توجه الناخبون الباكستانيون إلى صناديق الاقتراع الخميس الماضي، وسط أزمة اقتصادية عميقة تعيشها البلاد، من أبرز معالمها معدل تضخم عند نحو 30%، ويعيش ما يقارب 40% من السكان تحت خط الفقر، وارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 72%.
وينتظر من الحكومة القادمة أن تتعامل مع هذه التحديات وتعمل على حلها، بما يشمل تطوير البنية التحتية الحالية المتهالكة في العديد من مناطق البلاد، سواء على مستوى الطرق أو وسائل الاتصال وخدمات الكهرباء والماء وتصريف مياه الصرف الصحي.
ومن التحديات التي تواجهها باكستان توفير الطاقة، والتي تسببت بإضعاف آفاق النمو في البلاد وتقييد الجهود الرامية إلى تنويع قاعدة الصادرات بعيدا عن المنتجات ذات القيمة المضافة المنخفضة، مثل القطن والأرز والتركيز على السلع ذات القيمة الأعلى.
ومن المشاكل الكبيرة التي واجهتها باكستان ما حل بها في أواخر عام 2022، حيث تسببت الفيضانات الموسمية في نزوح نحو 8 ملايين شخص وأدت إلى خسائر بقيمة تربو على 30 مليار دولار، حيث أدى فقدان محاصيل القطن إلى تدمير صناعة النسيج في البلاد، وهي مصدر رئيسي للصادرات، وفي جميع الاحتمالات انخفض معدل النمو ليكون سلبيا في 2023.
وتسجل باكستان -التي تستورد قدرا كبيرا من احتياجاتها من الغذاء والوقود- عجزا تجاريا ضخما على نحو مستمر.
أزمة خانقة
وإزاء ذلك يقول شهباز رانا المحلل الاقتصادي في صحيفة “إكسبرس تريبيون” ومذيع في “إكسبرس نيوز” إن أهم السلع الغذائية التي تستوردها باكستان زيت الطعام والبقوليات، وإن الفاتورة السنوية للطعام المستورد تتراوح بين 6 و8 مليارات دولار.
وأضاف في حديث للجزيرة نت أن باكستان تواجه أزمة خانقة جراء حجم الديون الخارجية التي تربو على 128 مليار دولار، وتلحقها خدمة الدين التي ترهق الميزانية العامة.
وبسبب تصاعد أسعار السلع الأساسية -والتي يستورد الكثير منها- تضاءلت احتياطيات النقد الأجنبي إلى أقل من شهر واحد من الواردات في مايو/أيار الماضي، مما أدى إلى نقص السلع الحيوية.
وفي يونيو/حزيران الماضي تجنبت إسلام آباد التخلف عن السداد بصعوبة بعد أن حصلت على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، ومع ذلك جاءت حزمة الإقراض من الصندوق بشروط صارمة وإصلاحات ستمس أوضاع العامة بشكل مباشر.
وكجزء من الصفقة، وافقت الحكومة على فرض ضرائب جديدة على قطاع الطاقة المتعثر، كما وافقت على خفض دعم المرافق، الأمر الذي أدى إلى ارتفاعات حادة في أسعار الكهرباء والبترول، مما أضر بشدة بالأسر الفقيرة بشكل خاص.
ويرتفع التضخم -الذي وصل إلى نحو 30% في ديسمبر/كانون الأول- منذ بداية العام الماضي بعد أن وافق البنك المركزي الباكستاني على تحرير سعر الصرف للعملة المحلية كجزء من برنامج صندوق النقد القائم.
وبمجرد تحرير سعر الصرف انخفضت قيمة العملة بشكل حاد خلال الشهور الأخيرة لتصل حاليا إلى 279 روبية للدولار الواحد.
وانخفضت الروبية الباكستانية في 2023 بنحو 20% مقابل الدولار، ويتوقع أن تستمر الروبية في الانخفاض قليلا، وهو ما سيؤدي إلى زيادة عجز الحساب الجاري في باكستان، حيث ستصبح السلع القادمة من الخارج أكثر تكلفة، حسبما أفاد رانا.
وفي الأشهر الأخيرة ارتفع معدل البطالة الرسمي إلى مستوى قياسي بلغ 8.5%، مما يعني وقوع ما بين 8 و9 ملايين شخص في براثن الفقر.
نبض الشارع
وعن وضعه المعيشي يقول عارف كياني (53 عاما) -وهو محاسب يعمل في القطاع الخاص بإسلام آباد- إنه وأفراد أسرته يواجهون حياة صعبة، خاصة خلال العامين الماضيين مع استمرار ارتفاع تكلفة الكهرباء والبنزين.
ويضيف أنه كان يعتبر من ذوي الدخل الجيد، ولكن مع ارتفاع معدل التضخم صارت أمواله بنصف القيمة الحقيقية وما عاد راتبه يكفيه لمواجهة ظروف الحياة، فكيف سيكون الحال بالنسبة لمن رواتبهم ضعيفة أو لا يجدون عملا يستطيعون من خلاله إطعام أسرهم؟
وقال إنه شارك في الانتخابات الأخيرة على أمل أن تفرز فريقا حكوميا جديدا يكون قادرا على حل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها باكستان منذ سنوات.
ولم يكن سائق سيارة الأجرة شاهزاد علي أقل تشاؤما من كياني، فقد أكد للجزيرة نت على أن عمله بات لا يجدي نفعا في ظل الارتفاع الكبير في سعر البنزين، وأن دخله لا يكاد يكفيه وأسرته الصغيرة المكونة منه ومن زوجته و3 أطفال.
وأضاف أنه لم يشارك في الانتخابات الأخيرة، معتبرا أنها بدون جدوى ولن تحل المشاكل التي تواجهها البلاد، معتبرا أن الحكومة القادمة غالبا محددة مسبقا من قبل دوائر صنع القرار وليس لديها برنامج إصلاحي.
قضايا أساسية
عانت باكستان منذ فترة طويلة من قضايا رئيسية كما يقول الخبير الاقتصادي شكيل أحمد راماي، وهو المدير التنفيذي للمعهد الآسيوي لأبحاث الحضارة البيئية والتنمية في إسلام آباد، مشيرا إلى انخفاض واضح في معدل النمو، كما أنها واحدة من أسوأ الدول أداء في تحصيل الضرائب.
وفي حديثه للجزيرة نت أضاف راماي أن الحكومات المتعاقبة لم تصل إلى حد وضع تشريعات ضريبية قوية خوفا من الإضرار بالمصالح التجارية للشركات الكبرى أو التي تتبع للعائلات المسيطرة في البلاد.
وأوضح أن فشل الحكومات المتتالية في تعزيز الإيرادات الضريبية وتحديث الشركات المملوكة للدولة تسببا في زيادة العجز المالي المستمر وديون ضخمة.
ولفت راماي إلى أنه على اعتبار أن الحكومة الجديدة ستمضي في الحصول على قرض آخر من صندوق النقد الدولي فإنها ستواجه صعوبة في السداد ما لم تفرض ضرائب جديدة على الزراعة والعقارات.
وأوضح في حديثه أن الاستثمار الأجنبي يتعرض للعرقلة بسبب المخاوف الأمنية وعدم الاستقرار السياسي إلى جانب البيروقراطية، وهي أمور تنفر المستثمرين الأجانب من ضخ أموالهم في البلاد، مشيرا إلى أن باكستان تحظى بالعديد من الفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات لو تحسنت الظروف وصلحت الأنظمة.
الأزمة السياسية
ولفت راماي إلى أن من المعضلات التي تواجه الاقتصاد الباكستاني وتبعده من التعافي أزمة سياسية في ظل تشكيك واسع النطاق في نزاهة الانتخابات التي أجريت في 8 فبراير/شباط الجاري، وأن “استبعادا متعمدا جرى ضد رئيس الوزراء السابق والمعتقل حاليا عمران خان وحزبه حركة إنصاف رغم الشعبية التي يحظيان بها بما يزيد على 65% من أصوات الناخبين”.
وفي حال لجأ المتنافسون السياسيون -خاصة حزب الرابطة الإسلامية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف وحزب الشعب بزعامة آصف علي زرداري– إلى تشكيل ائتلاف حكومي مع بعض القوى الأخرى الصغيرة فستصبح الإصلاحات الاقتصادية وبرنامج الخصخصة التي طال انتظارها في باكستان أكثر صعوبة، حسب راماي.
وختم بأنه من المتوقع أن تختار الإدارة الجديدة في هذه الحالة الحلول القديمة التي تم اختبارها خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث ستعمد إلى رفع أسعار الطاقة بدلا من إجراء إصلاحات صعبة، وبالتالي فإن معدل التضخم سيبقى مرتفعا.
وستعمد أيضا إلى زيادة أسعار الكهرباء والغاز لمعالجة مشكلة الديون بدلا من معالجة تسريبات خطوط الطاقة أو سرقتها، وقد تستمر في فرض الضرائب على الشركات -التي تعاني بالفعل من الرسوم المرتفعة- بدلا من ملاحقة الأغنياء.