رأى الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن أن عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذتها الفصائل الفلسطينية، تعد “استئنافا جديدا للحضارة، وانبعاثا جديد للأمة”.
ووصف أستاذ المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق -في حوار نشره “مركز الحضارة للدراسات والبحوث” على موقعه الإلكتروني- الحدث بأنه “ميلاد جديد للإنسان، من خلال قيم جديدة يكتشف فيها المرء ذاته، ومفاهيم جديدة يتلمس فيها حريته في ظل شيوع قيم التعبيد للإرادة الإسرائيلية، وشروط جديدة يستعيد فيها فطرته في واقع شاعت فيه قيم الضلال”.
وأوضح الفيلسوف المغربي -في حديثه مع محاوره الأكاديمي محمود النفار- أن “المقاومة الفلسطينية تكتب اليوم تاريخ الأمة، وتقود الإنسانية نحو النور بما ينفتح بصنيعها من عقول، وما يقع وسيقع جراء فعلها المبهر من مراجعات ذاتية: فردية وجماعية”، معتبرا أنها “استئناف راشد للعطاء المتواصل، وتوريث إبداعي للطاقة المتجددة في مسارات التاريخ الإسلامي والإنساني”.
“الوجود مقاومة”
واعتبر مؤلف “سؤال العمل- بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم” (2012) أن المقاومة “ليست فعلا جزئيا، بل هي فعل كلي”، وأضاف “نظرت إلى المقاومة من ناحية كيانية، وأعني أنه لا معنى للوجود بدون مقاومة، لأن الوجود والحياة إنما يكتسب من فعل المقاومة نفسه”.
وفجر السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أطلقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وفصائل فلسطينية أخرى عملية “طوفان الأقصى”، ردا على “اعتداءات الجيش والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، لا سيما المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة”.
وينقل النفار عن عبد الرحمن قوله إن وعيه وهمّه السياسي بدأ مع هزيمة 1967، وحينها كان طالبا في الجامعة يميل نحو كتابة الشعر، فأحدثت هذه الحرب في نفسه زلزالا شديدا، فاستولى عليه سؤال مصيري مفاده: “ما هذا العقل الذي استطاع أن يهزم العرب جميعا؟ وكيف لأمة كثيرة العدد راسخة التاريخ أن تُهزم؟”، ولطالما ساوره هذا السؤال وهذه الأمنية: “متى يكون لنا عقل يهزم العقل الصهيوني؟”.
ويتابع عبد الرحمن “لقد حملت هذه الأسئلة، والتي هي أسئلة الزمان وأسئلة الأمة، كهموم شخصية ورهانات معرفية، ووجهت دراستي نحو المنطق والفكر، كي أتبين الآليات العقلية التي تحقق بها الانتصار الصهيوني، وأوجه الخلل والقصور التي وقعت بسببها الهزيمة العربية، ولم يزل صدى هذه الأسئلة يتضخم في نفسي مع مرور الأيام، حتى رأيت المقاتل الفلسطيني يبدع هذا الطوفان، فرأيت بأم عيني كيف انهزم العقل الصهيوني، فشعرت لأول مرة بشفاء الصدر، وحصلت على إجابات تلك الأسئلة التي رابطت على ثغري المعرفي من أجل العثور عليها”.
“ليتني كنت شابا”
يرى صاحب “العمل الديني وتجديد العقل” (1989) أن “أعظم مظهر للعقل العربي والإسلامي في العصر الحديث هو ما تجسد في طوفان الأقصى”.
وقال مؤلف “الحداثة والمقاومة” (2007) إن “المقاوم الفلسطيني اليقظ قد انتهض لحمل هذه الأمانة ببراعة، وتحمل هذه المسؤولية بإحسان، فحملها خير حمل، وقام بها خير قيام”.
ومضى الفيلسوف المغربي -صاحب “الحق العربي في الاختلاف الفلسفي” (2002) و”الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري” (2005)- ليقول: “ليتني كنت شابا أقاتل معهم، هذا هو الزمان الذي يستحق الحياة، وهذه هي اللحظات التي ينبغي أن تغتنم”.
وفي السياق، أعرب عبد الرحمن عن حزنه إزاء الوضع الإقليمي، قائلا إن “تخاذل الأمة يدمي القلب، خاصة تخاذل المثقفين، ولولا التطبيع ما أقدمت دولة الاحتلال على ما أقدمت عليه، ولو أن الدول المطبعة اتخذت موقفا لتوقفت تلك الهجمات الإجرامية”، على حد تعبيره.
تجديد العقل ونقد الحداثة
وألف عبد الرحمن (79 عاما) كتبا عديدة تنوعت موضوعاتها بين المنطق والفلسفة وتجديد العقل ونقد الحداثة، ويتلخص مشروعه الفلسفي في العمل على فك الارتباط بين الفلسفة ومفهوم الحداثة وبين الفكر الغربي كذلك، ليؤكد أن لكل ثقافة وحضارة فلسفتها وحداثتها الخاصة، جاعلا من الفكر النظري والعمل الأخلاقي وجهين لعملة واحدة، معارضا بذلك الفكر الغربي الحديث الذي يستبعد الأخلاق في شقها العملي.
ورفع الفيلسوف المغربي شعار “الأخلاق هي الحل”، أو ما سماه “العمل التزكوي” في بعض كتبه مثل “روح الدين” و”سؤال العمل”، واعتبر أن الازدواجية في الفكر الإسلامي العربي شلت قدرة أهله على الإبداع الفلسفي، لاستخدام مفاهيم في الممارسة الإسلامية العربية تحذو حذو المنقول الفلسفي الغربي حذو النعل بالنعل.
وانتقد نقل الحداثة الغربية للعالم العربي والإسلامي من دون ابتكار وتمييز، ومن دون التفريق بين واقع الأشياء وروحها، معتبرا أن الروح تعني في هذا السياق مجموعة القيم ومجموعة المبادئ التي يشكل الواقع تجسيدا لها، وبالتالي فالحاجة إلى بحث الحداثة كقيم ومبادئ لا كواقع.
ولاحظ أن العالم العربي والإسلامي عرف ما سماها “اليقظة الدينية” أو “اليقظة العقدية” منذ أكثر من 3 عقود، ووفقا لما ذكره في كتابه “العمل الديني وتجديد العقل”، فإنها تحتاج إلى “سند فكري محرر على شروط المناهج العقلية والمعايير العلمية المستجدة، فلا نكاد نظفر عند أهلها لا بتأطير منهجي محكم، ولا بتنظير علمي منتج، ولا بتبصير فلسفي مؤسس”.