يشهد الاقتصاد الصيني حاليا موجة من التفاؤل، وسط تحسن كبير في أسواق الأسهم مع تحقيق صناديق التحوط أرباحا كبيرة نتيجة لتحفيزات اقتصادية واسعة النطاق أعلن عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ.
ووفقا لتقارير من بلومبيرغ، فإن هذه الإجراءات جاءت في وقت حساس للاقتصاد الصيني الذي عانى من ركود طويل، إذ بدأت الحكومة الصينية أخيرا في معالجة المشاكل الاقتصادية المزمنة التي تفاقمت في السنوات الأخيرة.
تحفيزات الحكومة الصينية
وأطلقت الحكومة الصينية سلسلة من التحفيزات الاقتصادية، بما في ذلك تخفيف السياسات النقدية، التوسع المالي، ودعم مشتري المنازل، بالإضافة إلى ضخ رؤوس أموال كبيرة في المؤسسات المصرفية المحلية.
كما تم إنشاء صندوق لاستقرار السوق بهدف الحفاظ على توازن الأسواق المالية، وهذه الخطوات تأتي في إطار محاولات الحكومة تعزيز الطلب المحلي وإعادة الحيوية إلى الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على الإنتاج الصناعي والاستهلاك الداخلي.
وأوضح دانيال موس -وهو أحد المحللين الاقتصاديين في بلومبيرغ- أن الإجراءات الجديدة قد تكون الخطوة الأولى نحو إعادة الاقتصاد الصيني إلى النمو المستدام.
وأضاف “للحفاظ على هذا الزخم يجب على الحكومة الصينية ليس فقط الوفاء بما أعلنته، بل أيضا تحديد أهداف ملموسة تعزز الثقة في الأسواق”.
مكاسب كبيرة
وقبل بداية عطلة الأسبوع الذهبي الوطني في الصين شهدت الأسواق المالية الصينية ارتفاعا حادا، مما أثار موجة من التفاؤل بين المستثمرين.
وشهد مؤشر بلومبيرغ للأسهم الصينية زيادة كبيرة في قيمته، مما عكس الثقة المتزايدة في قدرة الحكومة على إدارة الأزمة الاقتصادية.
ووفقا للتقارير، سجلت صناديق التحوط التي استثمرت بكثافة في السوق الصينية عوائد تصل إلى 25% في الأشهر الأخيرة، مما يعكس التأثير الإيجابي للإجراءات الحكومية على الأسواق.
وفي السياق نفسه، قال جون أوثيرز المحلل في بلومبيرغ “هذه الزيادة جاءت نتيجة التغييرات الكبيرة التي أدخلتها الحكومة الصينية في سياساتها الاقتصادية، وهناك حماس واضح في السوق، لكن السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت هذه التحفيزات ستكون كافية لإحداث تغيير دائم”.
صداع قطاع العقارات والتوظيف
ورغم هذه الإيجابيات فإنه لا تزال هناك تحديات كبيرة تعصف بالاقتصاد الصيني، خاصة في قطاع العقارات الذي يواجه أزمة كبيرة وفق بلومبيرغ.
وأثر تراجع أسعار العقارات وزيادة الديون في هذا القطاع بشكل سلبي على استقرار الاقتصاد، وأديا إلى قلق المستثمرين بشأن استمرارية النمو.
كما أن معدل البطالة بين الشباب لا يزال مرتفعا، إذ بلغ نحو 21.3% في الأشهر الأخيرة، وهذا الرقم يعتبر مؤشرا خطيرا على الوضع الاقتصادي العام، ويعكس الصعوبات التي تواجهها الحكومة في خلق فرص عمل جديدة للشباب الصينيين.
وقال شولي رن الكاتب في بلومبيرغ “لقد أصبح التشاؤم تجاه الاقتصاد الصيني واحدا من الاستثمارات الأكثر شيوعا، ولكن التحفيزات الاقتصادية الجديدة قد تغير هذا الاتجاه، على الأقل في المدى القصير”.
أثر عالمي لانتعاش الاقتصاد الصيني
وبالإضافة إلى تأثير هذه الإجراءات على الاقتصاد المحلي تتوقع بلومبيرغ أن يكون للتحفيزات الصينية تأثير مباشر على الاقتصاد العالمي، إذ يعد الاقتصاد الصيني محوريا بالنسبة للعديد من الدول، خاصة في مجالات الإنتاج الصناعي والطلب على السلع الأساسية، مثل النفط والمواد الخام.
وتعتبر الصين أكبر مصدر ومستهلك للعديد من السلع، مما يجعل أي انتعاش في اقتصادها أمرا بالغ الأهمية للنمو الاقتصادي العالمي.
ووفقا لتقرير بلومبيرغ، أشار المحللون إلى أن نجاح الإجراءات الاقتصادية الصينية سيؤدي إلى انتعاش في الأسواق العالمية.
وقال ماركوس أشفورث -وهو محلل في الوكالة- “الصين تلعب دورا حاسما في الاقتصاد العالمي، وأي تحسن في اقتصادها سيؤدي إلى تعزيز التجارة الدولية ورفع الطلب على السلع”.
استدامة النمو في الصين ستعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة على معالجة الأزمات المزمنة، مثل أزمة العقارات والبطالة
نظرة متحفظة على المستقبل
ورغم هذا التفاؤل فإن العديد من الخبراء يظلون حذرين بشأن مدى استدامة هذا الانتعاش الاقتصادي، فالأزمات المستمرة في قطاع العقارات والبطالة المرتفعة بين الشباب قد تعيق الجهود الحكومية لتحقيق نمو مستدام.
وعلقت شولي رن قائلة “لا يزال الاقتصاد الصيني يعتمد بشكل كبير على الإنتاج الصناعي والطلب الاستهلاكي العالمي، مما يجعل الانتعاش الصيني أمرا حاسما للنمو الاقتصادي العالمي”.
من جانبه، قال هنينغ غلويستين -وهو محلل في مجموعة أوراسيا- في تقرير آخر نشرته بلومبيرغ “على الرغم من أن الوضع يبدو إيجابيا الآن فإن التحديات الكبيرة لا تزال قائمة ولا يمكن تجاهلها”.
وأشار إلى أن استدامة النمو في الصين ستعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة على معالجة الأزمات المزمنة، مثل أزمة العقارات والبطالة.