جنوب ألبانيا- جيروكاسترا، مدينة تاريخية، تقع في أقصى جنوب ألبانيا، تعد جوهرة ساحرة، عثمانية الطراز، ألبانية الثقافة والفنون، أسسها الأثرياء من الحكام الإداريين والتجار بعد وصول العثمانيين إليها في بدايات القرن الـ15.
منذ تأسيسها خلال الحقبة العثمانية حتى اليوم، أضحت مدينة جيروكاسترا أهم مركز إداري واقتصادي وثقافي في منطقة الجنوب الألباني.
تقع بها أقدم قلعة في البلقان، حيث أعاد العثمانيون بناءها فور سيطرتهم على المنطقة، ثم تطورت المدينة تدريجيا خارج أسوار القلعة على مدار قرون متتالية، وأخذت طابعا فريدا نادرا للمدن البلقانية.
مدينة عثمانية باقية
تميزت جيروكاسترا عن غيرها من مدن ألبانيا التاريخية، بطرازها المعماري ذي السمت الحجري لمئات البيوت القديمة المتينة ذات الأبراج العالية، وكأنها قلاع مصغرة على أهبة الاستعداد للدفاع عن ساكنيها في جميع الأوقات؛ ما جعلها مدينة أثرية فريدة من نوعها، وهذا ما دفع منظمة اليونسكو في عام 2005 لضمها إلى قائمة التراث الإنساني العالمي “كمثال نادر على مدينة عثمانية جيدة الصون حتى اليوم”، وفقا للمنظمة الدولية على موقعها الإلكتروني الرسمي.
ليس هذا فحسب؛ فالطراز المعماري العثماني الخارجي للمئات من مبانيها البرجية الحجرية، يحتضن داخله ثراء ألبانيا عريقا شديد الوضوح، يعكس نمط حياة العائلات الألبانية الشهيرة والثرية خلال القرون: الـ17 والـ18 والـ19، فقد كانت للعائلات الألبانية تقاليد وعادات متفردة في المناسبات الاجتماعية، وتخصص لها أماكن واسعة خاصة مزخرفة بشكل بديع ورائع.
كما أنها كانت تصنع داخل بيوتها الكبيرة ذات الطوابق الثلاثة الكثير من المنتجات، وتستخدم لذلك أدوات عديدة ومتنوعة؛ مما عكس مستوى تطور الحرف اليدوية في هذه القرون الثلاثة، وهو ما حوّلها في عصرنا الحالي إلى بيوت مَتحَفية بامتياز تجسد ثقافة المجتمع.
وفي قلب المركز التاريخي لهذه المدينة الساحرة، وفي الأعلى من جهتها الجنوبية، تبدو قلعتها القديمة، وكأنها تهيمن على المنطقة بأسرها، حيث تمتد من الشرق إلى الغرب، بينما في أسفل أسوارها العالية من جهته الشمالية، ما زال السوق القديم والمسجد الأثري صامدين ببنائهما المعماري الحجري المتناغم معا لنحو ثلاثة قرون.
وقد حوّل هذا الحي الأقدم من 8 أحياء تشكل المدينة المعاصرة، إلى “متحف مفتوح” أضحى مصدر الجذب الرئيسي لزوار المدينة من مختلف دول العالم؛ وهو ما دفع بالحكومة الألبانية إلى إعلان جيروكاسترا عام 1961 “مدينة مَتحفية”.
ونظرا لثرائها بالملامح الثقافية والفنية الألبانية، وغناها بالتقاليد والعادات المحلية الراسخة والمتوارثة في أوساط عائلاتها العريقة، قررت الحكومة الألبانية عام 1968 إعلان جيروكاسترا “مدينة المهرجانات الشعبية الوطنية”، لتصبح المدينة الساحرة محضن أهم وأكبر المهرجانات الفنية الشعبية للشعوب الألبانية التي تعيش بدول غرب البلقان في كوسوفا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود، فضلا عن دولتهم “الأم” ألبانيا، تلك المهرجانات التي تنظمها حكومة تيرانا بشكل دوري كل 4 أو 5 سنوات.
“الجزيرة نت”، زارت مدينة جيروكاسترا، وتجولت في شوارعها التاريخية وأزقتها الضيقة على مدار يومين كاملين.
وفي هذا التقرير نلقي الضوء على أبرز معالمها الأثرية والسياحية، وأهم ملامحها الثقافية والفنية، التي جعلت منها مدينة فريدة من نوعها يقصدها السائحون من مختلف دول العالم.
المدينة الحجرية “ذات الألف درجة”
تقع مدينة جيروكاسترا (Gjirokastra) في أقصى جنوب ألبانيا، وتبعد عن الحدود الشمالية لدولة اليونان المجاورة نحو 20 كيلومترا، وتقع على مرتفعات شديدة الانحدار تتسع من جهة الشرق وتطل على واد متسع لنهر درينو (Drino) لتشرف بذلك على مناظر طبيعية خلابة، وتحدها قمم جبال شاهقة من جوانبها الثلاثة الأخرى.
وقد اشتهرت المدينة بوصفها “المدينة الحجرية” ذات “الألف درجة”، حيث تحتضن مئات المنازل البرجية العثمانية الطراز، المميزة بأسقفها الحجرية، وشرفاتها الخشبية، وجدرانها الحجرية العالية في طابقها الأرضي، والمطلية بالجير الأبيض في كثير من الحالات.
وتهيمن على المدينة الحجرية، من جهتها الجنوبية، قلعتها التاريخية، التي تطل عليها من قمة عالية شديدة الانحدار، وكانت لها على الدوام وظيفة عسكرية؛ بينما تطورت الحياة المدنية خارج أسوارها العالية في الأسفل.
ما زالت المدينة التي يبلغ عدد سكانها 40 ألف نسمة، حتى اليوم، تعد أكبر مركز ثقافي وأكاديمي واقتصادي وإداري في جنوب ألبانيا. وتشتهر بأنها مسقط رأس 3 شخصيات كان لها دور مؤثر في تاريخ ألبانيا الحديث، وهم: الدكتاتور الشيوعي السابق أنور خوجة، وعالم اللغة الألبانية إكرام تشابيا، والكاتب الشهير إسماعيل قادري، الحاصل على جوائز عالمية في الأدب.
الرحالة العثماني الشهير “أوليا جلبي” (1611–1684) الذي تجول في البلقان خلال القرن الـ17؛ زار كلا من كوسوفا وألبانيا، ووصل إلى جيروكاسترا خلال الفترة (1660-1670)، حيث أدهشته، وتعجب من عادات سكانها، وضمن وصفه لها قال: “تقع المدينة المفتوحة على 8 تلال ووديان من جميع جوانب القلعة، مع منازل برجية متعددة الطوابق، ذات أسقف حجرية محاطة بالحدائق والكروم”.
وتابع “الجدران المحيطة بالفناءات مبنية بنوع من الجرانيت الأبيض. كل الأغنياء والفقراء لديهم مثل هذه الجدران. طريقة بناء الجدران الخارجية للمنازل لا مثيل لها في العالم، تتمتع المدينة بمناخ جيد جدا؛ وبالتالي يتمتع السكان بلياقة بدنية وصحية”.
المركز التاريخي
يعد المركز التاريخي لجيروكاسترا، أقدم أحياء المدينة الثمانية، ويقع أسفل أسوار قلعتها التاريخية مباشرة، وهو مصدر جذب السائحين لزيارة هذه المدينة الأثرية الساحرة، فما إن تضع قدمك في هذا الحي حتى تشعر كأنك عدت بالزمان إلى الوراء؛ فكل ما حولك ينتمي للماضي العريق.
والفنادق ما هي إلا بيوت أثرية قديمة تحولت إلى ما يشبه المتاحف الإثنوغرافية، بينما مطاعم سوق المدينة الأثرية ومقاهيها تقدم وجباتها الشهية في أجواء تراثية؛ وكأنها معرض مفتوح بين طاولات الطعام لمقتنيات أثرية وصور فنية تكشف جوانب من ثقافة المنطقة وتاريخها.
وأبرز معالم هذا المركز التاريخي ثلاثة، هي:
1- قلعة جيروكاسترا:
تعد قلعة جيروكاسترا واحدة من كبرى القلاع في منطقة البلقان. وتمتد من الجهة الجنوبية للمدينة، من الغرب باتجاه الشرق، عبر التلال التي يبلغ ارتفاعها 1100 قدم، وكأنها سفينة عملاقة مصنوعة من الحجر، تنتهي في مقدمتها الشرقية ببرج الساعة الكبير؛ مما يحبوها بإطلالة جميلة على وادي النهر المتسع من جهته الشمالية.
وفقا لعلماء الآثار، لا يزال تاريخ بناء هذه القلعة غير محدد. لكن، تشير بعض الآثار إلى أن هذا المكان كان مأهولا بالسكان منذ القرن الرابع إلى الخامس الميلادي. وتذكر مصادر أخرى أنه تم بناء هذه القلعة أو تجديدها قبل حضور العثمانيين إليها في القرن الثاني عشر، من قبل العائلات الثرية بغرض حمايتهم.
في عام 1419 سيطرت الإمبراطورية العثمانية على المدينة وقلعتها، وقامت بإصلاحها وتجديدها وتحويلها إلى مركز دفاعي رئيسي عن المنطقة المحيطة. ثم أعيد تجديدها مرة أخرى في القرن التاسع عشر.
خلال الحقبة الشيوعية، كانت القلعة تستخدم كسجن، وأصبح اليوم جزءا من “المتحف الوطني للأسلحة”، يضم مجموعات من الأسلحة المستعملة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، بالإضافة إلى جناح جديد عن تاريخ جيروكاسترا. كذلك يمكنك مشاهدة الطائرة النفاثة الأميركية التي أسقطت، وهي موجودة الآن في ساحة القلعة. أيضا داخل القلعة يمكنك رؤية برج الساعة، وساحة المهرجان الشعبية الألبانية، ومناظر رائعة مطلة على الوادي الكبير.
2- البازار القديم:
يشكل بازار جيروكاسترا الأثري المركز التاريخي للمدينة، وهو أبرز معالمها الأثرية ومصدر جذب السائحين إليها، ويعرض منتجات شعبية يدوية ألبانية رائعة وبديعة، خاصة السجاد الألباني الشهير. ويمتد في عدة شوارع متقاطعة، حينما تراها من أعلى تبدو منطقة البازار على شكل نجمة ترسل أشعتها في اتجاهات خمسة “الشوارع الخمسة للسوق”.
والسوق القديم يعود تاريخ بنائه إلى القرن الـ17، لكن الحقيقة أنه دمر نتيجة لحريق أتى عليه بالكامل، لذا أعيد بناؤه كلية من جديد في الربع الثالث من القرن التاسع عشر؛ وهذا ما يفسر وحدة الطراز المعماري لجميع مباني البازار التي تتكون من طابقين أو ثلاثة جميعها متطابقة في هيكل البناء، وتصطف جنبا إلى جنب في مسار واحد مواز للطريق.
وبينما يستخدم الحرفيون الطابق الأول في عملهم، فإن للطابق الثاني استخدامات أخرى متعددة حسب ظروف كل حرفة وأصحابها. وتحتوي بعض المتاجر على باب خلفي يستخدمه صاحب المتجر فحسب.
والطابق الأرضي تتشكل واجهته من أبواب عديدة خشبية/ زجاجية، بينما الطابق الثاني (أو الثالث في بعضها) تبرز من جدرانه نوافذ مستطيلة قليلة في الجدران، ولكنها متوازية ترتفع أحيانا وتنخفض أحيانا أخرى، وفقا لارتفاع المباني وحسب مستوى ارتفاع الأرض أو انخفاضها؛ نظرا لطبيعة المنطقة المرتفعة والشديدة الانحدار.
وما يميز هذا البازار عن جميع البازارات التي بنيت في الحقبة نفسها أن له رصيفا ضيقا للمارة أمام المتاجر وبمحاذاة الطريق. ونظرا لأن الأرض غير مستوية، ترتفع في أماكن وتنخفض في أماكن أخرى؛ فقد وضعت السلالم في بعض أجزاء هذا الرصيف لمساعدة المارة على المشي أمام المحلات.
حاليا، ونظرا لأن السلطات الرسمية منعت دخول السيارات لهذه المنطقة الأثرية، فقد استخدمت المحلات هذا الرصيف لعرض منتجاتها المحلية بأشكال جميلة متعددة، وكذلك فرشت المطاعم المناضد على الرصيف، بالإضافة إلى جزء من الشارع أمامها.
3- جامع البازار – السوق:
يعد جامع البازار “السوق”، في الحي القديم لمدينة “جيروكاسترا”، من المباني ذات الأهمية الدينية في المدينة. بني هذا الجامع في أول سوق المدينة القديم من جهته الغربية، عام (1754م/ 1168هـ) كجزء من خطة ميمي باشا لمنطقة السوق.
ويتميز جامع البازار بتناغم معماري مثالي مع جميع مباني السوق المجاورة له. أما منارته، تلك الحجرة العالية المزخرفة التي تحتوي على 99 درجة تمثل 99 اسما من أسماء الله الحسنى، فإنها تضفي جمالا خلابا على السوق القديم الأثري للمدينة.
وهذا هو السبب في أن الشيوعيين -الذين هدموا مساجد ألبانيا إثر صدور قانون تجريم الأديان في عام 1967، باستثناء الجوامع الأثرية التي كانت ضمن قائمة المعالم الثقافية التي تحميها الدولة- لم يهدموا منارة هذا المسجد، لكونها عامل جذب وتنشيط سياحي للمدينة، واكتفوا بتحويل المسجد إلى قاعة تدريب للاعبي السيرك، الذين استفادوا من الأسقف ذات القبة العالية لتعليق الأرجوحة.
السائحون زوار منطقة السوق القديم بالمدينة حينما يمرون بجوار المسجد يلفت نظرهم طرازه المعماري الحجري البديع؛ مما يدفعهم لزيارته وإلقاء نظرة عليه والتقاط صور تذكارية بداخله.
وجامع السوق يعد من المساجد المعلقة؛ حيث خصص الطابق الأرضي لمحلات ومتاجر وقف للمسجد، بينما خصص الطابق الثاني لمبنى الصلاة، وفي مقدمته رواق مفتوح، يظهر المدينة ومنطقة السوق في أبدع صورها وأبهى مناظرها.
وتظهر خلف الجامع مباشرة، أعلاه تحت أسوار القلعة، مدرسة دينية إسلامية ثانوية، كانت تعد أهم مدرسة دينية في جنوب ألبانيا، وكانت الجامعات العثمانية تعترف بها؛ لذا كان خريجوها يواصلون دراساتهم في جامعات أنقرة وإسطنبول.
بعد سقوط النظام الشيوعي أعيد فتح المسجد للعبادة في عام 1991، وظل على هذه الحالة حتى عام 2018، عندما بدأ ترميمه واكتسى مظهره البديع.
في وصف الرحالة العثماني الشهير “أوليا جلبي” (1611–1684)، الذي زار المدينة عام 1672، أطلق على هذا المسجد اسما مختلفا، وهو مسجد “ميمي بيو”، وقال: “تم بناء هذا المسجد في مساحة ضيقة في بداية السوق الجديد (يطلق عليه الآن السوق القديم)، ويشغل مساحة حوالي 100 متر مربع، تسمح بصلاة 100 مصل، ودائما كان المسجد مليئا بالمصلين وطلبة العلم، وسكان هذا الحي القديم من المدينة كانوا يتصفون دوما بالتدين والشغف بالعلوم الدينية”.
وأشار جلبي إلى أنه كان في مدينة جيروكاسترا في ذلك الوقت: “8 جوامع كبيرة رئيسية، بالإضافة لـ8 مساجد صغيرة (المصليات بلا منارة للصلوات الخمس فقط)، وكذلك 3 مدارس لتعليم الحديث الشريف وعلوم الدين، و5 كتاتيب لتعليم الأطفال مبادئ الدين”.
بيوت المدينة الأثرية
بيت اسكندولي
يعد منزل اسكندولي، الذي تم بناؤه عام 1823، أفضل نموذج للهندسة المعمارية المحلية في بدايات القرن التاسع عشر. وهو أفضل منزل تم الحفاظ عليه في مدينة جيروكاسترا القديمة؛ فكل ما فيه أصيل، على حاله الذي كان عليه، من بين ذلك: الغرف، والأبواب، والأثاث، والمعدات التي كانت الأسرة تستخدمها في حياتها اليومية. وهكذا يعكس هذا المنزل نمط الحياة اليومية في بيت ألباني ثري خلال هذه الحقبة الزمنية.
حينما تخطو خطوتك الأولى داخل فناء المسجد، يستقبلك صاحبه الحالي “نسيب اسكندولي”، وهو سليل العائلة التي بنت هذا المنزل، حيث يصطحبك بنشاط وافتخار في جولة مفصلة، شارحا لك تفاصيل كل ركن من هذا البيت الأثري الذي يحتوي على 9 مواقد (تدل كثرة المواقد في هذه الأوقات على مدى ثراء العائلة)؛ و6 حمامات و12 غرفة و44 بابا و64 نافذة و4 حمامات (تركية). ويعكس كل هذا مدى تمسك العائلات الثرية بالعادات الإسلامية والتقاليد الألبانية في حياتها الاجتماعية اليومية.
خلال الحقبة الشيوعية صادرت السلطات بيت اسكندولي، ثم افتتحت فيه المتحف الإثنوغرافي لهذه المدينة التاريخية. ولكن، بعد سقوط الشيوعية، استرده صاحبه من جديد. لذا، تم تحويل المتحف الإثنوغرافي إلى منزل الزعيم الدكتاتوري الألباني السابق “أنور خوجة”. ولكن ظل بيت اسكندولي أبرز البيوت الأثرية القديمة بالمدينة وأدلها على التعريف بنمط الحياة العائلية الألبانية وطبيعتها قبل قرنين من الزمان.
المتحف الإثنوغرافي:
يتكون هذا المتحف من 4 طوابق، ويعد وجهة مثالية لعشاق اكتشاف المقتنيات التاريخية والأثرية، حيث يضم العديد من الأدوات المنزلية والأزياء الشعبية والقطع الأثرية من الأثاث العتيق، والمنحوتات الخشبية، التي تعود لعائلات جيروكاسترا الغنية من التجار أو الإداريين العثمانيين، الذين عاشوا بالمدينة في القرن التاسع عشر خلال الحقبة العثمانية.
يقع المتحف الإثنوغرافي في موقع منزل الدكتاتور الشيوعي السابق “أنور خوجة”. وقد دمر الحريق المنزل الأصلي الذي ولد فيه أنور خوجة؛ لذا أعيد بناؤه خلال الفترة 1964-1966، ليس كما كان في الأصل، بل كنموذج للمنازل التقليدية في جيروكاسترا.
يحتوي المنزل على العديد من العناصر الثقافية والاجتماعية التقليدية الشعبية المنسوخة من المنازل القديمة الجميلة الأخرى في المدينة. ورغم أنه عرف على أنه منزل الدكتاتور الشيوعي السابق “أنور خوجة”، فليس في الداخل شيء يتعلق به ولا بممتلكاته أو أثاث منزله الحقيقي، ولا يوجد ما يتعلق بشيء من تاريخه.
تحاكي التصميمات الداخلية الحالية، تلك الموجودة في أرقى منازل جيروكاسترا في القرن التاسع عشر. وقد رتبت الغرف كما لو كانت قد استخدمت بالفعل. ويحتوي المنزل على حجرات مزخرفة، بها قطع أثرية تعكس نمط الحياة الاجتماعية والثقافية خلال القرون الماضية، وتتضمن أدوات منزلية وأزياء شعبية وملابس وأدوات مطبخ… وما إلى ذلك.
بيت إسماعيل قادري:
يعد منزل الكاتب الألباني الشهير إسماعيل قادري، الواقع في وسط حي بالورتو التاريخي، غرب مدينة جيروكاسترا، وجهة ثقافية وأثرية فريدة لزوار المدينة.
تعود ملكية المنزل للكاتب الألباني الشهير، الذي اشتهر برواية “كرونيكل إن ستون”، التي تصف أهوال الحرب العالمية الثانية من وجهة نظر صبي صغير. وما زال المنزل محافظا على أثاثه وممتلكاته كما كانت.
يعود تاريخ بناء المنزل لعام 1799، وتم تصنيفه كنصب تذكاري ثقافي في عام 1991. ومؤخرا، قامت منظمة اليونسكو ووزارة الثقافة الألبانية بإصلاح المبنى وإعادة تأهيله تحت رعايتهم. وتم افتتاح المتحف أمام الجمهور في 28 يناير/كانون الثاني 2018، بمناسبة عيد ميلاد قادري الثمانين.
ملامح ثقافية وفنية للمدينة المتحفية
مهرجان جيروكاسترا الوطني للفنون الشعبية
ولعل ما يزيد من شعبية تلك مدينة جيروكاسترا وقلعتها التاريخية بين السائحين مهرجان “الفنون الفلكلورية”، الذي يقام بها كل 5 سنوات لتقديم الموسيقى الألبانية التقليدية، ويعد الحدث الأهم في المدينة؛ لذا يزور الكثير من السياح المدينة في هذا الوقت.
يعد مهرجان جيروكاسترا الوطني للفنون الشعبية، أكبر حدث للثقافة الوطنية الألبانية، وقد بدأ تنظيمه لأول مرة عام 1968، واختيرت القلعة التاريخية لمدينة جيروكاسترا في جنوب ألبانيا كمكان دائم للمهرجان الذي يقام كل 5 سنوات. وبعد غياب دام 8 سنوات، نظم من جديد هذا العام في شهر يوليو/تموز، وهذه هي نسخته العاشرة.
وهناك بُعد قومي مهم لا يمكن إغفاله يزيد من أهمية هذا المهرجان الفني الوطني وقيمته، يتمثل في أن أكثر من نصف الألبان يعيشون خارج حدود دولتهم الأم (ألبانيا)، منذ تقسيمها لصالح دول الجوار عام 1913م؛ لذا يعد هذا المهرجان مناسبة وطنية وقومية معا للحفاظ على الثقافة الشعبية الألبانية داخل ألبانيا، وفي أوساط الشعوب الألبانية التي تعيش بدول غرب البلقان، وكذلك في أوساط الجاليات الألبانية المهاجرة في أوروبا وأميركا وأستراليا.
حيث تشارك فرق موسيقية ألبانية في هذا المهرجان من مقدونيا الشمالية، وكوسوفا، والجبل الأسود، وصربيا، بالإضافة إلى فرق من أوساط الجاليات الألبانية المهاجرة حول العالم، هذا إلى جانب الفرق الموسيقية من دولة ألبانيا المنظمة والمستضيفة للمهرجان.
وبجانب الأداء الموسيقي والغنائي يتم ارتداء الأزياء الألبانية الشعبية والتي تختلف من منطقة إلى أخرى، مما يجعل من هذا المهرجان احتفالا حقيقيا بالتراث الألباني الشعبي في الموسيقي والغناء والأزياء.
وتزداد قيمة هذا المهرجان الشعبي إذا علمنا أنه يتضمن ملمحين ثقافيين وفنيين وطنيين تقليديين، ضمتها اليونسكو إلى قائمة التراث الثقافي غير المادي، وهما:
1- رداء الجوبليتا: وترتديه الفرق الموسيقية المشاركة من محافظة تروبيا في شمال ألبانيا. ورداء “الجوبليتا” زي مصنوع يدويا ترتديه النساء والفتيات في بعض مناطق المرتفعات الجبلية في شمال ألبانيا.
وعلى الرغم من تراجع استخدامه وإنتاجه في العقود الأخيرة نتيجة عوامل متعددة؛ فإنه ما زال جزءا أساسيا من هوية سكان تلك المناطق، وقد أدرجته اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي عام 2022.
2- الموسيقى الشعبية الألبانية المتعددة الألحان، وهي جزء تقليدي من الموسيقى الشعبية في ألبانيا، وتنتشر في الجنوب، وتتميز بأنها متعددة الأجزاء والألحان، يغنيها الرجال والنساء، وتحكي حكايات وقصصا وأحداثا اجتماعية عديدة، مثل: حفلات الزفاف، والجنازات، وسفر الأبناء، وأعياد الحصاد، والاحتفالات الدينية، والمهرجانات. وتم إدراج الموسيقى الشعبية الألبانية المتعددة الألحان عام 2008 في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي في ألبانيا.
كذلك يساهم هذا المهرجان في تنمية السياحة بمدينة الثقافة الألبانية ذات الطراز العثماني المعماري؛ حيث يحضره آلاف السياح من مختلف دول العالم، ويتيح الفرصة كذلك لزيارة معالمها السياحية والتاريخية والأثرية، وهو ما يجعل من المدينة وجهة لعشاق السياحة والفنون معا.