لا يمكن إطلاق حكم عام فيما يتعلق بهذه المسألة، لاختلاف الحال في كل من البلدان الغربية، فنجد جالية يهودية كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية مكونة من 7.5 ملايين شخص، أي أكثر من سكان إسرائيل نفسها.

وعلاوة على ذلك نجد “لوبي” قويا مواليا لإسرائيل ذا تأثير كبير على قطاعات الإعلام والسلاح والنفط.

وقد صارت المسيحية الإنجيلية في العقدين الأخيرين جزءا من هذا اللوبي المؤيد لإسرائيل أيضا، ذلك أنها تؤمن بأن بلوغ المشروع الصهيوني ذروته سيعجل من ظهور المسيح.

وعلاوة على هذا هناك منظمات مثل “أيباك” التي تحشد موارد اقتصادية مهمة لمكافأة السياسيين الذي هم أكثر ولاء للحكومة الإسرائيلية أو لمعاقبة أولئك الذين هم أقل ولاء لها.

وعلى الرغم من وجود جاليات يهودية كبيرة في المملكة المتحدة وفرنسا فإنها أقل قدرة على التأثير في حكومة البلدين مقارنة بقوة هذا التأثير في الولايات المتحدة الأميركية.

أما حالة ألمانيا فهي شديدة الاختلاف، ذلك أن سياستها الخارجية مشروطة بشعور بالذنب لمسؤولية البلد في الإبادة الجسدية لملايين اليهود، الأمر الذي قادها إلى تقديم الدعم غير المشروط لسياسيات أي حكومة إسرائيلية، سواء أكانت تابعة لحزب العمل أو اليمين المتطرف.

نشهد بالفعل تحولات عميقة في النظام العالمي، النظام أحادي القطب الذي عزز بعد الحرب الباردة يفسح المجال أمام النظام ثنائي الأقطاب الذي تلعب فيه بلاد مثل الصين والهند وروسيا دورا أكبر

  • ⁠هناك من يرى أن ما يجري من تحولات في العالم في الصين وروسيا وأفريقيا هو بداية لتراجع المركزية الغربية، كيف تقرؤون هذه التحولات؟ وما توقعاتكم لنتائجها القريبة والبعيدة المدى؟

نحن نشهد بالفعل تحولات عميقة في النظام العالمي، النظام أحادي القطب الذي عزز بعد الحرب الباردة يفسح المجال أمام النظام ثنائي الأقطاب الذي تلعب فيه بلاد مثل الصين والهند وروسيا دورا أكبر.

وقد صرحت الولايات المتحدة الأميركية بنيتها الانسحاب من الشرق الأوسط والتركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادي، الأمر الذي ترك فراغا في السلطة تحاول الصين ملأه.

وبفضل مبادرة “الحزام والطريق” عززت الصين وجودها في الشرق الأوسط مستفيدة من طريقها البحري الذي يربط شرق آسيا بأوروبا، وقد صارت الصين اليوم الشريكة الاقتصادية الرئيسية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران وإسرائيل، الأمر الذي يبين نجاح السياسة الخارجية غير الأيديولوجية التي تقدم العلاقات التجارية على السياسة.

فإن كانت الولايات المتحدة قد اعتمدت على التحكم بالنفط والقوة العسكرية وبيع السلاح لتأمين هيمنتها على الشرق الأوسط يبدو أن الصين تراهن على تكثيف العلاقات التجارية لبسط نفوذها، وللوصول إلى هذا تحتاج بشكل ملح إلى الاستقرار في الشرق الأوسط.

وعلى أي حال، أعتقد أن الصين الآن ليست في وضع يسمح لها بالحلول محل الولايات المتحدة باعتبارها قوة مهيمنة كبرى في الشرق الأوسط، نظرا لافتقارها إلى الحضور العسكري في المنطقة وإلى الحضور الدبلوماسي النشط القادر على التأثير في مصير الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *