هل تزيد قرارات الحماية الاجتماعية الأخيرة معاناة المصريين اقتصاديا؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

القاهرة– أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حزمة ثانية من القرارات الاقتصادية الرامية لتحسين الدخل خلال العام الجاري، بعد حزمة أولى صدرت في مارس/آذار الماضي لرفع أجور العاملين بالدولة وأصحاب الكادرات الخاصة والمعاشات.

وأعقبت القرارات الأخيرة مخاوف عديدة بين المصريين من غلاء الأسعار وتعويم الجنيه.

ففي الوقت الذي أقر فيه السيسي بمعاناة الأسر في مواجهة الأعباء المعيشية، تضمنت القرارات الرئاسية 8 توجيهات بالدعم للحكومة، اقتصرت على العاملين بالجهاز الإداري للدولة، الهيئات الاقتصادية، شركات قطاع الأعمال، القطاع العام، أصحاب المعاشات، برامج الحماية المجتمعية، الصحفيين المقيدين بالنقابة، صغار الفلاحين والمزارعين المتعثرين.

من جانبه، قدّر وزير المالية محمد معيط تكلفة الحزمة الجديدة بنحو 60 مليار جنيه سنويا، موضحا أن حزمة القوانين ستحال إلى مجلس النواب فور انعقاده في أكتوبر/تشرين الأول القادم، بحيث يكون استحقاق هذه الحزمة اعتبارا من مطلع الشهر المقبل.

كما شدد الوزير على أن العامين الأخيرين شهدا 4 زيادات للأجور والمعاشات منذ أبريل/نيسان 2022، بما يعكس حرص القيادة السياسية على تخفيف الأعباء عن المواطنين بقدر الإمكان، وفق بيان رسمي.

ووصل معدل التضخم السنوي في مصر إلى 39.7% خلال الشهر الماضي، وهو مستوى قياسي حسب آخر الإحصاءات الرسمية مطلع الشهر الجاري.

مخاوف مشروعة

يرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن المخاوف من الغلاء التي انتشرت عقب إصدار القرارات باتت حقيقة بعد أقل من 24 ساعة في الأسواق، إذ ارتفعت أسعار الخضراوات والفاكهة والسكر وبعض منتجات الألبان، بنسب تتراوح بين 5% و10%، وفق رصده.

ويضيف عبد المطلب -في حديثه للجزيرة نت- أن البعض يرى أن ذلك الارتفاع الفوري لا علاقة له بقرارات الحماية الاجتماعية التي صدرت، وأنه مجرد جشع تجار اغتنموا الفرصة كالعادة بمجرد الإعلان عن أي زيادة في الرواتب، لكن المحصلة أن البلاد في حالة قد تكون صعبة بالفعل، وفق تأكيده.

ويوضح أن تلك القرارات ليس مواكبة لغلاء المعيشة، فالزيادة التي وصلت 300 جنيه ليست رقما كبيرا، وحتى زيادة الحد الأدنى هو للدرجة السادسة فقط، وليس إعادة توزيع لكل الدرجات الوظيفية الأخرى، وبالتالي فتأثيرها ضعيف.

بيد أن الخبير الاقتصادي يرى أن التخوف الحقيقي بدأ يمس طبقة رجال الأعمال من تلك القرارات التي اعتبروها بداية للتعويم، رغم الحديث عن أن بعثة صندوق النقد الدولي تراجعت وأنه لا يوجد مراجعات هذا العام على الأقل، مما تسبب في حدوث بلبة لدى مجتمع الأعمال.

ويعرب عبد المطلب عن خشيته من بدء استغلال رجال الأعمال لهذه الظروف في رفع الأسعار مجددا، في ظل توقعات لديهم تصل بالعملة المحلية إلى 40 جنيها مقابل الدولار الواحد الذي يتوقف عند 30.90 جنيها حاليا.

زيادة التضخم والفقر

أما الباحث الاقتصادي إبراهيم الطاهر فيحذر -في حديث للجزيرة نت- من أن تلك القرارات لها تبعات قاسية على الاقتصاد المصري إذا تزامنت مع تحريك سعر العملة المحلية، مما يؤدي إلى زيادات في معدلات التضخم ونسب الفقر، وانفلات متزايد في جميع أسعار السلع والمنتجات خاصة أن القرارات المتخذة ليست متناسبة مع الضرر الواقع على الشرائح المستهدفة.

ويوضح الطاهر أن برامج الحماية الاجتماعية الموجودة بمصر مثل “تكافل وكرامة” لم تغطِّ إلا شرائح محدودة من الشعب بأرقام تصل إلى 10 ملايين مستفيد -وفق المعلن- مما يعني أن ثلثي الفقراء لا يصلهم هذا الدعم إذا تم وضع بعض التقديرات بالحسبان والتي تصل بعدد فقراء بمصر إلى 30 مليون مواطن، بينما تشير الوقائع أنه مع وصول عدد السكان إلى 105 ملايين، فإن نسب التضرر والفقر ستكون أكبر في حال صدور قرارات للتعويم.

ويشير الباحث الاقتصادي إلى أن الحديث المتوقع بعد قرارات الحماية الاجتماعية عن فوائد التعويم، كما حدث سابقا، سيكون إمعانا في التضليل، لأن مصر ليست دولة منتجة، ونسب صادرتها لا تؤهلها لجبر أي ضرر أو سلبيات متوقعة من تحريك العملة، مما يعني أن المواطن هو الضحية في نهاية المطاف.

تقليل النفقات الأسرية

من جانبها، اتجهت “آلاء محمد” إلى تقليل نفقاتها إلي الحد الأدنى، رغم أنها تعمل معلمة بمدرسة خاصة، لكن العادة -كما تقول- أن أصحاب تلك المدارس لا يرفعون الرواتب مع ارتفاع الأسعار أو حتى مع قرارات الرئيس للحماية المجتمعية، ويخيرونهم بين البقاء أو الرحيل مثلما يحدث في القطاع الخاص كله وفق تأكيدها.

وتضيف “آلاء” -وهو اسم مستعار بناء على طلبها- أن ظروف انفصالها عن زوجها ضاعفت من معاناتها، هذه الأيام، مما دفعها إلى تقليل نفقاتها في الأكل والأساسيات، في ظل عدم وجود دخل كاف أو نفقة عادلة من طليقها.

وتشير إلى أن أخاها -الذي يعمل في وظيفة حكومية براتب متواضع- لم يجد سوى سيارته الخاصة للعمل عليها سائق “أوبر” لأن أي زيادة في الأجور تلتهمها أسعار الأسواق، وبالتالي فإنه يواصل العمل بعد انتهاء دوامه، وفي أيام لا يحضر بالأساس حتى يوفر احتياجات بيته.

من جانبه اعتبر مدير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أحمد العطار -في حديث للجزيرة نت- أن القرارات الصادرة دون تنسيق مع القطاع الخاص تحمل سمة تمييز وعدم مساواة، في ظل عدم قدرة الحكومة على مساواة القطاع الخاص بالحكومي رغم أن الجميع متضرر، مؤكدا أن الحقوق الاقتصادية للمصريين مهدورة ولا يصلحها قرارات محدودة لا تراعي الضرر المستمر.

ومن المقرر -حسب تصريحات رسمية- انعقاد المجلس القومي للأجور (جهة حكومية) لمناقشة مسؤولية القطاع الخاص عن زيادات مماثلة، وذلك بعد التشاور مع جميع الأطراف، سواء أصحاب الأعمال أو العمال والحكومة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *