تعرض منصة “نتفلكس” حاليا المسلسل الوثائقي “بيكهام” (Beckham) والذي يتكون من 4 حلقات، تمتد كل منها لأكثر من ساعة، ويقدم صورة شبه كاملة عن حياة أيقونة كرة القدم الإنجليزية ديفيد بيكهام الذي اعتزل اللعبة منذ 10 سنوات، دون أن يفقد تألقه أو إعجاب محبيه حتى الآن.
صعد المسلسل إلى قائمة الأعلى مشاهدة على “نتفلكس” بـ12.4 مليون مشاهدة في الأسبوع الأول من عرضه، بالإضافة إلى تقييم عال وصل إلى 90% من النقاد و97% من المشاهدين على موقع التقييمات النقدية “روتن توماتوز”، لكن هل استغل صناع المسلسل قصة نجاح “بيكهام” الاستغلال الأمثل؟
حياة درامية
تختلف الحياة الحقيقية عن تلك التي نراها على الشاشة، وإن كان الفيلم أو المسلسل يقدم قصة مقتبسة من وقائع حدثت بالفعل، فحتى لو أراد صناع العمل التزام الدقة قدر الإمكان فإنهم محكومون بقواعد الدراما وبناء الحبكة التي تجذب المشاهدين، لذلك يتم انتقاء أحداث محددة لبناء السيناريو حولها، أو تخيل مواقف لم تحدث وحذف أخرى وقعت.
لكن صناع مسلسل “بيكهام” لم يكونوا بحاجة لتخيل مواقف درامية لجذب المشاهدين، فما كان عليهم سوى الاطلاع على سيرة حياة النجم، وتتبع الحيرة بين المواقف شديدة الدرامية التي مر بها، وهي موثقة بالفيديوهات المصورة في وقت حدوثها.
قسّم صناع المسلسل حياة ديفيد بيكهام على 4 حلقات، تناولت كل منها محطة رئيسية في مسيرته.
تبدأ الحلقة الأولى بالركلة الحرة الشهيرة عام 1996، عندما أحرز هدفا من خط المنتصف تقريبا بصورة لا تتكرر، ومن هنا انطلقت رحلته الكروية، وركزت هذه الحلقة على استعادة طفولته واهتمامه بكرة القدم منذ نعومة أظافره، وخلفيته العائلية المتواضعة واهتمام والديه بمستقبله كلاعب كرة محترف.
وجاءت الحلقة الثانية حول ركلة أخرى جعلته أكثر شخصية مكروهة في بريطانيا لعدة سنوات، وذلك عندما انضم إلى المنتخب الإنجليزي في نهائيات كأس العالم عام 1998، وارتكب خطأً تجاه اللاعب الأرجنتيني دييغو سيميوني، تسببت في طرده من مباراة الدور الثاني، فخسر فريقه، الأمر الذي حملته الجماهير والإعلام مسؤوليته وأصبح عدو الشعب رقم 1.
وتدور الحلقة الثالثة حول النجاحات المتعددة التي حققها بيكهام سواء في مجال كرة القدم، أو الإعلانات، والتي غيرت من طريقة النظر للاعبي كرة القدم كوجوه إعلانية، وكيف يحول ما يلمسه إلى ذهب، ولكن على الجانب الآخر عانى اضطهاد المدربين الذين حملوه طوال الوقت أعباء خسارة المباريات، سواء في فريقه الأصلي مانشستر يونايتد أو ريال مدريد الإسباني.
شهدت الحلقة الرابعة أحدث مراحل حياة اللاعب، بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة، في البداية كلاعب كرة قدم -الخطوة التي اعتبرها كثيرون انتحارا كرويا-، ثم اعتزاله في باريس سان جيرمان الفرنسي، وإنشائه فريق كرة قدم بنفسه في ميامي الذي ضم اللاعب ميسي مؤخرا.
استغلال غير كاف
واعتمد مسلسل “بيكهام” الوثائقي على المقابلات التي تم تسجيلها مع اللاعب وزوجته فيكتوريا ووالديه، وعدد من أهم لاعبي كرة القدم الذين عاصروه، بالإضافة إلى مكتبة وافرة بالتسجيلات المصورة لبيكهام خلال مراحل حياته المختلفة، سواء تلك التي صورها والديه له في طفولته، أو وسائل الإعلام بعد انضمامه لمانشستر يونايتد في مراهقته.
تمثل هذه المصادر -خاصة المقابلات الشخصية- مادة غنية لأي فيلم أو مسلسل وثائقي من هذا النوع، ولكنه مصدر لم يتم استغلاله بما فيه الكفاية، وذلك يرجع بشكل أساسي لاختيار الأسئلة التي تم توجيهها خصوصا لديفيد بيكهام، التي لم تسبر أغوار اللاعب، أو تفتش في مناطق خطرة في حياته، كان من الأولى التركيز عليها بدلا من أسئلة شديدة العمومية استهدفت إجابات معروفة مسبقا لأي شخص اطلع على صفحة اللاعب على ويكيبيديا.
وينطبق الأمر كذلك على الأسئلة الموجهة لزوجة اللاعب فيكتوريا، التي تقلص وقت وجودها على الشاشة للحدود الدنيا، على الرغم من تأثيرها الواسع على شخصية زوجها، والاهتمام الكبير التي حظيت به العلاقة نفسها وجعلت زواجهما بمثابة زواج ملكي من حيث التغطية الإعلامية والشعبية -كونها كانت إحدى عضوات فريق “سبايس غيرلز” الغنائي-.
وتمثل هذه المسلسلات الوثائقية فرصة للمشاهدين للاقتراب من نجومهم المفضلين والدخول إلى حياتهم من زوايا مختلفة عن تلك التي يطلعون عليها في المعتاد، لكن مسلسل “بيكهام” في حلقاته الثلاث الأولى ابتعد عن بطله الأساسي، فظهر في أجزاء قليلة جدا، بدون فاعلية حقيقية، أو تعليق يضيف على الأحداث.
وتحسن الوضع في الحلقة الأخيرة التي أعطت جزءا من وقتها للتركيز على وجه جديد للاعب الإنجليزي السابق، وهو الرجل المهتم بالتنظيم والنظافة بشكل يوحي بإصابته بأحد أطياف “الوسواس القهري”.
واستبدل الوثائقي الأسئلة المباشرة للشخصية الرئيسية بالتركيز في لقطات قريبة، على وجهه بعد مشاهد تستعرض محطات شائكة في حياته، وحرم صناع المشاهد من تعليقات اللاعب الخاصة، ومر بشكل سريع على تأثير الهجوم الإعلامي عليه من الناحية النفسية.
على الرغم من التقييمات العالية التي حظي بها مسلسل “بيكهام” فإنه يمثل فرصة ضائعة، وقد اقترب كثيرا من اللاعب، ولكن لم يستطع الخروج من هذا القرب بمعلومات جديدة لم يعرفها المشاهد من قبل.