رغم مرور نحو شهرين على بدء عرض مسلسل “كريستال”، فإنه نجح في الحفاظ على صدارة “ترند” منصات التواصل الاجتماعي طوال تلك المدة، مُحققا نسب مشاهدة مرتفعة ومتأرجحا بين المرتبة الأولى والثانية للأعمال الأكثر مشاهدة. فما السر وراء كل تلك الجلبة؟
“كريستال” مسلسل لبناني مكون من 90 حلقة، بدأ عرضه في يوليو/تموز الماضي، وهو من بطولة محمود نصر، وباميلا الكيك، وستيفاني عطاالله، ولين غرة، ورولا حمادة، وأنجو ريحان، وخالد شباط، وإياد أبو الشامات، وبلال مارتيني. أما الإخراج فقام به التركي هاكان أرسلان في حين شارك بكتابة السيناريو والحوار كل من لبنى مشلح ومي حايك.
المسلسل مُقتبس من دراما تركية من موسمين عُرضت بين عامي 2014 و2016 بعنوان “حرب الورود”، وحظى مشاهدات عالية على منصة “شاهد”. وتدور الأحداث حول مصممة أزياء شهيرة يتوفى والدها، مما يضطرها إلى العودة للوطن ورعاية شقيقها المريض للحصول على الميراث، وهناك تعاود اللقاء بطبيب التجميل صديق طفولتها وحب حياتها الأول.
غير أن وقوع ابنة البستاني في حب الطبيب ومبادلته لها المشاعر يُشعل نيران الغيرة بصدر البطلة الثرية، وسرعان ما تتأجج المنافسة قبل أن تتعقد الأمور أكثر وتمر الشخصيات بتغييرات جذرية تقلب كل شيء رأسا على عقب.
ليست المرة الأولى لكنها الأفضل
فوجئ الجمهور في العام 2019 باختيار المسلسل التركي “عروس اسطنبول” لتعريبه باسم “عروس بيروت”، وهو العمل الذي جاء من بطولة ظافر العابدين وكارمن بصيبص وحقق نجاحا طوال 3 مواسم كان آخرها في 2021.
وهو ما شجع المنتجين على تكرار التجربة وتعريب عدة مسلسلات تركية أخرى وكانت النتيجة عدة أعمال درامية مثل مسلسل “ع الحلوة والمرة” المأخوذ عن “في السراء والضراء” وهو الذي لعب بطولته دانا مارديني ونيكولا معوض وباميلا الكيك، ومسلسل “ستيليتو” المُقتبس عن “جرائم صغيرة” وهو بطولة جماعية نسائية من نصيب كاريس بشار، وديمة قندلفت، وندى أبو فرحات، وريتا حرب، وقيس شيخ نجيب، وسامر المصري.
كما تم تعريب مسلسل “الثمن” الذي لم يحقق النجاح ذاته، وهو من بطولة كل من باسل خياط ورزان جمال ونيكولا معوض واقتبست أحداثه من “ويبقى الحب” أحد أشهر المسلسلات التركية.
ويعد “كريستال” خامس تجارب تعريب الدراما التركية مؤخرا، ويبدو أن منتجيه استفادوا من سلبيات الأعمال السابقة وحاولوا تداركها بدليل نسب المشاهدة المرتفعة وتفاعل الجمهور مع الأحداث بصورة يومية، حتى إن الكثير من المشاهدين شرع بتتبع أخبار المسلسل التركي “حرب الورود” في محاولة لاستباق الأحداث ومعرفة ما ستؤول إليه الأمور، وهذه بعض مقومات النجاح التي سمحت لـ “كريستال” بالتربّع على عرش المشاهدات.
تسكين الأدوار
بالرغم من أهمية ومحورية الأبطال الأساسيين بالعمل، فإن قصة المسلسل مُتخمة بالعديد من الحكايات الفرعية والأبطال الثانويين، ولهذا كان لا بد من التدقيق باختيار طاقم الممثلين. وبالمقارنة بين “كريستال” و”حرب الورود” أتت النتيجة لصالح المسلسل اللبناني الذي تفوق غالبية نجومه بالأداء، وهو ما لم يتحقق بالكثير من التجارب العربية السابقة.
وإن كان لقب الأفضل حسب رأي النقاد والجمهور جاء من نصيب الممثل السوري الشاب خالد شباط الذي يلعب دور شقيق البطلة، المُصاب بمتلازمة “أسبرغر” – إحدى اضطرابات طيف التوحد-، وإتقانه لمحاكاة أعراضها من صعوبة الكلام والحركة بشكل طبيعي والتصرف بعاطفة طفل صغير.
وفي سبيل إجادة الدور صرح شباط بأنه شاهد 8 أفلام يعاني أبطالها من الاضطراب نفسه، كذلك قابل طفلا يُعاني من متلازمة “أسبرغر” وهو الأمر الذي أودى به بالنهاية إلى الانهيار العصبي ونوبات البكاء الحادة بسبب تأثره بما شاهده، قبل أن يُترجّم كل ذلك على الشاشة بطريقته الخاصة.
سرد درامي مثير
رغم طول عدد الحلقات، جاءت أحداث العمل تشويقية ومثيرة في حين تميز السرد الدرامي بالتصاعد الحاد، خاصة في ظل المفاجآت والتغيرات شبه التامة التي تعرّض لها الأبطال، إذ مرّ غالبيتهم بمواقف استدعت منهم التحوّل 180 درجة وهو ما اتفق مع ثيمة الحب والانتقام، مما زاد الحبكة إثارة وجعل الأحداث غير متوقعة وبالتالي حافظ على شعبية العمل وضاعف قاعدته الجماهيرية حلقة بعد أخرى.
خطوط درامية عديدة وشائكة
عادة ما تكون تلك النوعية من المسلسلات عامرة بالخطوط الدرامية النمطية وشبه المُهلهلة لملء فراغ 90 حلقة أو أكثر، لكن أن تأتي جميعها دسمة وثرية ومتقاطعة بإتقان هذا هو ما ميز مسلسل “كريستال” الذي تضمن ثنائيات عديدة لم يتشابه أي منها في شيء رغم أن بعض الأبطال كانوا أطرافا في أكثر من ثنائية.
تغيير النهايات
المتابع للمسلسلات العربية السابقة والمأخوذة عن فورمات تركية سيجد صانعيها يميلون لتغيير النهايات لضمان مفاجأة المتفرج وعدم إصابته بالإحباط. مما جعل المشاهدين غير قادرين على توقع ما سيجري بالحلقات القادمة حتى هؤلاء من سبق لهم متابعة المسلسل التركي “حرب الورود” وبالتالي ضمن استمرار المتابعة حتى آخر لحظة.
العيب القاتل
على الرغم من كل المميزات السابق ذكرها، وقع مسلسل “كريستال” في خطأ قاتل هو ابتعاد الأحداث عن الواقع، فتلك الحكايات التي يرويها العمل أقرب إلى الروايات الرومانسية التي يقرأها المراهقون بالصغر، فهي لا تُشبه المجتمع العربي عموما ولا اللبناني أو السوري على وجه الخصوص، مما جعل المشاهدين يسخرون مما يتابعونه بسبب عدم منطقيته مع كامل اعترافهم بجاذبية الثيمة.