تُعرض الآن الحلقات الأربع الأولى من الموسم السادس والأخير من مسلسل “التاج” (The Crown) على منصة نتفلكس، والذي قُسم -على غير العادة- إلى جزأين، أولهما من أربع حلقات صدرت بالفعل، والثاني من ست ينتظر صدورها في منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول.
يعتبر مسلسل “التاج” أحد أهم أعمال منصة نتفلكس الأصلية، وقد بدأ عرضه منذ عام 2016، وهو من تأليف “بيتر مورغان” الكاتب المتخصص في الأعمال التاريخية، ومن أهم أفلامه “الملكة” (The Queen)، وتناوب على بطولة المسلسل ثلاثة طواقم من الممثلين، وذلك لتقديم الشخصيات في مراحل عمرية مختلفة، حيث تمتد أحداثه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الألفية الثالثة، ويتصدر الموسم الأخير “إميلدا ستونتون” و”دومينيك ويست” و”إليزابيث دبيكي” والمصري “خالد عبد الله” والفلسطيني “سليم ضو” .
في وداع ديانا
يغطي مسلسل “التاج” فترة الحكم الممتدة للملكة إليزابيث الثانية، ولكن لا يُقدَّم ذلك عبر التأريخ المباشر، بل يختار صناع العمل مواقف محددة يركزون عبرها على رد فعل العائلة المالكة، وتأثير ذلك على الشعب البريطاني.
اتخذت الحلقات الأربع الأولى من الموسم السادس أسلوبا آخر في التناول، يميل أكثر إلى الكلاسيكية والتقليدية، مع التركيز فقط على الأسابيع الأخيرة من حياة الليدي ديانا، والعلاقة التي جمعت بينها وعماد الفايد والأحداث التي قادت إلى وفاتهما في حادث سيارة بباريس، وتأثير هذا الموت المفاجئ على العائلة المالكة والمملكة.
يتابع المشاهد عبر السرد الخطي الاعتيادي الذي يعتمد على الترتيب التاريخي للأحداث؛ كيف تطورت العلاقة بين الليدي ورفيقها ذي الأصول المصرية، ومحاولاتها الخروج من هذه العلاقة والعودة لولديها، ثم موتها المفاجئ.
وخُصصت الحلقة الرابعة لما بعد الوفاة، مع استخدام تقنية “السرد من ما وراء القبر” (وهي تقنية سردية تقوم فيها شخصية متوفاة بتقديم وجهة نظرها في الأحداث عبر صوتها مثل الراوي، أو حتى الظهور الشبحي). وقد ظهرت كل من ديانا ودودي لتقديم رسائل أخيرة لمحمد الفايد والأمير تشارلز والملكة إليزابيث.
ويبدو تخصيص أربع حلقات من ضمن عشر تمثل الموسم الوداعي للمسلسل، كما لو أنه إعادة إنتاج لأزمة الليدي ديانا مع العائلة المالكة. وطبقا لوجهة النظر التي قدمها المسلسل في المواسم السابقة، فإن الجاذبية الشديدة التي تمتعت بها ومحبة عامة الناس هي أهم الأسباب التي ساهمت في توسيع الفجوة بين أميرة القلوب وباقي أفراد الأسرة، فضلا عن الاهتمام الإعلامي الواسع بها في مقابل البروتوكولات الرسمية الجافة التي تحكم علاقة الملكة وأبنائها بالشعب.
وعوضا عن تسليط الضوء على العائلة الملكية، قرر صناع العمل تجاهل حياة الملكة والاهتمام بالأميرة ديانا التي تسبب رحيلها بحزن شعبي واسع امتد إلى كل العالم.
وعلى الجانب الآخر، تسبب السعي وراء التأثير العاطفي بإظهار الليدي ديانا على الشاشة بعد وفاتها في اضطراب داخل العمل، فقد ظهرت وهي تخاطب الملكة إليزابيث والملك تشارلز بروح العمل الذي يميل إلى الواقعية الشديدة، حتى بدا في المواسم السابقة كما لو أنه أقرب ما يكون إلى التسجيلي، رغم تصريح صناعه بأنهم يستخدمون خيالهم لملء فراغات الوقائع المسجلة. ولكن في هذه الحلقات الأربع بلغ الخيال حده الأعلى، بإعادة نسج سيناريو مبني على افتراضات رومانسية حول علاقة دودي بالليدي، وحزن تشارلز على زوجته السابقة.
إعادة فيلم “الملكة”
صدر عام 2006 فيلم “الملكة” من إخراج “ستيفن فريزر” وتأليف “بيتر مورغان”، وفاز بأوسكار أفضل ممثلة، ورُشح لأوسكار أفضل سيناريو وإخراج، والذي دارت أحداثه حول الأيام اللاحقة لوفاة الليدي ديانا، ورصد تعامل العائلة المالكة المتذبذب مع الوفاة بين رغبتهم في الالتزام بالبروتوكولات الملكية وخوفهم من حزن الشعب الذي تحول لغضب جارف تجاههم بعد تجاهلهم الحادث.
قام “بيتر مورغان” بإعادة تقديم الفيلم مرة أخرى في الحلقة الرابعة من هذا الموسم مع تغيير الممثلين فقط، الأمر الذي يمثل علامة استفهام كبيرة، خصوصا وأن هناك زوايا أخرى من الوفاة كان من الممكن تغطيتها، مثل رد فعل عائلة ديانا التي تم استبعادها تماما من الصورة، أو ابنيها هاري ووليام اللذين مر عليهما المسلسل بشكل سريع للغاية.
وسبق أن تناولت عشرات الأفلام الوثائقية والروائية حياة الليدي ديانا وعلاقتها المتوترة مع العائلة المالكة من كل الزوايا الممكنة، ولا ننفي هنا تأثير وأهمية شخصية أميرة القلوب، ولكن موضعها في المسلسل كان يجب أن يصبح محدودا بعلاقتها مع التاج، بينما خرج العمل عن مساره لينجرف في استغلال شعبيتها الممتدة، والإثارة التي تصبغ كل ما يتعلق بها.
قامت بدور الليدي ديانا في الموسمين الخامس والسادس الممثلة الأسترالية “إليزابيث دبيكي” التي كان أداؤها و”خالد عبد الله” في دور دودي الفايد أفضل ما جاء في الحلقات الأربع، فقد استطاعت تقديم الشخصية الحساسة لديانا التي دأبت السينما على تصويرها في دور المرأة الهشة التي حطمتها العائلة المالكة، دون إبراز جوانب أخرى في شخصيتها مثل قدرتها على النجاة من علاقة سامة مع أشهر رجال المملكة البريطانية، أو تعافيها من “النهام” وهو اضطراب الطعام الذي عانت منه في صمت لسنوات، أو علاقتها الإيجابية بولديها.
ركز المسلسل على شخصية “دودي الفايد” من وجهة نظر علاقته المضطربة بوالده، الرجل الذي صمم مسبقًا على الحصول على قبول العائلة المالكة، فاستخدم ابنه كأضحية للتقرب من الأميرة، متجاهلًا رغبات الابن الشخصية، وعلاقة الخطبة التي عقدها مع عارضة أزياء أميركية.
ربما كان أفضل ما قام به صناع مسلسل “التاج” في هذه الحلقات الأربع هو فصلها عن باقي الموسم، وهو ما يعطي العمل فرصة للانتهاء بصورة تليق بالأصالة التي التزم على مدار المواسم الخمسة السابقة، بعيدا عن الانجراف العاطفي وراء شخصية الليدي ديانا المثيرة للجدل.