“اللعنة”.. إيما ستون تفضح عنصرية الرجل الأبيض الجديدة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

يُعرض المسلسل التلفزيوني “اللعنة” (The Curse) على شاشة عدة منصات إلكترونية عالمية، وهو من  بطولة “إيما ستون” -الحائزة على الأوسكار، والمرشحة لها الآن للمرة الثانية- ومن تأليف وإخراج وبطولة “ناثان فيلدر” و”بيني صفدي”.

يجمع المسلسل بين الكوميديا السوداء والإثارة وذلك عبر 10 حلقات أثارت إعجاب النقاد فحصل على تقييم 94% منهم على موقع “روتن توماتوز”، وفتور المشاهدين الذين لم يعطوه سوى 41% فقط على الموقع ذاته.

الإنسان في مرآة وسائل التواصل الاجتماعي

يبدأ مسلسل “اللعنة” بالبطل والبطلة وهما يصوران حلقة تجريبية لبرنامج ينتمي لتلفزيون الواقع، ينقلان فيه تجربتهما في صناعة وبيع المنازل الصديقة للبيئة في منطقة عامرة بالسكان الأصليين في نيومكسيكو، من المفترض عليهما إرسال هذه الحلقة للتقييم والحصول على الموافقة لإنتاج الموسم الأول من البرنامج.

يتضح سريعا أننا أمام عائلة صغيرة تتكون من “ويتني/ إيما ستون” و”آشر/ ناثان فيلدر”، وهما زوجان حديثان انتقلا إلى هذا الحي لبدء مشروعهما، فمن ناحية هما يكسبان رزقهما من بناء وبيع هذه المنازل، ومن ناحية أخرى يرغبان في نقل هذه التجربة إلى التلفزيون للترويج وكسب المزيد من المال.

وفي الوقت ذاته، يحاولان مساعدة السكان الأصليين وتصوير هذه المساعدات، الأمر الذي يترك المشاهد في حيرة هل هذه المساعدات نابعة من قلب طيب بالفعل، أم مجرد وسيلة لجذب المزيد من المشترين للبيوت والمتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي؟

يمتد هذا التساؤل على طول أحداث المسلسل، ويلقي بظلاله على كل حدث وفعل تقوم به “ويتني” على وجه الخصوص، فهي كثيرا ما تبدو مؤمنة بما تقوم به من مساعدة السكان المحليين، ولكن على الجانب الآخر تهتم بالدرجة ذاتها بتصوير وتوثيق ما تقوم به.

تظهر هذه الإشكالية مرة ثانية فيما يتعلق بالمنازل التي تطورها وتبيعها، فهي من المفترض صديقة للبيئة وتعكس الإرث الثقافي للمنطقة، ولكنها في الوقت ذاته تتسبب في قتل الطيور التي تصدم بالواجهات المكونة من مرايا.

نعيش في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كل فعل صغير أو حدث عابر يصلح للتوثيق والنقل عبر هذه الوسائل لإثارة إعجاب وفي بعض الأحيان حسد الآخرين، ما يجعلنا جميعا نقع أسفل ذات المظلة التي تقف تحتها “ويتني”، هل نقول كلمات الحب لشركائنا على هذه المنصات لأننا نحبهم؟ أم لأنها تجمل صورتنا أكثر؟

هل نقرأ أو نشاهد أفلاما لأنها تعني لها شيئا ما، أم ليعتبرنا الآخرون مثقفين وأذكياء؟ يصعب الإجابة عن هذه الأسئلة لأن الطبيعة الإنسانية معقدة بالكثير من الأوجه في آن واحد، فيمكن أن يحمل فعل واحد معاني متعددة، وهو ما ينطبق على المسلسل الذي يترك المشاهد أمام العديد من الأسئلة حول نوايا الأبطال.

ليجد المتفرج أن المرايا في واجهات منازل “ويتني” و”آشر” ليست فقط حقيقية، ولكنها أيضا تحمل معاني مجازية، لأنها تضع الأبطال والمشاهدين في مواجهة أنفسهم وأفعالهم ونتائجها.

عنصرية الرجل الأبيض الجديدة

قامت السياسات الاستعمارية القديمة -التي بسببها احتل الرجل الأبيض آسيا وأفريقيا- على مبدأ “عبء الرجل الأبيض” وهي نظرية فلسفية تبرر هيمنة الرجل الأبيض، وقد قسمت البشر إلى أجناس غير متساوية القيمة، العليا تتمثل في الجنس الأبيض، بينما الأجناس الأخرى هم من الهمج الذي يجب على البيض نقلهم إلى الحضارة والتنوير، وأقنعت هذه النظرية الشعوب الأوروبية بأن اشتراكهم في هذه الحروب الاستعمارية له مبرر أخلاقي.

بالعودة إلى مسلسل “اللعنة” نجد أن ما تزعم “ويتني” القيام به مع زوجها من مساعدة السكان الأصليين بالحفاظ على تراثهم بينما تشتري منازل بعضهم بأسعار بخسة وبناء البيوت الصديقة للبيئة محلها ما هو إلا إعادة استخدام لذات نظرية “عبء الرجل الأبيض” ولكن بصورة جديدة ومختلفة، حيث يستغل البيض من أصحاب النفوذ الملونين، والفقراء منهم على وجه الخصوص، ولكن تحت ستار المساعدات.

يفضح سيناريو مسلسل “اللعنة” هذا النوع الجديد من العنصرية البيضاء الواقعة الآن في الولايات المتحدة تحت مظلة “النوايا الحسنة” ومحاولة البيض التعويض عما اقترفه أجدادهم في حق السكان الأصليين والسود في القرون السابقة، واستخدم كتاب السيناريو الكوميديا السوداء المتمثلة في التناقضات الواضحة بين شخصية “ويتني” التي تعرف تأثير مواقع التواصل الاجتماعي جيدا وتستغلها في نجاحها، وشخصية زوجها “آشر” الذي لا يمتلك حس الدعابة ولا الذكاء الاجتماعي الكافي لإدارة حتى محادثة بسيطة.

يفضح هذا الأسلوب الكوميدي ازدواجية الأبطال ولكن في الوقت ذاته يشعر المشاهد بعدم الارتياح، وهو الأمر المقصود من صناع المسلسل الذين يرغبون إرباك المشاهدين سواء من حيث الأفكار التي يتم تناولها أو الطريقة التي تقدم بها هذه الأفكار.

يعرف متابعو برامج تلفزيون الواقع أن لها ملامح شبه متكررة، مثل الميل إلى الأحداث القليلة في كل حلقة وذلك لامتداد هذه المسلسلات على عدد كبير من الحلقات والسنوات، والحاجة لملء هذا الفراغ بشكل مستمر، والتركيز على ردود أفعال الشخصيات تجاه تحديات صغيرة، أو إبراز الغضب الحقيقي المستتر بين الشخصيات ومشاعرهم السلبية التي يحاولون إخفاءها أمام الكاميرات.

اتبع مسلسل “اللعنة” هذه القواعد نفسها، ليدمج العمل بين المسلسلات الدرامية وتلفزيون الواقع، الأمر الذي يجعل الحلقات في بعض الأحيان بطيئة الإيقاع للغاية، أو غير مسلية، ولكنها في الوقت ذاته تدعو للتأمل في ذكاء صناعه الذين فهموا الوسط الذين يتعاملون فيه، والآخر الذي يحاكونه ودمجوهما معا.

لا يشبه مسلسل “اللعنة” الكثير من الأعمال الرائجة، ربما لهذا السبب لم يستطع إثارة إعجاب نسبة كبيرة من المشاهدين الذين لم يألفوا أسلوبه الفني، ولكنه سيصمد في اختبار الزمن سواء لهذه الأسلوبية المميزة أو للمواضيع الحساسة التي ناقشها.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *