لهذه الأسباب المالية.. إسرائيل ستوقف حربها على غزة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

عندما أطلقت إسرائيل حربها على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت تُمنّي نفسها بهزيمة المقاومة في أسرع وقت ممكن، لكن المقاومة كان لها رأي آخر.

فصمودها- ومعها أهل غزة والشعب الفلسطيني- بعْثر حسابات تل أبيب وجعلها تنزف ماليا دون أن تحقق أي نصر يذكر، اللهم إلا قتل المدنيين الأطفال منهم والنساء، وتدمير المستشفيات والمدارس والمباني على رؤوس الأبرياء تعويضا على خيباتها العسكرية.

أكثر من شهر ونصف الشهر وإسرائيل تحاول أن تنهي المعركة لصالحها دون جدوى، وفي كل يوم تتأخر فيه تخسر مئات الملايين من الدولارات نفقات دفاعية فقط، بجانب ملايين أخرى تُدفع إلى جنود الاحتياط الذين استدعتهم للحرب، وتعويضات للمؤسسات والشركات التي تضررت بسبب نقص العمالة والوضع الاقتصادي المتردي، ونفقات أخرى لعشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين أُجلوا من غلاف غزة وشمال إسرائيل على الحدود مع لبنان.

وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل قد تتكبد خسائر ما بين 51 و60 مليار دولار إذا طالت الحرب إلى ما بين 8 أشهر إلى سنة كاملة، وهو ما يمثل نحو 10% من الناتج المحلي لدولة الاحتلال.

فهل تجبر الخسائر المالية الكبيرة إسرائيل على وقف الحرب على قطاع غزة؟

تكلفة جنود الاحتياط

عندما بدأت الحرب، استدعت إسرائيل 400 ألف من جنود الاحتياط لدعم خططها في مواجهة المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

أعداد باتت تشكل عبئا ليس على ميزانية الدفاع الإسرائيلية فحسب، بل على الاقتصاد ككل. هنا تنقل صحيفة “واشنطن بوسطت” الأميركية عن مسؤولين إسرائييين قولهم، إن تل أبيب تتوقع استمرار الحرب على غزة لمدة 3 أشهر؛ لأن استمرارها أكثر من ذلك سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإسرائيلي، بسبب العدد الكبير لجنود الاحتياط.

وبلغة الأرقام، فإن جنود الاحتياط يكلفون ميزانية الاحتلال 1.3 مليار دولار رواتب شهرية، ليس هذا فحسب بل إن أرقام القسم الاقتصادي لاتحاد أرباب الصناعة تتحدث عن أن سوق العمل في إسرائيل يتكبد أسبوعيا 1.2 مليار دولار على خلفية تعطل جهات العمل بقطاعات إنتاجية وخدمية متعددة بسبب غياب هؤلاء الجنود.

هذه الكلفة الكبيرة حملت تل أبيب على دراسة إمكانية تقليص عدد قوات الاحتياط، كما تنقل هيئة البث الإسرائيلية، في حين قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إن الجيش الإسرائيلي سرّح الآلاف من هذه القوات في الأيام الأخيرة دون إعلان رسمي.

تكلفة الدفاع

عامل ثانٍ قد يضغط على إسرائيل لإنهاء حربها على غزة، ويتعلق الأمر بالتكلفة اليومية لنفقات الدفاع التي قُدّرت حتى الآن بأكثر من 260 مليون دولار، وقد تزيد مع استمرار مدة الحرب، وهذا ما أشار إليه تقرير لوكالة بلومبيرغ حذّر من أن هذه التكلفة مرشحة للارتفاع، مما سيضغط على المالية العامة لإسرائيل.

وبحساب يسير تكون تل أبيب قد أنفقت ما بين 10 إلى 12 مليار دولار حتى الآن، وهو مبلغ يعادل نحو 25% من الخسائر الإجمالية المتوقعة منذ البداية.

وتقول صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية الإسرائيلية في تقرير سابق لها، إن نصف تكلفة الحرب على غزة ستذهب إلى نفقات الدفاع (نحو 25 مليار دولار)، بينما ستصل الخسائر على صعيد الإيرادات 16 مليار دولار، ونحو 5 مليارات على شكل تعويضات للشركات، و5 مليارات أخرى سيتكبدها الاحتلال بسبب إعادة التأهيل.

العجز المالي

لمواجهة هذه التكلفة العالية للحرب وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على دولة الاحتلال، اضطرت تل أبيب إلى استدانة ما بين 6 إلى 8 مليارات دولار لتغطية عجز في الموازنة قُدّر بنحو 6 مليارات دولار خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي فقط، أي بزيادة تقارب 400% على أساس شهري.

وتخطط إسرائيل لاقتراض مزيد من الأموال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، لمواجهة عجز مالي ينتظر أن يتفاقم كثيرا في ظل حرص رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على “فتح الصنابير”، وفق تعبيره لتمويل تكاليف الحرب.

هذا الوضع دفع نتنياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش إلى اقتراح تعديل على موازنة 2023 رغم أنه لم يتبق على نهايتها إلا بضعة أسابيع.

ويسمح هذا الاقتراح بمزيد من التمويل للحرب على غزة، وإن كان على حساب زيادة العجز في الموازنة بمبلغ يقدر بـ8 مليارات دولار.

وهذا العجز الكبير هو ما دفع البنك المركزي الإسرائيلي إلى التحذير من أن يؤدي تعميقه إلى توجيه ضربة قوية للاقتصاد الإسرائيلي، الذي خرّت قطاعاته الحيوية كثيرا، خاصة القطاع الصناعي وقطاعات السياحة والطيران والطاقة.

هنا تشير تقديرات وكالة ستاندرد آند بورز إلى أن الناتج المحلي لإسرائيل سينكمش بـ5% خلال الربع الأخير من العام الحالي على أساس ربعي، بينما يتوقع بنك “جي بي مورغان” انكماشا بـ11% خلال الربع الأخير على أساس سنوي.

أما وكالة موديز للتصنيف الائتماني فترجح انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 1.5% العام القادم، مع غياب 18% من القوى العاملة في إسرائيل خلال الحرب، كما تتوقع أن يتسع عجز الميزانية إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي العام الحالي.

ولن يقف تأثير الحرب الحالية على موازنة العام الحالي، بل سيمتد ذلك إلى موازنة 2024، حيث توقعت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن يتضاعف هذا العجز المالي 3 مرات العام المقبل، مع ارتفاع حجم الإنفاق العسكري على حرب غزة، في حين تتوقع وكالة موديز أن يصل العجز إلى 7% من الناتج المحلي العام القادم.

تصنيف إسرائيل

مخاوف البنك المركزي الإسرائيلي وعدد من المختصين بشأن التأثيرات السلبية للحرب على الشيكل، ودورها في رفع معدلات التضخم والعجز المالي هي نفسها العوامل التي قيّمت في ضوئها وكالات التصنيف الائتماني العالمية الوضع الاقتصادي لإسرائيل.

وبسبب ذلك خفّضت وكالة ستاندرد آند بورز نظرتها المستقبلية لاقتصاد دولة الاحتلال من مستقرة إلى سلبية، وسط ارتفاع المخاطر المحدقة بسبب الحرب، محذّرة في الوقت نفسه من التداعيات السلبية لاستمرار هذه الحرب.

كما وضعت “فيتش” للتصنيف الائتماني تصنيف إسرائيل تحت المراجعة السلبية، وسط خسائر متوقعة لاقتصادها بسبب الحرب على قطاع غزة.

أما وكالة موديز فحذرت من تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل في حالة تصاعد الصراع العسكري الحالي بشكل كبير أو انتشاره خارج حدود إسرائيل.

ومن دون شك فإن أي تعديل في تصنيف إسرائيل سيؤثر في جاذبيتها للاستثمارات الخارجية، ويرفع من تكلفة اقتراضها من الخارج، ويرفع تكلفة تأمين السندات السيادية ضد العجز، ويؤثر في أسواقها المالية، ويدفع اقتصادها إلى مزيد من الركود ليضاعف من متاعبه.

هكذا يبدو أن إسرائيل لن يكون بمقدورها الاستمرار في عدوانها على غزة وقتلها الأبرياء؛ لأن ذلك يعني مزيدا من الخسائر الاقتصادية، ومزيدا من تدمير صورتها المالية في الأسواق العالمية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *