مشروعات بحجم 4 محافظات.. قطار زيادة الرقعة الزراعية في مصر إلى أين؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

القاهرة – يبلغ نصيب الفرد من الأراضي الزراعية في مصر قيراطين (الفدان 24 قيراطا) فقط، بينما يصل المتوسط العالمي أكثر من 12 قيراطا، وبهذا، تقبع مصر في المرتبة 176 عالميا في قائمة نصيب الفرد من الأرض الزراعية، وفقا لتصريحات مختلفة لوزير الزراعة واستصلاح الأراضي السيد القصير.

من هذا المنطلق أطلقت مصر العديد من مشروعات استصلاح الأراضي لزيادة الرقعة الزراعية خلال السنوات الأخيرة، والخروج من بوتقة وادي النيل الضيق والدلتا، والتوسع في المناطق الصحراوية المترامية الأطراف التي تصل إلى نحو 96% من مساحة مصر البالغة حوالي مليون كم2.

آخر تلك المشروعات القومية “مشروع مستقبل مصر” الزراعي لإضافة 4.5 ملايين فدان بحلول عام 2027، من بينهم مليونا فدان العام المقبل 2025، وبحجم ما بين 3 أو 4 محافظات كبار، بحسب تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أثناء افتتاح موسم الحصاد منتصف الشهر الجاري.

لماذا تراجعت حصة الفرد؟

تصل مساحة الأراضي الزراعية حوالي 9.8 ملايين فدان، وهو رقم متواضع مقارنة بعدد السكان البالغ نحو 110 ملايين شخص، ولهذا شهد نصيب الفرد تراجعا ملحوظا خلال العقود الماضية، حيث كان يبلغ فدانا في فترات سابقة.

ويعود هذا التراجع إلى عدة عوامل، أهمها:

  • الزيادة السكانية: ارتفع عدد سكان مصر بشكل كبير خلال العقود الماضية، مما أدى إلى زيادة الضغط على الموارد الطبيعية، بما في ذلك الأراضي الزراعية.
  • التوسع العمراني: توسعت المدن على حساب الأراضي الزراعية، مما أدى إلى فقدان مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة.
  • التصحر: يتعرض جزء من الأراضي الزراعية في مصر لظاهرة التصحر، مما يجعلها غير صالحة للزراعة.
  • نقص المياه: تعاني مصر من ندرة موارد المياه، مما يحد من قدرتها على توسيع الرقعة الزراعية وزراعة المزيد من المحاصيل.

ترتب على ما سبق معاناة مصر، وهي أكبر مستورد في العالم للقمح، من فجوة غذائية، إذ تستورد 60% من احتياجاتها الغذائية، وقدر وزير الري والموارد المائية المصري حجم واردات مصر من السلع الغذائية بأكثر من 10 مليارات دولار.

ويشكّل القطاع الزراعي حوالي 15% من الناتج القومي المصري فقط، ويوفر نحو 25% من فرص العمل في البلاد.

ما حدود وتبعية مشروع مستقبل مصر؟

يتبع المشروع جهاز “مستقبل مصر للتنمية المستدامة” وهو كيان حكومي مستقل، أنشئ طبقا لقرار رئيس الجمهورية رقم 591 لسنة 2022.

يهدف المشروع إلى التوسع في زراعة الأراضي رغم التحديات الجسيمة المتعلقة بنقص المياه وندرتها، بداية من منطقة الدلتا الجديدة (الصحراء الغربية)، مرورا بالمنيا وبني سويف والفيوم (جنوب القاهرة)، وصولا إلى أسوان والداخلة والعوينات (أقصى جنوب مصر) من أجل زراعة 4 ملايين ونصف المليون فدان بحلول عام 2027، وفقا للمدير التنفيذي للجهاز العقيد بهاء الغنام.

الجدوى الاقتصادية

يهدف “مشروع مستقبل مصر” إلى زيادة الرقعة الزراعية كركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، إلى جانب عدة أهداف اقتصادية واجتماعية، من بينها:

  • زيادة الرقعة الزراعية: يسعى الجهاز إلى استصلاح وزراعة مليوني فدان بحلول عام 2025، وصولا إلى 4 ملايين ونصف المليون فدان بحلول عام 2027.
  • تحقيق الأمن الغذائي: من خلال زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية، وتقليل الاعتماد على الواردات وتوفير منتجات زراعية متنوعة بأسعار مناسبة.
  • خلق فرص عمل: يساهم المشروع في خلق فرص عمل جديدة في القطاع الزراعي والمجالات المرتبطة به.
  • دعم التنمية الريفية: يُساهم الجهاز في تطوير البنية التحتية في الريف المصري، وتحسين مستوى معيشة سكانه.
  • الحفاظ على البيئة: يحرص الجهاز على استخدام تقنيات زراعية مستدامة تُحافظ على البيئة والموارد الطبيعية.

تحديات الموارد المائية

من أكبر التحديات التي تواجه المشروع تأمين الموارد المائية، وأنفقت مصر 300 مليار جنيه (الدولار 47 جنيها) لهذا الغرض، لأنها لم يكن لها خيار ثانٍ سوى إنشاء محطات رفع المياه المعالجة لاستصلاح الأراضي بحسب تصريحات الرئيس السيسي، الذي رفض الانتقادات التي توجه إلى تلك المحطات التي تُشكل ضرورة للدولة.

وللتغلب على هذا التحدي، تعمل الحكومة على:

  • تحسين كفاءة استخدام المياه من خلال استخدام تقنيات الري الحديثة.
  • تطوير محطات معالجة مياه الصرف لتوفير مصادر مائية بديلة ومستدامة.
  • استخدام المياه الجوفية من 3 خزانات (الأيوسين – المايوسين – المغرة).
تعاني مصر من ندرة المياه وتستهلك الزراعة وحدها 85% من المياه المتاحة

التوسع في الزراعة وتحديات المياه

اعتبر أستاذ الاقتصاد الزراعي جمال صيام أن “أكبر تحدٍّ يواجه أي مشروع زراعي بهذا الحجم هو توفير المياه اللازمة للري في ظل ندرة المياه وقلة الأمطار ومحدودية المياه الجوفية، إلى جانب التكلفة الباهظة لمعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي، ورفعها عبر محطات ضخمة ونقلها عبر ترع اصطناعية”.

ورأى، في تصريحات للجزيرة نت، أن أهمية المشروع لا تكمن في إضافة مساحات جديدة للرقعة الزراعية بقدر استزراعها بمحاصيل غذائية إستراتيجية مثل القمح والذرة والأرز ومحاصيل الزيوت والسكر وليس الفواكه والخضراوات، مع الأخذ في الاعتبار الزيادة السكانية التي تتناقص حصتها في مياه النيل لأسباب تتعلق بالنزاع حول أزمة سد النهضة الإثيوبي، بالتوازي مع زيادة احتياجات الصناعة.

لا يحبذ صيام التوسع الأفقي طوال الوقت، مشيرا إلى أهمية التركيز على التوسع الرأسي في الزراعة من خلال زيادة إنتاجية الفدان، وزيادة الإنفاق على تطوير الأراضي الزراعية القديمة (وادي النيل والدلتا)، وزيادة الأموال المخصصة للبحوث الزراعية والإرشاد الزراعي، وتفعيل دور الجمعيات التعاونية، وتوفير الخدمات للمزارعين.

تستهلك الزراعة في مصر حوالي 85% من الموارد المائية المتاحة، ويعد نهر النيل المصدر الأساسي لمياه الري، حيث يوفر 55.5 مليار متر مكعب، ثم إعادة تدوير المياه المستخدمة ومياه الصرف الزراعي والصحي المُعالجة التي توفر 26 مليار متر مكعب، بينما يصل إجمالي الاحتياجات المائية 114 مليار متر مكعب، وتستورد مصر 34 مليارا بصورة منتجات زراعية وغذائية.

ما حقيقة الزيادة في الرقعة الزراعية طوال 11 عاما؟

يظل تحقيق الأهداف المرجوة من المشروع بإضافة 4.5 ملايين فدان محل تساؤلات من قبل البعض، مستندين إلى صعوبات واجهت مشاريع استصلاح سابقة مثل استصلاح 4 ملايين فدان عام 2014 ضمن المشروعات القومية، التي أعلنت عنها مصر في ذلك الوقت خلال 4 سنوات، وتم تقليصهم إلى مليون ونصف مليون فدان.

على أرض الواقع ظل حجم الزيادة في المساحة المزروعة متواضعا طوال 11 عاما، حيث بلغ إجمالي المساحة المزروعة 8.95 ملايين فدان عام 2013/2012، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ونحو 9.8 ملايين فدان عام 2023/2022، وفقا لمركز المعلومات واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري.

وفندت منصات إخبارية معنية بتمحيص وتدقيق المعلومات والبيانات تصريحات المسؤولين بشأن حجم زيادة الرقعة الزراعية في مصر، وتراوحت تقديراتها بين 600 ألف فدان و800 ألف فدان على أقصى تقدير بناء على إحصاءات وبيانات رسمية.

تعاني مصر من فجوة غذائية وتستورد نحو 60% من احتياجاتها بسبب محدودية الأراضي الزراعية

الرقعة الزراعية بين الواقع والمأمول

اعتبر الأكاديمي والأستاذ المساعد في مركز البحوث الزراعية بمصر سابقا الدكتور عبد التواب بركات أن “ما يتم الترويج له من استصلاح ملايين الأفدنة الزراعية في الأراضي الصحراوية تكرر كثيرا، ولم ينعكس على أرض الواقع بزيادة الرقعة الزراعية الفعلية سوى بوتيرة بطيئة ولم تتجاوز 800 ألف فدان رغم مرور أكثر من 10 سنوات عن الإعلان ضخ عشرات مليارات الجنيهات”.

وأوضح في حديثه، للجزيرة نت، أن غالبية الأراضي الزراعية الجديدة لم تخلق مجتمعات ريفية جديدة لأن معظمها هو لصالح القوات المسلحة المصرية، التي تشرف على معظم تلك المشروعات، ولا يستفيد من إنتاجها سوى تلك المؤسسة التي تصدر منتجاتها للخارج، كما أنها لا تتبع وزارة الزراعة على الرغم من أنها تمول من موازنة الدولة.

وذهب بركات إلى القول إن تلك المشروعات لم تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية الإستراتيجية أو تقليل واردات البلاد منها، مثل القمح والذرة والفول والعدس والمحاصيل الزيتية، التي يتم استيراد معظمها من الخارج، وكان أولى بالدولة الاهتمام بالفلاح المصري وتحسين ظروفه من أجل تعزيز قدراته الزراعية ومضاعفة إنتاجية الفدان، وتطوير نُظم الري بالطرق الحديثة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *