فرسان فلسطين في ميدان السينما يحاربون الصمت والنسيان

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 10 دقيقة للقراءة

قام الاحتلال بتهجير أهل فلسطين منها، فتحول العالم كله إليها، ومن كل بقعة في المعمورة أضحى الصوت الفلسطيني والصورة الفتيّة لشاطئ الزيتون على شاشات المهرجانات العالمية في أفلام قدمها المهاجرون وأبناؤهم وأحفادهم.

لذا لم يكن غريبا أن يرشح فيلم “الجنة الآن” لجائزة أفضل فيلم هولندي، أو يعرض فيلم “فرحة” باعتباره فيلما أردنيا، أو يثير فيلم “يد إلهية” معركة داخل إدارة جوائز الأوسكار بشأن الدولة التي يرشح اسمها للجائزة.

يقف الفلسطينيون في كل بقعة في مواجهة الاحتلال والنسيان والصمت، فيثقبون الذاكرة المغلقة على صور زائفة صنعتها سيطرة المحتل على مقدرات الإنتاج السينمائي ويلهمون الحالمين بالحرية ويبحرون بخيالهم إلى آفاق تتجاوز الواقع إلى خيال لا يصل إليه سوى أولئك الذين تجاوزوا الخيال، فصنعوا ملحمة “طوفان الأقصى”.

وينتمي محاربو الصمت والنسيان إلى أجيال فلسطين التي تلد الحلم والإرادة، وبين الممثل والمخرج محمد بكري إلى دارين سلام مرورا بإيليا سليمان ورشيد مشهراوي وهاني أبو أسعد وغيرهم يولد الصمود في مواجهة الصمت والإنكار.

وإليك بعض أبرز محطات التنشيط لذاكرة العالم وضميره عبر شاشة السينما وفرسانها.

إيليا سليمان

تظهر بصمات المخرج الفلسطيني إيليا سليمان من اللحظة الأولى لانطلاق عملية “طوفان الأقصى” في غلاف قطاع غزة، إذ تستدعي الباراشوتات التي نقلت أبطال العملية إلى داخل المستعمرات الإسرائيلية المشهد الشهير في فيلم “يد إلهية” لبالون ضخم يطير في الهواء ويحمل صورة الرمز الفلسطيني ياسر عرفات، فيما كان الرجل في واقع الأمر -حينها- محاصرا في مقره برام الله في الضفة الغربية.

حرر إيليا سليمان الزعيم الفلسطيني عام 2002 بخياله السينمائي، ليصل إلهامه في 2023 إلى المقاومين الذين حولوا الخيال إلى واقع.

وإيليا المولود في الناصرة عام 1960 اعتقل في عمر الـ17 عندما كان في تل أبيب وطلب منه الاعتراف بعضويته في منظمة التحرير الفلسطينية، رفض إيليا ذلك، وبعد وقت قصير هاجر إلى لندن ثم إلى فرنسا، حيث أقام عاما عاد بعده إلى فلسطين المحتلة.

وبعد أن أقام في الناصرة سنوات عدة أبدى فيها اهتماما بالسينما هاجر إلى نيويورك عام 1982 حيث أقام لمدة 12 عاما.

أشهر أفلامه هو فيلم “يد إلهية”، ويحكي قصة حب بين فتى فلسطيني من سكان أراضي فلسطين التي احتلت عام 1948 وفتاة فلسطينية من سكان الضفة، يلتقيان في سيارة فارهة على حاجز إسرائيلي (نقطة تفتيش)، ويراقبان ما يحدث خلف حواجز الاحتلال الإسرائيلية من قهر للفلسطينيين وإساءة معاملة.

يبدأ العمل بلقطات سريعة لما يشبه “بابا نويل”، ولكنه فلسطيني مطعون في صدره، يصعد حاملا صندوق هدايا تتناثر خلفه إلى قمة جبل. يظهر إيليا سليمان بشخصه داخل دراما الفيلم، ويتابع فيه كمخرج حكاية والده الذي مات بجلطة بعد أن قام الاحتلال بالسطو على سيارته ومنزله، ليموت حسرة.

وبين قصة حب ناعمة ورقيقة طرفاها فلسطينيان يفصل بينهما حاجز إسرائيلي ووقائع الاحتقار والكراهية والإذلال على الحاجز لمن يريدون زيارة القدس ينفصل الفتى عن واقعه.

يطيّر من نافذة سقف سيارته بالونا عليه صورة ياسر عرفات، يرتفع عرفات على البالون ويستطيع الإفلات من حاجز المحتل وطلقات الجنود، ويزور عرفات المرسوم على البالون الأحمر القدس بكنائسها ومساجدها ويستقر على قبة مسجد الحرم القدسي.

هاني أبو أسعد

ابن الناصرة المولود عام 1961، هاجر إلى هولندا وتلقى من الجوائز السينمائية العالمية بقدر ما تلقى من الهجوم بسبب فيلمه “الجنة الآن” الذي تطرق إلى الليلتين الأخيرتين من حياة شابين فلسطينيين قبل تنفيذ عملية استشهادية ينويان القيام بها، واتهم من قبل الإعلام الغربي بمناصرة العمليات الاستشهادية.

تدور قصة “الجنة الآن” حول الصديقين الفلسطينيين سعيد وخالد اللذين يعيشان حياة صعبة في نابلس ويعملان جنبا إلى جنب في ورشة لإصلاح السيارات، حيث كان من الصعب جدا الحصول على الوظائف.

تشمل تلك الحياة الصعبة الشعور وكأنهما سجينان في الضفة الغربية بسبب عدم السماح لهما بالتنقل والسفر، يدركان أن  كل مشاكلهما تعود للقمع الذي يمارسه الإسرائيليون.

يتطوعان في مجموعة مقاومة فلسطينية لتنفيذ مهمة في تل أبيب على أن تكون الخطة هي تفجير قنبلة، وبعد وهلة يتم تفجير قنبلة أخرى في الموقع نفسه، وكان عليهما أن يعبرا بشكل غير قانوني إلى إسرائيل لتنفيذ المهمة، يفكران في الأمر، إنهما لا يخافان الموت، لأن حياتهما الصعبة تشبه الموت بالفعل.

استطاع هاني أبو أسعد في فيلم “الجنة الآن” أن يشرح للعالم الغربي بتكوينه الثقافي المغاير لماذا يلجأ الأشخاص إلى العمل الفدائي، وصوّر تلك الحياة التي تشبه الجحيم على الأرض في ظل انعدام الخيارات وموت الأمل في تغيير الواقع السجين داخل قرارات احتلال لا يرحم.

وحصل فيلم “الجنة الآن” على جائزة “غولدن غلوب” عام 2006، كما شارك في مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي ووصل إلى التصفيات النهائية.

وفي فيلمه “عمر” -الذي رشح للأوسكار أيضا- يرصد نموذجا آخر لشاب فلسطيني يدعى عمر ويعمل خبازا، يحب فتاة فلسطينية على الجانب الآخر من الجدار الفاصل، ويحترف تفادي الرصاص الذي يطلقه جنود الاحتلال فيما يتسلق الجدار لرؤية الفتاة، وبينما يخططان بحماس للزواج تنحرف الخطط عن مسارها عقب اعتقاله بسبب تورطه في قتل أحد جنود الاحتلال.

يتعرض للتعذيب في السجن، ويتم الضغط عليه ليصبح مخبرا، ويبدأ ممارسة لعبة القط والفأر مع الشخص الإسرائيلي الذي يحاول تجنيده، في الوقت الذي يحاول إثبات أنه ليس “خائنا”، فيما يشاع في الشارع أنه كذلك.

رشيد مشهراوي

في مخيم الشاطئ بقطاع غزة اضطر رشيد مشهراوي ابن الـ14 عاما للعمل لمساعدة أسرته، ورغم أنه لم يحصل على فرصة لدراسة السينما فإنه وصل إليها عبر اهتمامه بالفن التشكيلي، وفي الـ24 أخرج فيلما قصيرا بعنوان “جواز سفر”.

ورشيد هو أول سينمائي فلسطيني يصنع أفلاما في الأرض المحتلة، حيث قدم بالإضافة إلى “جواز سفر” أفلام “الملجأ” و”دار و دور” و”أيام طويلة في غزة”.

أنشأ رشيد البنية الأساسية للسينما الفلسطينية من خلال شركة أيلول للإنتاج السينمائي، وقدم من خلالها فيلمه الروائي الأول “حتى إشعار آخر” 1993، ثم “حيف” 1996، وهو أول فيلم فلسطيني يعرض في مهرجان كان، كما أنشأ مركزا للإنتاج السينمائي في رام الله.

وهو مؤسس مهرجان سينما الطفل الذي أنتج عددا كبيرا من الأفلام، ثم قدم في عام 2008 فيلم “عيد ميلاد ليلى” الذي فاز بأكثر من عشرين جائزة عالمية.

وفي عام 2013 أنجز فيلمه الروائي الطويل السادس بعنوان “فلسطين ستيريو” الذي افتتح في مهرجان تورنتو للعام نفسه، وقدم الفيلم الوثائقي الطويل “رسائل من اليرموك” 2014 عن حصار مخيم اليرموك في سوريا.

رشيد مشهراوي: مخرج سينمائي فلسطيني

أحدث أعمال رشيد مشهراوي فيلم “يوميات شارع جبرائيل” الذي صنعه مضطرا بعد أن منعه الإغلاق العام بسبب كورونا من تصوير فيلمه الروائي الجديد في باريس.

ويفيض “يوميات شارع جبرائيل” بالشجن الذي يربط بين الإغلاق العام وحظر التجول الذي يفرضه الاحتلال على الفلسطينيين بشكل شبه دائم.

محمد بكري

لم يغادر المخرج والمؤلف والممثل محمد بكري فلسطين مهاجرا أبدا، ورغم ذلك فإنه واحد من الممثلين البارزين على مستوى العالم منذ اختاره المخرج الفرنسي العالمي كوستا غافراس بطلا لفيلمه “حنا ك” عام 1983، ليضيف إلى المخرج والمؤلف ممثلا متميزا.

ينتمي بكري إلى جيل يعشق كتابات الروائي إميل حبيبي وأشعار محمود درويش، وقدم رواية “أبي سعيد المتشائل” لإميل حبيبي في صورة مسرحية لسنوات طويلة داخل فلسطين وخارجها، وهو مطارد بأبيات درويش المتسائلة دائما عن حب البلاد الأسيرة.

استفزته مذبحة جنين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية، اندلعت الانتفاضة الثانية فواجهتها إسرائيل باجتياح الضفة الغربية بالكامل، وبينها مخيم جنين، لتدمر البيوت وتقتل العشرات من الفلسطينيين بين طفل وامرأة ورجل عجوز وشاب وحتى الجنين في رحم أمه.

قدّم بكري وثيقة إدانة للضمير الإنساني كله بسبب الصمت والتواطؤ مع المحتل على كتم الصوت المنادي بالحرية وإزهاق الروح الحرة في المخيم، ليبقى أبريل/نيسان 2002 لحظة يكللها العار في عالم يزعم انتماءه إلى قيم الحرية وينادي بحقوق الإنسان في كل بقعة على الأرض باستثناء فلسطين.

لكن إسرائيل وقفت بالمرصاد لفيلمه “جنين” وحاربته على مدى أكثر من 20 عاما، وأصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا حكما بمنع عرضه، ورغم ذلك وصلت صورة وكلمة بكري إلى كل صاحب ضمير.

دارين سلام.. فرحة فلسطينية

تمثل دارين سلام جيلا جديدا من مقاتلي الشاشة، قدمت 5 أفلام قصيرة، وفي عام 2021 أنجزت فيلمها “فرحة”، لتعيد سرد حكايات النكبة الفلسطينية بمنظور مختلف وتسرد وقائع وآثار النكبة على الفتاة الفلسطينية “فرحة” التي تطمح لاستكمال دراستها في الخارج، لكن النكبة تؤجل كل مشروعات الحياة، فيحبسها والدها خوفا عليها.

دارين سلام تحمل جوائز الفيلم( الجزيرة)

دارين سلام وفيلمها خاضا مواجهة مع إسرائيل، خاصة حين عرض على منصة نتفليكس، فهاجمه وزراء في حكومة الاحتلال، وتم شن حملات لخفض تقييمه على مواقع النقد المتخصص في العالم، وقبلت بحملات لمناصرة الفيلم على مواقع التواصل الاجتماعي.

صمدت دارين في المعركة، وحققت هدفها حين شاهد العالم عبر منصة الشبكة نتفليكس آثار النكبة على الإنسان الفلسطيني، وهو ما أزعج سلطات الاحتلال.

دارين ممثلة ومخرجة، حصلت على درجة البكالوريوس في التصميم الغرافيكي من جامعة العلوم التطبيقية عام 2009، ونالت درجة الماجستير عام 2012 في الفنون السينمائية من معهد البحر الأحمر للفنون السينمائية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *