في ذكرى رحيله.. كيف فسر مصطفى محمود العلاقة بين إسرائيل وأميركا؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

القاهرة- محطات عدة مرت بها رحلة المفكر المصري الراحل مصطفى محمود، ولعل أكثرها رواجا بين جمهور منتجه المكتوب والمرئي تلك المتعلقة بأطروحاته الفلسفية للإيمان واستعمال العلم في التغذية الروحية.

غير أن صاحب البرنامج الشهير “العلم والإيمان” كرس جل جهوده الكتابية في نهايات عهده بالإنتاج الفكري لتناول ما رأه خطرا يحدق بالعالم أجمع وهو الفكر الصهيوني، وذلك ما نتج عنه 9 كتب أصدرها خلال حقبة التسعينيات فضلا عن عدة مقالات صحفية في نفس الاختصاص.

وفي كل كتاباته عن الاستيطان الإسرائيلي لم يغب ذكر دور الولايات المتحدة عن قلم المفكر الراحل، كما لو أن إسرائيل هي الطفل المدلل لواشنطن، حسب وصفه في كتاب “ألعاب السيرك السياسي”.

وفي ذكرى وفاته رقم 15 (توفي يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2009) يظل المنتج الفكري لمصطفى محمود أحد المقاصد لتفنيد المسألة الصهيونية وشرح الدور الأميركي في دعم الاستيطان.

 

“تنازل الفلسطينيون عن الكثير وساوموا بالكثير وقبلوا أنصاف الحلول وأرباع الحلول ثم لم يبق لهم شيء.. لم يبق إلا الطوفان، ويقولون متى هذا الطوفان؟”

مصطفى محمود

من مقال “نكون أو لا نكون”

لصان يستعملان بعضهما

رغم ما تبدو عليه ظاهر الأمور بكون إسرائيل تستعمل الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها، فإن مصطفى محمود يفسر العلاقة على نحو معاكس إذ يصف الكيان الصهيوني بمشروع استثماري تنفق عليه واشنطن وتوظفه بهدف الهيمنة على المنطقة العربية.

وتسعى الولايات المتحدة للانفراد بالقرار في شؤون العالم كله وإطلاق يدها في التركة الاستعمارية التي خلفتها بريطانيا بالشرق الأوسط، وعلى ذلك تبرز الحاجة لاستعمال إسرائيل، وفق ما ذكره المفكر المصري الراحل في مقاله بعنوان “دستور اللصوص”.

وينتهي إلى كون العلاقة بين الطرفين تتمحور حول السرقة، ويقول بشكل أكثر وضوحا “إنهما لصان كل منهما يستعمل الآخر لتحقيق أطماعه، ولا مانع من أن تستخدم أميركا لغة العواطف وحقوق الإنسان والشرعية الدولية لتمرر مصالحها، ولا مانع أن تستخدم إسرائيل أسطورة الهولوكوست وتحاول أن تثير إشفاق العالم، وكلاهما كذاب ومنافق”.

وفي كتابه “على خط النار” يقول المفكر المصري إن أميركا تستعمل إسرائيل لتكون يدها الباطشة في الشرق الأوسط والتي تتحول إلى يد عابثة ومخربة أحيانا، “فالشرق الأوسط يعني البترول وكنوز الطاقة والمستقبل”.

“إننا أمام دولة غادرة لا ذمة لها ولا ميثاق وهي تمارس البلطجة في حماية الراعي الأميركي رئيس الكون”

مصطفى محمود

من كتاب “إسرائيل.. البداية والنهاية”

 

طبيعة المساندة

في كتابه الشهير “إسرائيل.. البداية والنهاية” يعدد المفكر الراحل الدور الأميركي في مساندة الكيان الصهيوني قائلا “لم تبخل أميركا بالمال ولا بالسلاح ولا بالأسرار الذرية ولا بما تصوره أقمارها التجسسية ولا بجيوش مخابراتها”.

ويضرب مثالا لتلك المساندة في كتابه “على خط النار” قائلا “افتضحت العلاقة العضوية المتينة بين كل من أميركا وإسرائيل عقب الهجوم الإرهابي الذي قامت به إسرائيل على لبنان عام 1982، وضربت البنية التحتية وأضرمت النيران في بيروت ردا على ما فعلته المقاومة اللبنانية لتحرير الجنوب، وجاءت المكافأة الأميركية الفورية حينها بإعلان البنتاغون الموافقة على تقديم معونات عسكرية عاجلة لإسرائيل وبناء قاعدتين للتدريب العسكري”.

وخلال صالون ثقافي تم بثه عبر التلفزيون المصري، يقول مصطفى محمود إن أميركا أعلنت وصايتها على العالم واتخذت من إسرائيل رأس حربة، مشيرا إلى المساندة الأميركية للكيان الاستيطاني عبر تسليحه “من الإبرة للصاروخ” حسب المفكر المصري، واستخدام حق الفيتو بمجلس الأمن لوقف أي قرار ضد إسرائيل.

إلى ذلك يبدي صاحب “العمل والإيمان” اندهاشه من الدعوات الأميركية للعرب من أجل تمرير السلام مع الصهاينة في ظل مساندة واشنطن لإسرائيل، فيذكر في كتابه “الطريق إلى جهنم” ما يمسيها “القوة الضاربة” الأميركية التي تساند إسرائيل “بينما الإسلام والمسلمون في قفص الاتهام، وكل العالم قد تحالف عليهم، أي سلام سيكون بين طرفين هذا حظهما من المساندة.. ثم لا تكافؤ في أي شيء؟”.

مازال الإقبال على شراء كتب مصطفى محمود

روسيا غير بعيدة

المخططات الإسرائيلية لا تغفل الدب الروسي، فثمة جهود إسرائيلية للوصول إلى صناع القرار في روسيا باعتبارها إحدى الدول الكبرى، بحسب رؤية المفكر المصري الراحل.

وتتشابك العلاقة بين موسكو وواشنطن وتل أبيب، من وجهة نظر المفكر المصري، فيبيّن في كتابه “قراءة للمستقبل” أن أميركا أشرفت على هجرة 4 ملايين يهودي من الاتحاد السوفياتي إلى إسرائيل خلال العقود الماضية.

“تفرض أميركا إسرائيل على العالم، وتفرض فسادها وإفسادها، حاملة وحدها إثم هذه الجريمة التاريخية”

مصطفى محمود

من كتاب “قراءة للمستقبل”

خصص مصطفى محمود 9 كتب للمسألة اليهودية والخطط الصهيونية

النبوءة.. وماذا نفعل؟

لم يتطرق مصطفى محمود فقط إلى تفنيد المسألة الصهيونية ومخاطرها وعلاقتها بأميركا بل امتد إسهامه الفكري إلى البحث عن التحرك العربي الواجب من أجل مجابهة المخططات الاستيطانية.

في مقاله بعنوان “تحذير إلهي” تنبأ بالمزيد من الدموية الإسرائيلية قائلا “المسرح السياسي يُعد لمصادمات كبرى فأميركا في السماء وأبناء صهيون في حجرها والعرب في الحضيض وفلسطين في حضيض الحضيض.. ومسلمو العالم تحت القهر”.

وعما يجب أن يفعله العرب، ارتأى المفكر المصري ضرورة “العمل” بما يتضمنه من معان عدة، شارحا “اعملوا.. اعملوا.. اعملوا.. كلمة وحيدة لكن فيها مفتاح كل الأبواب. والعمل هنا يعني معاني عديدة، فهو العمل السياسي بإقامة جبهة عربية واحدة يتوحد فيها الكيان العربي الممزق في وحدة عضوية تقتضيها المصلحة العاجلة والأخطار المحدقة بالكل”.

كذلك يشمل العمل على المستوى الاقتصادي بالتنمية الشاملة والتصنيع المتطور، وعلى الصعيد العسكري بكسر احتكار السلاح وتنويع مصادره “وبالذات سلاح الصواريخ وكافة أنواع أسلحة الرمي من بعد، باعتباره سلاح المستقبل رقم واحد” حسب توقعه وهو ما ثبت فعلا بالنظر للحال الراهن.

والعمل على مستوى السياسة والاقتصاد والتسليح، يجب أن يتم بالتوازي مع عودة الروح المتفائلة المتحمسة المتيقنة في النصر، وتلك الروح يمكن استعادتها عبر “إعلام مختلف وخطاب شبابي مختلف ودعوة دينية مختلفة تخلو من الاستسلام والتواكل وتبث الهمة” حسب قول المفكر المصري.

وكل ذلك يٌشترط له، وفق ما جاء بمقال “تحذير إلهي” أن تتغلب الحكومات العربية على أزمة الثقة بينها والإسلاميين “ليصبح الكل جبهة واحدة تناضل فى خندق واحد وترمي عدوا واحدا.. أما حالة التوجس المتبادلة فلن تؤدي إلا إلى مزيد من الفاقد في الزمن وفي الهدف وفي النتيجة التي لن تكون إلا عدة أصفار، هذا إن لم تحدث النتيجة بالسالب تراجعا وانهزاما وضياعا للمال والأرواح والأرض والمستقبل”.

ولكن ماذا لو انحاز العالم إلى العدوان الإسرائيلي؟ ويجيب المفكر المصري في كتابه “قراءة للمستقبل” بأنه لو حدث، وهو أمر محتمل “فإن الله لا يطلب من القلة إلا الثبات وبذل أقصى المستطاع ثم هو ناصرهم بوسائله”.

“أجمعوا أمركم يا عرب.. افتحوا عيونكم.. وافتحوا عقولكم.. وهبوا من هذا السبات الغليظ الذى أشرف بكم على التهلكة.. وثقوا أنه لا مهرب.. وأنه ليس من الله بد”

مصطفى محمود

مقال “اقتربت الساعة”

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *