ينظر أطفال مجريون مشدوهين، ويصغون بإمعان وتركيز كبيرين، إلى الصور تتوالى على الجدار أمامهم بواسطة جهاز عرض للشرائح، وهو طريقة متأنية وماتعة لإخبار القصص وُلِدت خلال الحقبة الشيوعية وأصبحت تقليدا لا يزال يقاوم غزو الشاشات في عصر السرعة.
وتنظّم ألكسندرا تشوس هورفاث باستمرار جلسات لمشاهدة عروض مماثلة في شقة عائلتها الواقعة في ضواحي بودابست، يحضرها أطفال العائلة وأحيانا الأجداد.
تُفتح الستائر في حين يوضع الجهاز على سلّم ثم يبدأ العرض. ومن بين الحاضرين في الغرفة المظلمة فيليسيا (3 سنوات) وبرتالان (7 سنوات) اللذان حضرا مع كرسييهما الصغيرين ولعبتيهما المحشوتين.
تقول ألكسندرا، وهي محامية تبلغ 44 عاما لوكالة الصحافة الفرنسية: “نجتمع جميعا هنا، والأمر مريح أكثر من السينما وأفضل من قراءة كتاب بسيط”. وتبلغ تكلفة كل بكرة شرائح قرابة 5.5 دولارات.
ويومها، كان من المقرر إقامة عرض لقصة “الأميرة النائمة” (“سليبينغ بيوتي”) الشهيرة الذي يضمّ مشاهد جميلة ذات طابع قديم، مع ترجمة مطبوعة تمكّن الكبار من قراءة الحبكة بصوت عالٍ.
وفي عصر الأجهزة اللوحية ووحدات التحكم في الألعاب العالية التقنية، يعود هذا النوع من الترفيه القديم إلى الواجهة، مع استمتاع الآباء بطابعه البطيء.
ويحدث ذلك بعيدا عن الرسوم المتحركة الحديثة ذات الوتيرة السريعة والتي تدفع الأطفال إلى “الجنون”، وفق ما تقول ألكسندرا مرحّبةً بهذه الشرائح التي تتم مشاهدتها بتمعّن. وتضيف باسمة: “يتم التوصّل من خلال هذه الشرائح إلى أن الأمور في الحياة لا تحدث في غمضة عين”.
وبيع 230 ألف بكرة شرائح العام الفائت في الدولة الواقعة في أوروبا الوسطى والتي لا يتعدّى عدد سكانها 10 ملايين نسمة، مقارنة بـ60 ألف بكرة فقط في تسعينيات القرن الـ20.
وخلال النصف الثاني من القرن الـ20، كانت كل المنازل في الدول الشرقية تشاهد هذه الشرائح التي كانت تباع بالملايين سنويا قبل أن تصبح منسية في مرحلة سقوط جدار برلين.
وتتم طباعة شرائط الأفلام -التي تسمى أيضا أفلام الشرائح- على لفات من الفيلم، ولكن على عكس الأفلام التقليدية، يمكن عرض الصور لأي فترة من الوقت، وليس المقصود منها خلق وهم الحركة.
والغرب الذي كان يستخدم هذه الوسيلة في التعليم أو مجالات أخرى، تخلى أصلا عن عروض الشرائح وبدأ يعتمد أساليب حديثة أكثر.
وتُطبع المشاهد التي تُنتَج اليوم بواسطة أجهزة الكمبيوتر، على بكرات أفلام موضوعة في أنابيب ملونة صغيرة.
وتتولّى “ديا فيلم غيارتو” التي تحتفل هذا العام بالذكرى الـ70 لتأسيسها و تشكل اللاعب الوحيد في السوق، إنتاج هذه البكرات يدويا وبطريقة حرفية جدا.
وقد استمرت عروض الشرائح في المجر فقط.
وعلى عكس الدول المجاورة، كانت ديا فيلم غيارتو “شركة صغيرة ثم تمت خصخصتها بسهولة”، بحسب فيرينك بيرو، وهو هاوي جمعٍ أنشأ متحفا افتراضيا يضم 4 آلاف مجموعة شرائح عبر الإنترنت.
ويقول ليفينتي بورسوس، المتخصص في هذا الموضوع والأستاذ في جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية والتي تتخذ من سيول مقرا لها: “يمكن اعتبار هذه العروض نشاطا تتميّز به المجر وجزءا من تراثها الثقافي”.
ومن بين الشرائط الأكثر مبيعا “ذي أولد لايدي آند ذي فان” الذي يعود تاريخه إلى عام 1957 ويبدو أنه لا يزال يحظى بشعبية كبيرة، بحسب المديرة العامة لـ”ديا فيلم غيارتو” غابرييلا ليندفاي.
ويعود أحد أسباب استمرار عروض الشرائح إلى “الدقة” التي اعتمدها منذ البداية الفنانون المحليون المشهورون.
وعلى غرار الماضي، يصنعون راهنا لوحات الرسوم من خلال قصص أو كتب أطفال معروفة، ويتلقون أيضا طلبات لأعمال جديدة.
وتُعرض الأفلام أحيانا مع راوي قصص في سينما العاصمة، في خطوة تعيد ذكريات الماضي إلى أذهان عدد كبير من البالغين الحاضرين.
وتقول بياتا هاجدو توث (37 عاما)، خلال عرض قصة في بودابست حضرته مع ابنها: “إنه تقليد غير قابل للاستبدال في ثقافتنا”.
وتضيف: “أنا سعيدة جدا لحضوري هذا العرض وآمل أن أتمكّن من ممارسة هذه الهواية لاحقا مع أحفادي”.