للسينما الآسيوية سحرها الخاص، فأفلامها لا تعكس ثقافة جزء كبير من العالم فقط، بل تقدم أيضا رؤية مختلفة للكثير من المسلّمات التي فرضتها الثقافة الغربية عموما والسينما الأميركية والأوروبية خصوصا.
ومع كبر حجم القارة، تصدر أعداد مهولة من الأفلام الآسيوية كل عام لدرجة يصعب جمع أفضلها في قائمة واحدة، خاصة مع تفوق بعض البلاد مثل اليابان التي قدمت في 2023 اثنين من أفضل الأفلام التي عُرضت خلال العام على الإطلاق.
فيما يلي نستعرض أبرز الأفلام الآسيوية التي تم عرضها في العام 2023 وتستحق المشاهدة:
1- “وحش” (اليابان)
فاز المخرج الياباني هيروكازو كوريدا بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي في العام 2018 عن فيلمه الأشهر “سارقو المحلات” (Shoplifters)، فانطلق إلى خارج بلاده وقدم فيلمين، الأول فرنسي والثاني كوري جنوبي، حاز كلاهما إشادة النقاد، وحصلا على بعض الجوائز، لكن محبيه ظلوا ينتظرون عودته إلى السينما اليابانية.
وبالفعل، عاد كوريدا إلى اليابان في العام 2023 بفيلم “وحش” (Monster) الذي رجع خلاله كذلك إلى مواضيعه المفضلة حول العائلات الممزقة التي لا يعرف أفرادها الكثير عن خبايا بعضهم البعض، حتى لو بدوا شديدي الترابط للوهلة الأولى.
تدور أحداث فيلم “وحش” حول شجار عنيف يندلع بين طالب ومدرس، مما يثير قلق الأم بشدة فتحاول سبر أغوار هذه الحادثة والسبب وراءها، من ثم تكتشف أنها لا تعرف أي شيء عمن تعتبره أقرب الناس إليها.
نافس فيلم “وحش” على السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي، وحصل على جائزة أفضل سيناريو، العامل الذي يمثل أهم نقاط قوته بالإضافة إلى التمثيل والموسيقى التصويرية للراحل ريوتشي ساكاموتو في آخر ما قدمه، وقد توفي قبل عرض الفيلم بشهرين.
2- لا وجود للشر (اليابان)
تشهد السينما اليابانية انتشارا كبيرا خارج حدودها في السنوات الأخيرة، بعرض أفلامها في أهم المهرجانات العالمية، وفوزها بأرفع الجوائز، ففي العام 2021، عرض فيلم “قُد سيارتي” (Drive My Car) لريوسكي هاماغوتشي الذي عاد مرة أخرى في 2023 بالفيلم الذي فاز بجائزة الأسد الفضي من مهرجان البندقية السينمائي وحمل اسم “لا وجود للشر” (Evil Does Not Exist).
حصل الفيلم كذلك على جائزة الفيبرسي -الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين- ولجنة التحكيم وجائزة أفضل فيلم من مهرجان لندن السينمائي.
تركز أفلام هاماغوتشي على الفرد مقابل المجتمع الياباني شديد الديناميكية، وفي “لا وجود للشر” يحيا الأب الوحيد هارساو مع ابنته في منطقة منعزلة بين الأشجار والجبال، حياة ظلت مثالية حتى قدمت الرأسمالية لتدمرها بشراسة، وذلك عبر شركة بناء قررت استغلال المنطقة بصرف النظر عن التخريب الذي ستقوم به، وتأثير ذلك ليس فقط على حياة السكان ولكن أيضا البيئة.
كتب ريوسكي هاماغوتشي سيناريو الفيلم الذي تميز مثل أعماله السابقة بالرقة والهدوء في نسج الشخصيات والعالم المحيط بهم، فرغم طرقه موضوعا تم تقديمه بكثرة في السينما فإنه يثبت كالمعتاد أن السحر ليس في الموضوع ولكن في طريقة تناوله.
3- “الحلم والموت” (سنغافورة)
شهد العام 2023 ظهور مخرج سينمائي جديد من المنتظر سطوع اسمه أكثر في السنوات القادمة كرائد جديد للسينما الآسيوية، وهو نيلسون يو الذي عُرض أول أفلامه “الحلم والموت” (Dreaming & Dying) في مهرجان لوكارنو السينمائي، وفاز بجائزة الفهد الذهبي بالإضافة إلى جائزة أفضل فيلم أول، وخاض بعدها العمل رحلة بين المهرجانات السينمائية المختلفة.
لا يظهر في فيلم “الحلم والموت” سوى 3 ممثلين فقط، ويبدأ باجتماع بين أصدقاء من الطفولة، اثنان منهما تزوجا بينما ظل الثالث بلا زواج، واللقاء الذي ساده الارتباك والمرح في البداية كان مفتتح لاستعادة غير تقليدية للذكريات، فقد مزج المخرج بين الواقع والأسطورة، وكما يشير اسمه صنع خليط من الحلم والموت، ليكشف أن أبطاله الثلاثة عاشوا الحياة غير الصحيحة أو التي لم يتمنوها لأنفسهم، بل كانت لهم حياة بديلة في عالم الأحلام.
تميز فيلم “الحلم والموت” بأسلوبه غير التقليدي والشاعري في السرد، والانتقال السلس بين الماضي والحاضر، الحقيقة والخيال، وذلك عبر حوار وتمثيل رقيق وآسر.
4- “فقط لو أمكنني السبات” (منغوليا)
“فقط لو أمكنني السبات” (If Only I Could Hibernate) هو أول فيلم من منغوليا ينافس في مهرجان كان السينمائي، حيث عُرض خلال فعاليات مسابقة “نظرة ما” ونافس على جائزة الكاميرا الذهبية لأفضل تصوير، وعُرض بعدها في عدة مهرجانات آخرها مهرجان الجونة الذي فاز فيه بطل الفيلم بجائزة أفضل ممثل.
“فقط لو أمكنني السبات” من إخراج وتأليف زولجارجال بورفداش وبطولة باتسوغ أورتسيخ وتدور أحداثه في منغوليا، حيث تعيش عائلة تتكون من أم توفي زوجها و4 أبناء أكبرهم في سن المراهقة ويدرس بأحد المدارس الثانوية.
يصدم فقر العائلة المشاهد من الوهلة الأولى، فهي تعيش فيما يشبه الخيمة على أطراف المدينة، حيث يحاصرهم الجوع والبرد.
يتحمل المراهق أولزي جزءا كبيرا من مسؤولية العائلة، ما يمثل عبئا غير محتمل، خاصة وهو يضع نصب عينيه حلم الفوز بمسابقة الفيزياء الوطنية التي تؤهله للحصول على منحة للدراسة الجامعية، الأمل الذي قد ينتشله وأخوته من الضياع وحياة الفقر المستمر لأجيال متواصلة.
وعبر سيناريو بسيط بلا التواءات أو مفاجآت والتمثيل الممتاز من الأطفال على وجه الخصوص يعايش المتفرج هذه العائلة متمنيا لهم الوصول إلى بر الأمان.