تعرض منصة “نتفليكس” حاليا الفيلم الوثائقي “الشبكة المعادية للمجتمع” (The Antisocial Network) وذلك بعد عرضه في مهرجان ساوث باي ساوث ويست الفني، وترشحه لجائزة الجمهور.
الفيلم من إخراج جورجيو أنجيليني وآرثر جونز، ويتناول بالتحليل واحدة من أشهر المنصات الإلكترونية في عصر ما قبل فيسبوك وتُدعى “4 شان” (4 Chan) والتي تعتبر بمثابة الأب الروحي لـ”تيك توك”. ويستعرض كيف أثرت هذه المنصة على العالم من وقت إنشائها وحتى الآن، وأصبحت مرآة لكل ما يمثله الإنترنت لأبناء القرن الـ21.
عصر ما قبل فيسبوك
يعيدنا “الشبكة المعادية للمجتمع” إلى بدايات الألفية الثالثة، بالتحديد عام 2003، عندما أصبح الإنترنت في متناول جيل الألفية (الجيل الذي ولد أبناؤه بين عامي 1981 و1996 وتعرفوا على الإنترنت في سن المراهقة). في تلك الآونة، انتشرت المنصات الإلكترونية التي تجمع أصحاب الميول الواحدة، وتسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم بأريحية لا تتوافر في المجتمع الحقيقي.
وتدور الأحداث بدايات الألفية وعالم ما قبل فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي التي توالت من بعده، حيث كانت السطوة واليد العليا للمنتديات والمواقع المتخصصة والمدونات، ويعد “شان 2” الياباني أحد أشهر هذه المواقع وقد بدأ على هذه الشاكلة وتحول إلى قوة سياسية تتحرك على أرض الواقع.
وعام 2003، سرق شاب أميركي أطلق على نفسه اسم “موت” (Moot) أكواد “شان 2” وقدم نسخته الخاصة تحت عنوان “فورتشان” الذي بدا كخليط بين المنتديات وإنستغرام، واستحوذ على اهتمام فئة واسعة من الشباب الذين فعلوا أي شيء لجذب الاهتمام لمحتواهم.
وعلى غرار الكثير من المنصات الأخرى، التقى المشتركون على أرض الواقع بعدما تعارفوا في العالم الافتراضي، وتحولت لقاءاتهم إلى ما يشبه التجمعات السياسية، ثم خرجت الأمور ببساطة عن سيطرة “موت” -واسمه الحقيقي كريستوفر بول- والذي حاول منع أعضاء موقعه من الأعمال التخريبية سواء على الإنترنت أو على أرض الواقع.
وخرجت مجموعة من روّاد “فورتشان” عن السيطرة، وهاجموا العديد من المؤسسات الأمر الذي دفعهم للتمرد ومهاجمة عدة حركات مجتمعية، ككنيسة “سينتولوجيا” التي تعتبر من أكثر الحركات الدينية الحديثة إثارة للجدل، بالإضافة إلى وضع حد للإعلامي الأميركي اليميني هال ترنر.
وساهمت تلك الشبكة الاجتماعية وغيرها في بدء ظاهرتين مستمرتين حتى يومنا هذا وهما “القرصنة، المعلومات الزائفة”. ففي المجتمعات الإلكترونية شبه المنغلقة على ذاتها، تنافس المشاركون على قرصنة مواقع إلكترونية أخرى، حتى وصل الأمر إلى قرصنة مواقع حكومية “دعما لقضايا في صالح الشعب”.
وعلى الجانب الآخر، كانت ظاهرة المعلومات الزائفة -فيما يبدو- وليدة للرغبة في لفت الانتباه، الأمر الذي بدأ عندما كانت “فورتشان” لا تعرض سوى المحتوى الذي يشتبك معه الزوار، فاستمرت انتشار المعلومات الزائفة حتى ساهم في إنشاء وإنماء نظرية المؤامرة الشهيرة “كيو أنون” (QAnon) وهي باختصار نظرية مؤامرة يؤمن أتباعها بوجود مجموعة سرية دولية من عبدة الشيطان والمتحرشين بالأطفال يحكمون العالم ويسيطرون على وسائل الإعلام وهوليود والسياسيين.
وغذى هذه النظرية شخص يُدعى “كيو” على منصة “فورتشان” والذي كشف الفيلم عن كونه مجموعة من الأعضاء وليس شخصا واحدا.
أفلام كراهية الإنترنت
ينتمي “الشبكة المعادية للمجتمع” لما يمكن أن نطلق عليه “أفلام كراهية الإنترنت” ومن أشهرها “المعضلة الاجتماعية” (The Social Dilemma) الذي تناول التأثير الخطير للشبكات الاجتماعية على البشرية، وعُرض على منصة “نتفليكس” عام 2020 وتصدر قائمة الأعلى مشاهدة عالميا وفاز بعدة جوائز.
وتتناول هذه النوعية من الأفلام مضار الشبكة العنكبوتية، وتأثيراتها السلبية على مستخدميها، والمثير للاستغراب أن مبتكري هذه التكنولوجيا والمنصات يظهرون في هذه الأعمال ليحذروا المشاهدين من الأمر الذي اخترعوه بأنفسهم، بينما تعرض منصة إلكترونية أخرى هذه الأفلام، ويشاهدها المتفرجون على هذه المنصات التي لها كذلك أضرارها الواسعة.
يظهر في “الشبكة المعادية للمجتمع” أعضاء سابقون في “فورتشان” يتحدثون بأريحية عمّا قاموا به من قرصنة وتزييف للمعلومات دون شعور بالذنب أو حتى استخدام لهجة اعتذارية عما فعلوه في مجتمعهم على مدار السنوات.
وتنضوي هذه النوعية من الأعمال على تناقضات غريبة، فهي تكره الإنترنت وتستخدمه في ذات الوقت وتعتبره وسيلتها في إثبات نجاحها، دون أن توضح أن معظم الاختراعات التي عرفتها البشرية اتسمت بذات الازدواجية من الفوائد والأضرار بداية من اكتشاف النار، وحتى تيك توك.
وبينما يدين “الشبكة المعادية للمجتمع” المعلومات الزائفة ونظريات المؤامرة، يغذي في المقابل نظريات أخرى مشابهة كتلك التي ترى في التكنولوجيا وحشا يتربص بالبشرية دون الوضع في الاعتبار الفوائد التي جنتها الحضارة الإنسانية منها.
وحاول الفيلم تقديم كل تاريخ “فورتشان” في إطار لا يزيد على الساعتين، فظهر متخما بالمعلومات والشهادات حول عقدين يمكن اعتبارها الأسرع والأكثر إحداثا للتغيرات في تاريخ الحضارة الإنسانية، وتنقل بين موضوع وآخر بسرعة ودون سلاسة، وفي بعض الأحيان تجاوز عن بعض التفاصيل الضرورية في سبيل تقديم أكبر قدر ممكن من محطات الموقع المستمر حتى الآن، الأمر الذي كان ممكنا تجاوزه ببساطة بتقديم الفيلم على هيئة مسلسل وثائقي مثل الكثير من أعمال “نتفليكس” الأخرى الأقل أهمية.