مسؤولية ضخمة وتوقعات مرتفعة تحطمت جميعها على شاشة نتفليكس بسبب مسلسل “برلين” (Berlin)، الذي ظل قطاع كبير من الجمهور ينتظره عاما كاملا ولم يُعرض إلا قبل أيام، فشتان بين بدء سلسلة درامية من الصفر بدون توقعات مسبقة، وبين أن تبدأ كبيرا وقد التفت الأعين حولك لرؤية ما سوف تُقدمه لإرضائهم، وهو ما يُحتّم عليك أن تمنحهم عملا يليق بالتوقعات أو لا تقدمه أبدا؛ وتلك هي السقطة التي لم يحسب حسابها صانعو “برلين”.
بدأ عرض المسلسل الإسباني “برلين” في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولما كان العمل مشتقا من المسلسل الإسباني الأشهر “بيت المال” (La Casa De Papel)، حظي بجماهيرية عريضة واحتمالات مشاهدة مُسبقة دون مجهود.
بطل العمل هو “برلين”، شقيق “البروفيسور” والذي توفي بالحلقة الأخيرة من الموسم الأول من مسلسل “بيت المال”، لكن نتيجة تعلّق المشاهدين به وأدائه اللافت، منحته منصة نتلفيكس تلك الفرصة الكبرى والمُهدرة.
قصة العمل
تماما مثل “بيت المال” ينتمي مسلسل “برلين” لفئة دراما الجريمة والتشويق وتحديدا السرقات الذكية والمثيرة، وتدور الأحداث -قبل سنوات من تنفيذ خطة البروفيسور للسطو على بيت المال في إسبانيا- هذه المرة في باريس؛ حيث يهدف برلين بمرحلة أكبر من شبابه برفقة عصابة أخرى إلى الاستيلاء على مجوهرات تُقدّر بـ 44 مليون يورو خلال ليلة واحدة.
ويتوقع الجمهور أن يصبحوا شهودا على خطة عبقرية وأحداث شديدة التشويق وسط تصاعد درامي موتر للأعصاب، خاصة أن العمل تأليف أليكس بينا وإستير مارتينيز لوباتو، وهما صانعا تجارب إسبانية ناجحة أخرى لنتفليكس مثل “لا كاسا دي بابل” ومسلسل “سجينة” (Vis a vis)، لكن لسوء الحظ يأتي الأمر مخيبا للآمال.
لصوص ولكن عشاق
ربما كان العمل سيحقق نجاحا أكبر لو قُدّم باعتباره دراما تستعرض مقطعا عرضيا من الجانب العاطفي لدى اللصوص، وكيف يمكن للحب أن يُفسد كل شيء، إذ في سبيله يصبح الغالي رخيصا، حتى إن البعض لا يجد غضاضة بأن يُضحي بسرقة العمر والملايين من أجل شخص التقاه لتوه مُهددا الصالح العام للفريق بأكمله ومضاعفا احتمالية الوقوع في قبضة الشرطة.
بدأ الأمر بسقوط برلين في غرام زوجة ضحيته من النظرة الأولى، وعوضا عن الرجل الذي عرفناه في وقت سابق وقد اعتاد عدم الالتفات لشؤون المشاعر أو أي شيء من شأنه عرقلة الخطط، نجده يتبع قلبه مثل مراهق مجذوب يركض في الطرقات.
تتوالى الحلقات بدون أن نشهد تشويقا يُذكر، مجرد أحداث غير منطقية أو متوقعة وحتى العملية التي يروجون لها باعتبارها سرقة شديدة الدقة ومدهشة التخطيط، تصبح فجأة على الهامش وتتوارى خلف دراما غير معنية إلا بمشاعر الأبطال وكيف يتعاطون مع الحب في ظل الكثير من الميلودراما حول تجاربهم العاطفية السابقة.
وهو ما أدى إلى تشتيت الجمهور نتيجة الخيوط الفرعية الكثيرة والفوضوية، خاصة أن التلميحات التي كان يمكن استغلالها في خلق منعطفات ذكية أو أحداث مثيرة بالفعل سواء للتشويق أو الفضول جرى إهدارها واستبدالها بتعقيدات ساذجة وغير مبررة.
محاولة متأخرة للإصلاح
ورغم أن مسلسل “لا كاسا دي بابل” حظي بقصص حب اعتمدت على الثنائيات بين أبطاله، لكن الفارق أن الأمر بدا هنا أكثر ابتذالا وتوقعا، كما لو أن المؤلفين يحاولون محاكاة أسباب نجاح التجربة السابقة لا غير، قبل أن يخرج العمل أقرب إلى نسخة باهتة ومُهلهلة لا أصالة فيها.
وحين حاول صناع العمل تدارك المسألة، وزيادة جرعة الإثارة في آخر حلقتين وإقحام وجهين نسائيين من مسلسل “بيت المال” هما المحققتان راكيل ( إيتزيار إيتونيو) أليثيا (نجوى نميري)، اللتان عُرفتا بعداء كبير بينهما وإن كنا نراهما هذه المرة قبل القطيعة، لم تحظ أي منهما بمساحة كبيرة أو محورية، والأسوأ أنهما صراتا أكبر سنا مما كانتا عليه في “بيت المال” رغم أن أحداث “برلين” تدور بفترة زمنية أبكر.
ومع ذلك تظل الحلقة السابعة والثامنة الأكثر تقييما من قِبل الجمهور، إذ استطاعتا رفع مستوى الأدرينالين لدى المشاهد وإجباره على البقاء بمقعده لمعرفة ما سيجري.
نهاية مفتوحة وانطباعات سلبية
حظي العمل بنهاية مفتوحة أوحت بمزيد من السرقات المُقبلة، على الأقل، إلى أن نصل لنقطة التقاء بين العملين الرئيسيين، لكن في الوقت نفسه لا يمكن تجاهل الانطباعات السلبية التي حظي بها المسلسل من الجمهور أو النقاد، وهو الأمر الذي يجعل تجديد العمل إلى موسم ثان رهانا مقلقا ومجازفة قد تكون في غير محلها إذا أقدمت عليها نتفليكس، إلا إذا أعاد صانعو “برلين” التفكير في خلطة جديدة للنجاح وإعادة كسب الجمهور الذين أهدروه سُدى.
“برلين” مسلسل إسباني صدر موسمه الأول المكون من 8 حلقات، ولهذا فهو يصلح للمشاهدة من قِبل محبي الدراما الأوروبية القصيرة بشرط عدم وضع أي توقعات مُسبقة. العمل بطولة جماعية شارك بها بيدرو ألونسو، ميشيل جينر، تريستان أولوا، بيجونيا فارغاس، وخوليو بينيا فرنانديز، وجويل سانشيز.