تشهد الفنون الإسلامية في قطر اهتماما متزايدا، إذ أصبحت جزءا أساسيا من المشهد الثقافي والفني المحلي، مدعومة بمبادرات متعددة تسعى إلى إبراز جمالياتها وترسيخها بين الأجيال الجديدة.
وتحتفي “متاحف قطر” بالفنون الإسلامية في شهر رمضان المبارك، سواء من خلال متحف الفن الإسلامي الذي يُعد منارة ثقافية تحتضن مقتنيات نادرة تعكس ثراء الفنون الإسلامية، أو عبر البرامج التعليمية والورش التي تقدمها، مما يتيح للجمهور فرصة التفاعل مع فنون الخط العربي والتذهيب والمنمنمات وغيرها من الفنون التقليدية.
وفي إطار دعمها للفنون الإسلامية، نظّمت متاحف قطر رحلات ميدانية لفنانين وفنانات قطريين إلى دول إسلامية، مثل تركيا، لاستكشاف الفنون التقليدية هناك، مثل الخزف الإزنيقي وفن الإيبرو والتذهيب والرسم على الزجاج، واستلهام هذه التقنيات في أعمالهم الإبداعية.
كما تأتي مسابقة قطر الدولية في الخط العربي “الرقيم”، التي نظّمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية واختتمت دورتها الأولى في فبراير/شباط الماضي، بوصفها إحدى المبادرات المهمة للحفاظ على اللغة العربية وتعزيز مكانة الخط العربي كفن وحرفة أصيلة ذات مستقبل واعد.
وفي السياق ذاته، أطلقت وزارة الثقافة مؤخرًا الدورة الأولى من المسابقة الدولية لفن الخط العربي تحت عنوان “جائزة الأخلاق”، بالشراكة مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، بهدف تشجيع الفنانين والمبدعين على إحياء فن الخط العربي وفق قواعده التقليدية، مع التركيز على قيمة “الأخلاق” التي تشكل شعار المسابقة.
وسلط تقرير لوكالة الأنباء القطرية (قنا) الضوء على أهمية استلهام روح شهر رمضان المبارك في تعزيز الفنون الإسلامية في قطر، جنبًا إلى جنب مع الفنون التراثية والمعاصرة. وفي هذا الصدد، أكدت فنانات قطريات ضرورة تكثيف الجهود للحفاظ على الفنون الإسلامية وتطويرها عبر تضافر جهود المؤسسات الثقافية والفنية والتعليمية.
الأصالة والتحديث
ترى المصورة والفنانة القطرية مشاعل الحجازي، المتخصصة في الفنون الإسلامية، أن هذه الفنون تتمتع بسحر خاص، حيث تعتمد على الهندسة الدقيقة، والتكرار المتناغم، والزخارف التي تعكس عمقًا روحانيا فريدًا. وأشارت إلى أن الخط العربي، على وجه الخصوص، يُعد لوحة فنية متكاملة، إذ تحمل كل تفصيلة فيه قصة بصرية غنية بالرموز والجماليات.
وأوضحت مشاعل أن الفنون الإسلامية أصبحت جزءًا من الثقافة القطرية المعاصرة، حيث نجدها مدمجة في العمارة الحديثة والتصميم الداخلي والتصوير الفوتوغرافي، إذ يستوحي المصورون في قطر عناصر الزخرفة الإسلامية والإضاءة المستوحاة من المساجد القديمة لإنتاج أعمال تجمع بين الأصالة والحداثة.
وأضافت أن التحدي الأكبر يتمثل في كيفية جعل الفنون الإسلامية أكثر حيوية في العصر الرقمي، إذ يتطلب تحويلها إلى لغة بصرية حديثة إبداعًا متجددًا لضمان الحفاظ على هويتها. ورغم الاهتمام المتزايد بهذه الفنون من خلال المعارض والورش، فإن التحدي الأساسي يكمن في إيجاد طرق مبتكرة لجذب الأجيال الجديدة، مثل دمجها في الفنون الرقمية والتصميم الغرافيكي والتصوير الفوتوغرافي.
وأشارت مشاعل إلى أن الأجواء الروحانية لشهر رمضان المبارك تُعد فرصة مثالية لإبراز الفنون الإسلامية ودعمها من خلال تسليط الضوء على علاقتها بالتقاليد الإسلامية وقيم الجمال والروحانية التي تتجلى في هذا الشهر الفضيل.
وتؤكد الفنانة القطرية مشاعل الحجازي، التي شاركت في رحلة إلى تركيا نظّمتها متاحف قطر، أن دور المتاحف لا يقتصر على العرض والتوعية فقط، بل يمتد إلى تنظيم رحلات فنية لفنانين وخطاطين قطريين لزيارة مدن تحتضن إرثًا غنيا من الفنون الإسلامية مثل إسطنبول وطشقند.
وتتيح هذه الرحلات للفنانين فرصة التفاعل المباشر مع مدارس الخط والزخرفة المختلفة، وتبادل الخبرات مع نظرائهم في تلك الدول، مما يسهم في تطوير أساليبهم الإبداعية وتعزيز حضور الفنون الإسلامية في المشهد الفني المعاصر في قطر.
طابع مميز
من جهتها، ترى الفنانة إيمان السعد، المتخصصة في الفنون الزخرفية والخط العربي، أن الفن الإسلامي يتمتع بطابع مميز، ويحتل مكانة رفيعة في متحف الفن الإسلامي من خلال مقتنياته النادرة ولوحاته القيمة، فضلاً عن الورش التعليمية التي يقدمها المختصون.
ومع ذلك، تؤكد إيمان أن الحفاظ على هذا الفن والارتقاء به يتطلب إنشاء مركز متخصص يجمع الخطاطين والمزخرفين والمهتمين بالفنون الإسلامية بجميع أنواعها، بما في ذلك الخط والزخرفة والتذهيب والمنمنمات.
وتوضح أن هذا المركز سيسهم في تبادل المعرفة، وإقامة ورش فعالة، وتنظيم دروس مستمرة، والمشاركة في المعارض الداخلية والخارجية، مما يضمن استمرارية هذا الفن للأجيال القادمة.
وتشير إيمان إلى أن شهر رمضان المبارك يمثل فرصة مثالية للفنانين، حيث ينجذب الكثير منهم إلى كتابة آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو تنفيذ أعمال زخرفية مستوحاة من روحانية الشهر الفضيل. وتضيف أن إنشاء بيئة فنية حاضنة لهذا الفن سيساعد في ترسيخ استمراريته وتعزيز انتشاره.
كما دعت إيمان السعد إلى ضرورة تعاون المدارس مع الفنانين المتخصصين لإقامة ورش تعريفية للطلاب، مشيرة إلى أن الزخرفة والتذهيب هما أساس تزيين المصاحف الشريفة وبيوت الله، ومعربة عن ثقتها في أن الطلاب والطالبات سيجدون شغفًا كبيرًا بهذه الفنون بمجرد ممارستها.
إرث جمالي
أما الفنانة التركية المقيمة في قطر خديجة يتيش، فتشير إلى أن الفنون الإسلامية تشهد نموًا ملحوظا، لكنها لا تزال مقتصرة على فئات محددة مقارنة بالتيارات الفنية الحديثة. وتؤكد أن هذه الفنون تعد عنصرًا أساسيا في تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ على الإرث الجمالي، مما يستدعي مضاعفة الجهود لنشرها على نطاق أوسع.
وتقترح خديجة زيادة البرامج التعليمية ودعم الفنانين وتنظيم معارض دولية متخصصة، مما يمنح الفنانين في قطر فرصًا أوسع للظهور والانخراط في المشهد الفني العالمي. كما تؤكد أهمية تنظيم المزيد من الورش والفعاليات في مراكز الفنون البصرية لتعريف الجمهور بهذه الفنون، إلى جانب تطوير مشاريع تمزج بين الفنون الإسلامية واللمسات العصرية لجذب اهتمام الأجيال الجديدة.
وحول رحلتها الفنية، أوضحت خديجة أنها نشأت في بيئة تحتفي بتقاليد التذهيب العريقة في تركيا، وتسعى إلى نشر هذا الفن على الساحة الدولية، وتعريف الجمهور به في قطر. وتضيف أن فن التذهيب ليس مجرد تعبير جمالي، بل هو رحلة تتطلب الصبر والصفاء الروحي، مشيرة إلى أن لهذا الفن قوة علاجية، ولذلك تطمح إلى نقله إلى الأجيال القادمة وإشراك المهتمين به في تعلمه وممارسته.