تسببت التحديات التي تواجهها شركة “بوينغ” إثر الحادثة الأخيرة التي وقعت في طائرة تعمل لصالح خطوط ألاسكا إيرلاينز موجات من الصدمة لقطاع صناعة الطيران.
وأدى تحطم باب في جسم الطائرة أثناء رحلة ركاب تجارية إلى إضافة طبقة أخرى من التعقيد لأزمة بوينغ المستمرة في طرازات 737 ماكس، مما أدى إلى تكثيف التدقيق على عمليات التصنيع في الشركة، وأثار تساؤلات حول قدرتها على التنافس مع منافستها اللدود إيرباص.
صعود إيرباص مع هبوط بوينغ
يلقي تقرير في صحيفة “فايننشال تايمز” الضوء على واقع صناعة الطيران المدني، ففي حين كانت شركة إيرباص تحلق مع نجاح سلسلة طائراتها A320، تجد شركة بوينغ نفسها غارقة في سلسلة من النكسات.
واجهت طائرة إيرباص A380، التي كانت ذات يوم رمزا للعظمة والطموح وفقا لوصف الشركة، فشلا تجاريا، مما أدى إلى إغلاق مركز جان لوك لاغاردير في تولوز في عام 2021. ومع ذلك، فقد أعادت هذه المنشأة تصميم عملياتها الآن، مما أسهم في زيادة كفاءتها والتغلب على معيقات التصنيع، وبالتالي زيادة الطلبات على السلسلة A320.
وتضيف الصحيفة أنه في تناقض صارخ، شابت سلسلة طائرات بوينغ 737 ماكس حوادث عديدة، حيث أودت حوادث تحطم طائرة 737 ماكس 8 في عامي 2018 و2019 بحياة 346 شخصا، مما أدى إلى توقفها عن الطيران لمدة 20 شهرا، وقد تحول الاهتمام الآن إلى ماكس 9 بعد الحادثة الأخيرة، مما أدى إلى مزيد من التحقيقات في عمليات التصنيع وسلسلة التوريد لشركة بوينغ.
ومع موافقة إدارة الطيران الفدرالية “إف إيه إيه” (FAA) على بعض طائرات ماكس 9 لاستئناف الرحلات الجوية، استمرت مشاكل بوينغ.
وقد فشلت تعهدات قيادة بوينغ، ومنها تعهدات الرئيس التنفيذي ديف كالهون، بتعزيز الجودة والعمليات الهندسية، مما دفع إدارة الطيران الفدرالية إلى تجميد خطط بوينغ لزيادة إنتاج أسطول ماكس.
ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن نتائج الربع الرابع لشركة بوينغ في 31 يناير/كانون الثاني الجاري بقلق شديد، في وقت عينت الشركة أميرالا بحريا متقاعدا لمراجعة أنظمة إدارة الجودة لديها.
التوازن غير المستقر بين بوينغ وإيرباص
تشير الصحيفة إلى أن الاحتكار الثنائي القديم لصناعة الطيران بين شركتي بوينغ وإيرباص، يقف عند مفترق طرق. وبينما هيمنت شركة إيرباص على عمليات تسليم الطائرات على مدى السنوات الخمس الماضية، دفعت أخطاء شركة بوينغ بعض خبراء الصناعة إلى التفكير فيما إذا كان هناك تحول جذري يحدث في ميزان القوى.
ومع حصول إيرباص على حصة سوقية تبلغ 62% في قطاع الطائرات ضيقة الهيكل، فمن المتوقع أن تتوقف صحة قطاع الطيران على القدرة التنافسية لكل من بوينغ وإيرباص.
ويؤكد مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لشركة “ريان إير” على الحاجة إلى منافسة قوية ليس فقط للطلبات، ولكن أيضا للتقدم التكنولوجي، ويقول “من المهم للغاية أن يكون لدينا بوينغ قوية وأن يكون لدينا إيرباص قوية”، وفقا لما نقلته عنه الصحيفة.
لكن فايننشال تايمز تؤكد أن المخاطر كبيرة، ونضال شركة بوينغ يمتد إلى ما هو أبعد من أزمتها الفردية، فهو ينتشر عبر سلسلة التوريد في مجال الطيران، ويؤثر على عملاء شركات الطيران، مشيرة إلى أن الحاجة الملحة لشركة بوينغ لاستعادة ما فقدته أصبحت واضحة، حيث تفوقت شركة إيرباص في مبيعاتها على بوينغ بنسبة اثنين إلى واحد في سوق الطائرات ذات الهيكل الضيق.
منافسون جدد في الأفق
أدى ظهور شركة الطائرات التجارية الصينية (كوماك) إلى تقديم بطاقة بدل في لعبة قوة الطيران وفقا للصحيفة. وتهدف شركة الطيران الصينية المدعومة من الدولة إلى تحدي الاحتكار الثنائي بين بوينغ وإيرباص، مع قيام طائرتها “سي 919” (C919) برحلتها الافتتاحية في عام 2023.
وفي حين أن هذا يمثل علامة فارقة مهمة لطموحات الصين، لكن الشكوك لا تزال قائمة بشأن قدرة كوماك على أن تكون منافسا حقيقيا.
لكن اعتماد كوماك على الموردين الغربيين للحصول على المكونات الحيوية، إلى جانب الحاجة إلى الموافقات التنظيمية الأجنبية، يسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الوافدون الجدد وفقا لخبراء تحدثت إليهم الصحيفة.
وعلى الرغم من تطلعات الصين للمطالبة بحصة كبيرة في سوق الطيران العالمي، فإن مسار كوماك لا يزال غير مؤكد.
وتحوم شركات أخرى في المضمار، مثل شركة إمبراير البرازيلية، التي من الممكن أن تتوسع وهي الرائدة في مجال الطائرات الإقليمية، في سوق الطيران المدني.
ومع ذلك، فإن مسار شركة بومباردييه، بطلة الصناعة الكندية السابقة، تؤكد على المخاطر المرتبطة بتحدي الاحتكار الثنائي بين بوينغ وإيرباص.
معضلة الابتكار في بوينغ
تقدر الصحيفة أن شركة بوينغ تقف على مفترق طرق، وتواجه تدقيقا متزايدا وضرورة السير في طريق التعافي. يقترح خبراء الصناعة أن خلاص بوينغ يكمن في تطوير طائرة جديدة ذات ممر واحد. ومع ذلك، فإن هذا الاقتراح يثير تحديات كبيرة، منها تمويل مثل هذا التطوير ومعالجة الطلبات الحالية لطائرات ماكس المتعثرة.
وتؤكد فايننشال تايمز أن تطور مشهد الطيران يعتمد على قدرة بوينغ على التعافي، فيما يؤكد مراقبو الصناعة على المدى الطويل أن شركة بوينغ يجب أن تستجيب بسرعة لتظل قوة وازنة، بإمكانها تحقيق التوازن بين عمالقة الصناعة، بوينغ وإيرباص، وهو ما سيشكل مسار صناعة الطيران لسنوات قادمة.
وبينما تفكر شركة بوينغ في خطوتها التالية، تتردد أصداء الدعوة إلى الابتكار والمنافسة في جميع أنحاء الصناعة. وفي حين أن الاحتكار الثنائي لا يزال سليما في الوقت الراهن، فإن التحولات الضخمة الناجمة عن مشاكل بوينغ وظهور المنافسين المحتملين تؤكد الطبيعة الديناميكية لديناميات قوة الطيران العالمية.
وتختم الصحيفة بقولها إن مستقبل الطيران العالمي يقف عند منعطف حرج، وسواء تمكنت بوينغ من استعادة مكانتها، أو في حال ظهر منافسون جدد، فإن مستقبل الصناعة يتجه نحو إعادة التشكيل، والأمر الوحيد المؤكد، أن السماء ليست صافية كما بدت من قبل، والاضطرابات التي تواجهها بوينغ يتردد صداها عبر نسيج قطاع الطيران العالمي بأكمله.