قدمت السينما العالمية عددا كبيرا من الأفلام التي تناولت جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الإنساني، بعضها درامي، استطاع أن يصور الخراب والدمار الذي خلفته وحشية القتلة إلى حد كبير، وبعضها الآخر وثائقي، حمل شهادات من الناجين، وأخرى من القتلة.
من رواندا إلى كمبوديا، ومن إندونيسيا إلى البوسنة الهرسك وصبرا وشاتيلا، لا تتوقف عدسة السينما عن تسجيل شهاداتها. نستعرض فيما يلي، مجموعة من أشهر الأفلام التي تناولت الإبادة الجماعية:
-
فيلم “حقول القتل” (The Killing Fields)
يصور فيلم “حقول القتل” (The Killing Fields) الذي صدر في عام 1984، جرائم الإبادة التي ارتكبها نظام “الخمير الحمر” في كمبوديا خلال السبعينيات، وذلك من خلال قصة صحفي كمبودي وزميله الأميركي أثناء تنقلهما وسط أهوال الإبادة الجماعية ومعسكرات العمل القسري التي أقامها النظام.
وحكم “الخمير الحمر” كمبوديا تحت قيادة بول بوت في الفترة من 1975 إلى 1979، وأدت محاولاتهم لتكوين وبناء نظام اجتماعي جديد إلى مقتل نحو مليوني شخص في دول جنوب شرق آسيا، ماتوا إما بسبب القتل أو الجوع والمرض أو العمل الزائد. وأطلق على تلك المرحلة اسم “الإبادة الجماعية الكمبودية”، حيث تراوح عدد الضحايا بين 1.5 مليون و3 ملايين قتيل.
تدور أحداث فيلم “حقول القتل” حول قصة حقيقية للصحفي الأميركي سيدني شانبيرغ الذي كان يغطي الحرب الأهلية في كمبوديا، وقام مع الصحفي الكمبودي ديث بران بتغطية بعض مآسي وجنون الحرب.
وعندما غادرت القوات الأميركية، أرسل ديث بران عائلته إلى أميركا، وبقي لمساعدة شانبيرغ في تغطية الحدث. بصفته أميركيا، وحين جاء وقت المغادرة لم يواجه الصحفي الأميركي أي مشكلة في مغادرة البلاد، لكن الوضع مختلف بالنسبة لبران.
تم القبض على بران من قبل الشيوعيين وإرساله إلى معسكر العمل، حيث يقوم الخمير الحمر بإعدام أي شخص يشكون في أنه دخل منظومة تعليمية رسمية على الفور، لذلك تظاهر بران بالجهل وأخفي هويته الحقيقية. ونجح في الهروب لاحقًا وشق طريقه سيرًا على الأقدام عبر حقول القتل إلى معسكر للصليب الأحمر، حيث التقى في النهاية مع شانبيرغ بعد عودته إلى الولايات المتحدة.
حصل شانبيرغ، الذي كان مراسلا لصحيفة “نيويورك تايمز”، على جائزة “بوليتزر” المرموقة عن تغطيته للحرب في كمبوديا، لكن الزميل والصديق الذي جعل الأمر ممكنًا كان حبيسا في كمبوديا وحياته في خطر كبير.
“حقول القتل” من بطولة سام ووترستون في دور الصحفي الأميركي سيدني شانبيرغ، وهاينغ نغور في دور الصحفي الكمبودي ديث بران. لم يكن نغور، وهو نفسه أحد الناجين من الإبادة الجماعية، ممثلاً مدربًا بشكل احترافي، لكنه أصبح أول ممثل آسيوي يفوز بجائزة أفضل ممثل مساعد وثاني ممثل آسيوي يفوز بجائزة الأوسكار.
-
فيلم “فندق رواندا” (Hotel Rwanda)
أما فيلم “فندق رواندا” (Hotel Rwanda) للمخرج تيري جورج، فيستند بدوره إلى أحداث حقيقية في تصويره للإبادة الجماعية في رواندا عام 1994. وتدور أحداث الفيلم حول الحرب الأهلية التي جرت في التسعينيات بين قبيلتي الهوتو والتوتسي في رواندا، وينقل حال العائلات، ومنها عائلة بول روسيسباغينا، وهو مواطن ينتمي إلى الهوتو وهو متزوج من مواطنة تنتمي إلى التوتسي، أما عمله، فهو إدارة أحد الفنادق، الذي يصبح ملجأ لأسرته وأقربائه والمقيمين في حيه.
يعمل بول جاهدا على أن لا يتضرر أحدا من المقيمين في الفندق، ويحاول أن يوصلهم إلى مكان آمن خارج البلاد من خلال أحد الأميركيين دون أن يكشفه رجال الهوتو الذين لن يرحموا أحدا منهم. كان بول يبحث في أثناء ذلك عن أبناء شقيقه المفقودين عن طريق ممرضة أجنبية تعالج الجرحى والمتضررين من المجازر.
وتكمن القيمة الحقيقية لفيلم “فندق رواندا” الذي صدر في عام 2004، في تصويره الجذور الحقيقية للإبادة الجماعية في المجتمع الرواندي، كما صور تأثير الجرائم الوحشية على بطل العمل، ولعل أكثر المشاهد تأثيرا هو ذلك الذي يعود فيه البطل من الخارج إلى الفندق بعد أن شاهد آثار الجرائم، لينهار فجأة بعدما أدرك أن الجثث الملقاة في الشوارع لا تجد من يشعر بآلامها.
ويكشف الفيلم بجرأة عن عبثية التدخلات الغربية وغرابتها، والصمت الذي وصل إلى حد التواطؤ على ذبح ما يقرب من مليون إنسان في واحدة من أقوى أمثلة التطهير العرقي التي شهدها التاريخ الحديث، ويواجه بطل العمل “بول” قائد القوات الكندية في رواندا، ويعبر له عن رفضه للأوامر التي تلقاها بعدم التدخل في الصراع الدائر بين التوتسي والهوتو.
بالتزامن مع عرض الفيلم، نشر كتاب حرره المخرج تيري جورج، ويحتوي على مقالات عن تاريخ الإبادة الجماعية، والسيناريو الكامل الذي كتبه كير بيرسون مع تيري جورج، وأكثر من 70 صورة فوتوغرافية لآثار الإبادة الجماعية في رواندا.
-
فيلم “قانون القتل” (The Act of Killing)
ولعل الفارق الكبير بين النوعين الوثائقي والدرامي هي تلك القسوة الطبيعية التي تنتقل من القصص الواقعية للإبادة الجماعية في الأفلام الوثائقية مثل “قانون القتل” (The Act of Killing) للمخرج جوشوا أوبنهايمر الصادر في عام 2012.
يغوص الفيلم عميقا في عمليات القتل الجماعي في إندونيسيا خلال الفترة من 1965 إلى 1966، حيث استهدفت فرق الموت التي أقرتها الحكومة الشيوعيين المشتبه بهم والإندونيسيين من أصل صيني. ويرصد الفيلم قادة القوات شبه العسكرية السابقين وهم يعيدون تمثيل جرائمهم، ويقدمون رؤى مروعة حول عقلية الجناة.
والغريب أن مشروع الفيلم بدأ بالتركيز على عائلات الضحايا، لكن تم القبض على العديد منهم، بينما كان جوشوا أوبنهايمر يجري المقابلات معهم. وفي تلك العملية بدأ بمقابلة الجلادين، لذلك قرر تركيز القصة عليهم.
وعبر ذلك التحول، قدم الفيلم عددا من القتلة الجماعيين، الذين يمكن أن يكونوا نجوم سينما. وقد انتهزوا الفرصة التي قدمها لهم صانع هذا الفيلم الوثائقي، ليصنعوا فيلمهم الخاص، وهو سرد للسنوات التي قضوها في تنفيذ حملة تطهير أودت بحياة أكثر من مليون شخص في الفترة من 1965 إلى 1966.
في الفيلم، ينظر أنور كونغو إلى صورة بالأبيض والأسود لشاب يبدو وكأنه مزيج أنيق من أشهر نجوم هوليود، ويقول “هذا أنا، أرتدي قميصًا منقوشًا مموهًا”، وينصح مصور الفيلم بعدم ارتداء ملابسه بهذه الطريقة، ويضيف “ارتديت الجينز من أجل القتل، لكي أبدو بمظهر رائع، قمت بتقليد نجوم السينما”.
-
فيلم “سربرنيتسا: صرخة من القبر” (Srebrenica: A Cry from the Grave)
يقدم الفيلم الوثائقي “سربرنيتسا: صرخة من القبر” (Srebrenica: A Cry from the Grave) للمخرج ليزلي وودهيد الصادر في عام 1999، تحقيقا شاملاً حول مذبحة سربرنيتسا خلال الحرب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة في عام 1995. ويتضمن شهادات من الناجين والشهود والمسؤولين الدوليين، ويسلط الضوء على الأحداث التي سبقت الإبادة الجماعية وتداعياتها.
يقدم العمل رواية تفصيلية للمذبحة التي راح ضحيتها ما يقدر بنحو 7 آلاف مسلم في يوليو/تموز 1995، في “الجيب الآمن” للبوسنيين في سربرنيتسا. ولا تعتمد الرواية على شهادة شهود العيان، بل على بعض اللقطات المدهشة، وتسجيلات الفيديو من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك مراسل بريطاني والجيش الهولندي وحتى أطقم التصوير الصربية، جميعها تم التعامل كما لو كانت لعبة “بازل” لإعادة لصق سجل ممزق.
-
فيلم “فالس مع بشير” (Waltz with Bashir)
أثار فيلم “فالس مع بشير” (Waltz with Bashir) الكثير من الجدل في إسرائيل التي شاركت في إنتاجه، وفي الصحافة العربية، إذ يقدم اعترافا جزئيا بمسؤولية الجيش الإسرائيلي عن مذبحة صابرا وشاتيلا.
ويعد مخرج العمل آري فولمان أحد الذين شاركوا في الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ويبدأ الفيلم بقصة كوابيس تهاجم أحد زملائه في الكتيبة لقتله 26 كلبا بغية إسكاتها أثناء اقتحام القوات الإسرائيلية إحدى القرى اللبنانية، ثم تبدأ محاولة البحث لتذكر دوره في تلك الحرب.
ويقدم فولمان مفارقة ثلاثية تتمثل في حالة من الندم، واللوم لقيادات الجيش الإسرائيلي على قتل نحو 3500 فلسطيني، لكنه في الوقت نفسه يحاول إشراك طرف آخر في المسؤولية، ويصدر الفيلم بمعاناة زميله من كوابيس لاضطراره لقتل 26 كلبا ضالا.
حصل “فالس مع بشير” على 19 جائزة أهمها “غولدن غلوب” لأفضل فيلم أجنبي، و24 ترشيحا أهمها السعفة الذهبية في دورة مهرجان “كان”، وأفضل فيلم أجنبي فى دورة “أوسكار” 2009، وجائزتا أفضل فيلم تحريك وأفضل فيلم أجنبي في دورة “بافتا” 2008.
وعلى العكس من الفيلم السابق، حاول المخرجون الثلاثة لفيلم “مذبحة” (Massacre) الإجابة عن سؤال حول الأسباب التي دفعت القتلة لاقتراف جريمة الإبادة الجماعية، لكن بدلا من ذلك تحول السؤال إلى أسئلة لا حصر لها.
وفيلم “مذبحة” (Massacre) هو وثائقي من إخراج مونيكا بورغمان ولقمان سليم وهيرمان تيسن، صدر في عام 2005، وحصل على العديد من الجوائز، في مهرجان برلين السينمائي الدولي عام 2005، وفي مهرجان مرسيليا الدولي للسينما. تم تنفيذ الفيلم عبر الحصول على شهادات 6 من رجال مليشيا الكتائب اللبنانية الذين شاركوا في مجزرة صبرا وشاتيلا.
وقد اعترفت المخرجة مونيكا بيرغمان -في تصريحات صحفية- بصعوبة الأمر قائلة، “لقد راودتني كوابيس كثيرة في نومي وقد شعرت أني لا أستطيع احتمال عبء استكمال العمل بعد ترجمة لقاء دام 40 دقيقة حول لقطة عنف فظيعة جدا، إذ تعلقت اللقطة بوصف مفصل حول عملية القتل بالسكين”.