تعرض المسيحيون والمقدسات المسيحية في القدس لقرابة 40 هجمة عنيفة خلال الشهرين الماضيين فقط، شملت الاعتداء على قساوسة ومقابر وشواهد قبور مسيحية واقتحام كنائس، لتنتقل الاعتداءات إلى حيفا أيضا، حسب تقرير لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية.
وأفاد التقرير بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية مصممة على إنشاء هوية “يهودية إسرائيلية” جديدة (بهذا الترتيب)، وفي مسعاها ذاك، تدمر أي شخص لا يتماشى مع “اليهودي الجديد”، ومن بينهم الفلسطينيون، والعمال، واللاجئون، والسود، والليبراليون وغيرهم، ويعد المسيحيون الهدف الأخير لهذه الحكومة اليمينية.
وتقول الصحيفة إن السنوات السابقة شهدت اعتداءات على المسيحيين من مجموعات وحاخامات هامشيين، مثل الاعتداء على كنيسة الخبز والسمك قرب بحيرة طبريا منتصف عام 2015
وبنيت كنيسة “الطابغة” (الخبز والسمك) التابعة للكنيسة الكاثوليكية في ثمانينيات القرن الماضي على أطلال كنائس من القرنين الرابع والخامس الميلاديين، تخليدا لمعجزة يؤمن المسيحيون بموجبها بأن المسيح -عليه السلام- قام بها عندما أطعم 5 آلاف شخص بـ5 أرغفة وسمكتين.
وتشير التحقيقات إلى أن متطرفين من اليهود وقفوا وراء إضرام النار في الكنيسة الواقعة بكفار نحوم على ضفاف بحيرة طبريا، وخلّف الحريق أضرارا جسيمة، كما عُثر على كتابات بالعبرية تنادي بالقضاء على “الوثنيين”.
قمع الإيمان بالقدس
وتقول “معاريف” إنه منذ انتخاب الحكومة، خاصة منذ تعيين أعضاء الجناح المتطرف وزراء وأعضاء كنيست، بدأ سباق محموم لقمع أنشطة الديانات الأخرى، بما في ذلك المسيحية، خاصة في القدس التي تعد قلب الخلاف بين اليهود والمسيحيين الفلسطينيين.
ومن وجهة نظر المتطرفين اليهود، فإن المسيحيين هم العدو المشترك لهم كما “العدو الإسلامي”. وقبل فترة وجيزة، دخل بعض الشباب اليهودي أراضي كنيسة على جبل صهيون، وعندما طُلب منهم المغادرة قاوموا وصرخوا “جبل صهيون ملك للشعب اليهودي”، وكسر أحدهم تمثالاً للسيد المسيح عند مدخل الكنيسة.
وغير بعيد عن القدس، دخلت مجموعة من اليهود المتشددين كنيسة ستيلا ماريس (دير سيدة جبل الكرمل) في حيفا بدعوى أنها قبر قديس يهودي، وتحتفي التقاليد المسيحية بهذا الموقع، الذي تعتقد أن النبي إلياس -عليه السلام- اعتكف فيه
وقبل نحو 3 أسابيع، منعت الشرطة الإسرائيلية آلاف الأشخاص من تسلق جبل طابور (في القسم الجنوبي للجليل الأسفل شمال مرج ابن عامر) ضمن احتفال ديني مسيحي معتاد. وكان أكثر من 3 آلاف مسيحي أتوا من خارج البلاد لحضور الاحتفالات الدينية من بلدان مثل اليونان ورومانيا وصربيا.
ووفقا لكنائس مسيحية، يعتقد مسيحيون أن جبل طابور (أو جبل التجلي، أو جبل الطور) هو مكان تجلي السيد المسيح لتلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا. وتقع “كنيسة التجلي” على قمة الجبل، وقد بنيت على بقايا كنيسة بيزنطية تعود للقرنين الخامس والسادس الميلاديين، ثم تلتها كنيسة أخرى في القرن الـ12 وتنتمي للرهبنة الفرنسيسكانية.
مسيحيو فلسطين والقدس
تضرب جذور المسيحيين العرب عميقا في أرض فلسطين، فالقدس تشع دوما بالحياة وتغذيها، واستقبلت على مر العصور إخوة وأخوات في الإيمان كحجاج مقيمين وعابرين، دعتهم للتعرف على المصادر المغذية لإيمانهم، حسبما يقول رئيس الهيئة الإسلامية المسيحية حنا عيسى.
ويتتبّع كتاب “على درب الآلام.. المسيحيّون والمقدّسات المسيحيّة في القدس” -الصادر عن مؤسسة القدس الدولية لمؤلفه محمود حبلي- تاريخ الوجود المسيحي بالقدس وحاضره، ويسلّط الضوء على القدس ومكانتها لدى المسيحيين الذين ينظرون إليها على أنّها المركز المسيحي الأوّل والأهمّ في العالم. ويؤكد الكتاب أن الاعتداءات الإسرائيلية تهدد الوجود المسيحيّ في القدس بصورة غير مسبوقة منذ احتلال فلسطين عام 1948، وينعكس ذلك عبر التناقص المستمر لأعداد المسيحيين في مدينتهم.
وفي مقدمته للكتاب، كتب رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنّا أن القدس تُعتبر في التاريخ المسيحي أمّ الكنائس، لأنها أول كنيسة شُيّدت في العالم، ومنها انطلقت البشارة المسيحية إلى مشارق الأرض ومغاربها. ويقول: “إن نسبة المسيحيين في فلسطين اليوم لا تتعدى الـ1%، وهذه انتكاسة بالمقاييس كافة، ليس فقط للمسيحيين وحدهم، وإنما لأبناء شعبنا الفلسطيني كافة”.
ويذكر الكتاب أن حضور القدس في الديانة المسيحية يُعتبر محوريا، فهي قبلة المسيحيين الأولى والوحيدة، والمركز المسيحي الأول والأهم في العالم، وأن مدينة القدس تكتسب هذه الأهمية بسبب المعتقد المسيحي القائل بـ”موت المسيح في القدس وقيامته في اليوم الثالث من القبر، حيث القيامة في المسيحية هي الحدث المركزي والأساسي، وهي قلب الإيمان المسيحي؛ ومن دون القيامة، لا وجود للمسيحية ولا معنى للعقيدة”.
ومن هذا المنطلق، يعتبر المسيحيون أن مدينة القدس هي مركز الدنيا أو نصفها، لأن هذه المدينة -باعتقادهم- شهدت قيامة المسيح، ومنها انتشرت الديانة المسيحية إلى العالم، فبالقيامة كانت القدس -بناءً على الاعتقاد المسيحي- وما زالت تشكل مركزية إيمان المسيحيين وتعبدهم.
ويشير الكاتب إلى أن القدس اكتسبت عظمتها في المسيحية رسميا بعد إعلان الإمبراطور الروماني قسطنطين المسيحية ديانة رسمية للدولة، إذ أمر بتشييد عدد من المعالم المسيحية في القدس، كبناء كنيسة القيامة والمهد وغيرها من الكنائس والأديرة.
وأدى هذا الأمر إلى أن أصبحت القدس -على مر العصور- مركزا لجذب مسيحيي العالم كافة، فأسسوا الرهبنات والأديرة والكنائس التي يزيد عددها في القدس وحدها على 100 دير وكنيسة ومؤسسة، وبناء عليه، تملك الكنيسة اليوم داخل أسوار المدينة ما يساوي %45 من المساحة الكلية.