مسلسل “عسل مسموم”.. قصة غدر وخيانة غنية بالميلودراما

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

عُرضت عدة مسلسلات عراقية على شاشة التلفزيون والمنصات الإلكترونية خلال شهر رمضان الكريم، من أشهرها وأكثرها مشاهدة “عسل مسموم” من إخراج فادي سليم، وتأليف ندى عماد خليل، وبطولة بكر خالد وهند نزار ومريم غريبة.

يتشابه المسلسل مع الكثير من المسلسلات الخليجية من حيث قصة العائلة الممتدة التي تعيش في منزل واحد، وتتوالى على أفرادها الفواجع، ويرصد كيف يتعاملون معها، ومن هنا تبدأ حكاية “عسل مسموم”.

“التطهير” على طريقة أرسطو

تدور أحداث “عسل مسموم” في “بغداد المعاصرة”، وفي البداية نتعرف على العالم الآمن السعيد لعائلة الموظف “كرم” (بكر خالد)، الذي يعيش مع والده ووالدته وأخيه وعمه وابنة عمه في منزل كبير حتى بعدما أنشأ عائلته الخاصة وأنجب من زوجته “حنين” (مريم غريبة) ابنة هي “ديمة” وابنا آخر.

يصطدم “كرم” في الحلقة الأولى مع الثري “ناصر” (كاظم القريشي) الذي يرغب في هدم مسجد أثري، الأمر الذي يرفضه “كرم” بوصفه موظفا حكوميا مسؤولا عن مثل هذه التصاريح، فيتم تهديده بشكل غامض، ولاحقا في اليوم ذاته تختفي ابنته في أحد الأسواق، فيتهم “ناصر” مباشرة باختطافها.

تستمر الأحداث في خطين متوازيين، خط بحث “كرم” وعائلته عن الابنة المفقودة، وآخر يتمحور حول “ناصر” وعملياته الإجرامية التي تحاول كشفها ابنته “رفل” (ميرنا نور الدين)، وعبر تقنية “الفلاش باك” نسترجع أحداث يوم اختطاف “ديمة” ونعرف المسؤول/ة عنها، ولكن ذلك لا ينهي كل الأسرار والمفاجآت التي تستمر خلال الحلقات كافة.

 

يقدم “عسل مسموم” لمشاهديه متعة “التطهير” (Catharsis)، والتطهير هو تفريغ عاطفي يمكن من خلاله تحقيق حالة من التجديد الأخلاقي أو الروحي، أو تحقيق حالة التحرر من القلق والتوتر.

في الأصل، استخدم المصطلح كاستعارة في الشعر من قبل أرسطو لشرح تأثير المأساة على الجماهير، كان يعتقد أن التطهير هو النهاية المثالية لعمل فني مأساوي أو تراجيدي، وأنه إحدى علامات جودته. إذ قال أرسطو في كتابه “فن الشعر”: المأساة تقليد لعمل جاد وكامل وبقدر معين من خلال الشفقة والخوف مما يؤدي إلى التطهير المناسب من هذه المشاعر.

بكلمات أبسط عندما يتماهى المتفرج مع العمل الفني الذي يشاهده ويتابع ما يحدث لأبطاله من فواجع، يصل في النهاية إلى شعور بالراحة لأن ما يعاني منه هذا البطل التلفزيوني أو السينمائي أو المسرحي لا يمسه أو يؤذيه، فيتخلص بنهاية العمل من حالة القلق والتوتر التي تصيبه خلال التماهي ويشعر بالأمان مرة أخرى.

يقدم مسلسل “عسل مسموم” عددا من الفواجع التي لا تنتهي، فحبكته تعتمد على الدسائس والأسرار والخداع، مما يجعل المشاهد يمتن لأنه ليس أحد أفراد هذه العائلة وفي الوقت ذاته يتابع مصائبهم بشغف.

وأسرف صناع العمل في استخدام تقنية “الفلاش باك” (استدعاء الماضي) لتفسير هذه الأحداث وشرح مشاعر وأغراض الشخصيات والعلاقات فيما بينهم، مما أفسد بنية المسلسل، إذ يصعب في بعض الأحيان فهم الترتيب الزمني للقطات وهل تنتمي للفلاش باك (أي الماضي) أم تجري في الحاضر.

لا صوت يعلو على صوت الميلودراما

يتم استخدام مصطلح “الميلودراما” في الحياة العادية والمحادثات اليومية ليشير إلى المواقف أو السلوكيات العاطفية بشكل مفرط ومبالغ فيها. هذا أقرب إلى المعنى العامي للمصطلح، بينما الميلودراما هي نوع أدبي أو درامي تستخدم فيه المبالغة لإثارة ردود فعل عاطفية من الجماهير أو القراء. عادة، في الميلودراما تظهر الشخصيات سلوكيات عاطفية مفرطة، وتتميز الأحداث بكونها مثيرة للغاية، مما يخلق خليطًا بين الواقعية وغير الواقعية.

ويفرق الناقد والأديب الدكتور نبيل راغب في كتابه “فنون الأدب العالمي” بين الميلودراما والتراجيديا، قائلا “إن الميلودراما تعتبر نوعًا متطرفا من التراجيديا أو المأساة، ولكنها تختلف معها في نوعية النهاية التي يمكن أن تصل إليها، فالمأساة تعالج أحداثًا مفجعة تثير الخوف والشفقة ولابد من أن تكون نهايتها حزينة، أما الميلودراما -وإن كانت أحداثها أكثر إثارة للفجيعة والرعب- فإن نهايتها يمكن أن تكون حزينة أو سعيدة”.

وهناك بضع سمات نلاحظ تكرارها في المسلسلات الميلودرامية، منها التركيز على منظور الضحية في الحدث، كما أن الصراع فيها أخلاقي إلى حد كبير مع التواءات غير متوقعة في الحبكة والاعتماد على المصادفات والأسرار المخفية، كذلك تتسم الميلودراما إلى حد كبير بوجود العاقبة الأخلاقية، أي العقاب الذي تتعرض له بعض الشخصيات نتيجة أفعالها الشريرة أو غير الأخلاقية.

ينطبق هذا التعريف بشكل واضح على مسلسل “عسل مسموم” بما يحمله من فواجع لا تنتهي، بدأت باختطاف الطفلة “ديمة” ثم مصيرها الأسود الذي ستكشفه الأحداث بعد ذلك، والأسرار المخيفة التي تتمثل في هوية المختطف والسبب وراء الجريمة من الأساس، وينتظر المشاهد العاقبة الأخلاقية للجناة على أحر من الجمر.

الميلودراما نوع -رغم انتشاره- ليس محبوبا لتكرار أحداثه بشكل ممجوج، فهو ليس إلا مجموعة من المصائب المتتالية التي لا تنتهي إلى بانتهاء الحلقة الأخيرة من العمل، ويؤثر بشكل أساسي على العناصر الفنية للمسلسلات، مثل مشاهد البكاء الطويلة والمتكررة في كل حلقة لدرجة تقلل الوقت المتاح للأحداث الفعلية التي تحرك الحبكة، بالإضافة إلى مشاهد الشجارات كذلك التي لا تنتهي إلى أي شيء حقيقي، مثل شجار الجدة مع الأم، أو شجار الأخوان “أكرم” و”عاصم”، أو شكوك “رفل” في والدها “ناصر”.

ونتيجة لذلك يمكن اختصار حلقات المسلسل إلى النصف تقريبا إن حُذِفت هذه المشاهد في غرفة المونتاج ولن يؤثر ذلك على الحبكة بأي شكل.

مسلسل “عسل مسموم” يُرضي شريحة من المشاهدين اعتادت هذا النوع من المسلسلات التي تعطيه القدرة على الشعور بـ”التطهير” خلال مراقبة المصائب والكوارث التي تحيق بالآخرين بينما يظلون هم سالمين، ولكن من الناحية الفنية يشوبه الكثير من العيوب.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *