طرحت العديد من دور العرض العربية فيلم “أبو نسب” مؤخرا، الذي يؤدي فيه الممثل المصري محمد إمام دور البطولة إلى جانب كل من ياسمين صبري وماجد الكدواني، وهو من إخراج رامي إمام.
ويواجه محمد إمام اتهامات جاهزة مع كل عمل سينمائي جديد بمحاولة استغلال شهرة والده النجم عادل إمام، أو تقليد أسلوبه الفني، الأمر الذي يتكرر بطبيعة الحال مع عرض “أبو نسب”. فهل هذه الاتهامات مستحقة هذه المرة؟
ليته اقتباس
تبدو حبكة “أبو نسب” -الذي ألفه أيمن الوتار- بالفعل كما لو أنها اقتباس من فيلم “عريس من جهة أمنية”، الذي يعد أحد أشهر أفلام “الزعيم” في المرحلة قبل الأخيرة من مسيرته السينمائية، والذي دارت أحداثه حول خطاب النجاري الأب المحب لابنته الوحيدة حبيبة (حلا شيحة) والذي يرفض تزويجها حتى يضطر لذلك تحت ضغط علاقة حب جمعتها بضابط الشرطة النافذ الرائد طارق عبد الجليل (شريف منير).
أما فيلم “أبو نسب” فتدور أحداثه حول الطبيب علي (محمد إمام) الذي يوشك على الزواج من حبيبته داليا (ياسمين صبري)، لكنه يكتشف قبل الزواج بيوم أن والدها داود الشنش (ماجد الكدواني) ليس متوفيا، بل هو سجين سابق.
يقرر الأب منع هذا الزواج حتى يستمتع بمحبة ابنته لأطول مدة، وعندما يحدث الزفاف رغما عن إرادته، يستغل الحرب التي يشنها أعداؤه من المجرمين لحبس ابنته وزوجها في قصره على أطراف القاهرة، ويبدأ في إشعال الخلافات بينهما.
تنتهي التشابهات بين فيلمي “عريس من جهة أمنية” و”أبو نسب” عند الهيكل الخارجي للحبكة، لكن فيما عدا ذلك فهو مشروع مختلف تماما، بل لربما تمنى بعض المشاهدين أن يستمر هذا الاقتباس، لأن ما تلا ذلك كان فوضى سينمائية على كل الأصعدة.
تعاون محمد إمام مع ياسمين صبري في “ليلة هنا وسرور” و”جحيم في الهند” من قبل، ومع أخيه رامي في عدة مشاريع تضمنت والدهما عادل إمام، في حين عاد رامي للسينما بعد طول غياب عام 2022 بفيلم “فضل ونعمة” من سيناريو أيمن وتار، أي أن فريق الفيلم سبق أن تشارك الكثير من الأعمال سابقا، الأمر الذي من المفترض أن يؤدي إلى تناغم أكثر.
لكن ذلك لم يتحقق في فيلم “أبو نسب”، الذي أعاد إنتاج كل عيوب الأفلام السابقة لكل طرف من أطراف الفيلم، بداية من افتقاد الانسجام بين صبري وإمام على الشاشة، مرورا بلجوء المخرج والمؤلف إلى كوميديا الموقف المبنية على التناقض بين الشخصيات الفيلمية المرسومة بشكل سطحي للغاية، وانتهاءً بتنفيذ مشاهد الحركة (الأكشن) بشكل متواضع، على الرغم من تقدم المؤثرات البصرية السينمائية في السنوات الأخيرة.
سيناريو تائه
يحاول سيناريو فيلم “أبو نسب” الجمع بين الكوميديا والحركة، لكنه لا يحسن تقديم أي منهما، أو حتى إحداث نوع من التوازن بينهما.
تتمثل الكوميديا في شخصية علي طبيب الأطفال المسالم الذي يصبح بشكل مفاجئ أحد أفراد عائلة من المجرمين، فيحضر اجتماعا عالي الخطورة -على سبيل المثال- وهو يقدم مشروب السحلب للجميع، أو يتحول حفل زفافه إلى ساحة معركة ينهال الرصاص فيها على المدعويين ويرقص مدير الفندق على أنغام هذه الطلقات.
بالمقابل، تتناقض شخصيته مع داود الشنش والد عروسته، المجرم المخضرم الذي لا يرق قلبه إلا لابنته فقط، ويحاول بعد خروجه من السجن التخلص من زوجها واستعادة مكانته في عالم الجريمة المنظمة، ويحيط نفسه بمجموعة من الرجال أصحاب الأسماء الغريبة الذين ينفذون أوامره بلا تفكير.
أما الطرف الثالث فهي العروسة داليا التي تحاول بسذاجة الجمع بين عالمي الأب والزوج، وترى في الحديث من القلب الحل لهذه الأزمة.
كوميديا فيلم “أبو نسب” غير مضحكة، ومليئة بـ”إفيهات” (جمل كوميدية) متوقعة تفتقد حتى التوقيت السليم لإحداث الأثر المطلوب، في حين تم تجميع مشاهد الحركة في الفصل الأخير، كما لو أن الفيلم قرر تحويل دفته في الفقرة الأخيرة من الكوميديا إلى الحركة.
يبدأ الفيلم كذلك بعدد كبير من الشخصيات، مثل خال ووالدة علي التي كانت تتمنى له زوجة أفضل، ووالدة داليا التي أخفت عن الجميع زواجها السابق من مجرم، لكن ما أن ينتهي حفل الزفاف حتى تختفي هذه الشخصيات كأن لم تكن، فلم يبال أيمن وتار بإدماجها بالفيلم أو حتى استغلال وجودها، وهو أمر كان من الممكن أن يعزز الكوميديا المختفية نتيجة لاستهلاك الكوميديات نفسها على طول الفيلم.
لم يعط سيناريو “أبو نسب” الفرصة لممثليه لتقديم أداء جيد، فمع هذه الشخصيات المسطحة والكوميديات غير المضحكة، بدا الفيلم منذ البداية محكوما عليه بالإعدام بلا استئناف، لكن يتضح بسهولة الفارق بين محاولات ماجد الكدواني ومحمد إمام في التعامل مع هذا الوضع الكوميدي الكارثي، وبين استسلام ياسمين صبري التي تقول جملها كما لو أنها تم تلقينها إياها قبل التصوير بلحظات.
بالطبع هناك الكثير من التشابهات بين أسلوب محمد إمام الكوميدي ووالده، لكنها تشابهات مقبولة وتخرج من حيز التقليد إلى التأثر مثله مثل الكثير من الممثلين الآخرين الذين حاولوا على مر العقود إعادة إنتاج كوميديا أثبتت نجاحها من المحيط إلى الخليج.
حان الوقت ليجد الممثل الشاب أسلوبه الخاص، خصوصا أنه استطاع بالفعل الوصول إلى قلوب قاعدة كبيرة من المحبين، والأهم اختيار مشاريع سينمائية جيدة، والبعد عن فخ التكرار الذي قد يضر بمسيرته السينمائية مبكرا.