لماذا تركز المنظمات الدولية على خسائر فلسطين والعرب الاقتصادية دون ما تتكبده إسرائيل؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

لم تتوقف المؤسسات الاقتصادية ذات الطابع الدولي كالبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي منذ اندلاع حرب إسرائيل على قطاع غزة. عن إصدار التقارير والتصريحات عن مدى تأثر الاقتصاد في قطاع غزة والضفة الغربية، وحتى دول جوار الحرب (الأردن ومصر ولبنان) جرّاء الحرب. لكن هذه المؤسسات لم تشر إلى تقييمات بشأن الخسائر لاقتصاد إسرائيل رغم ضخامتها.

البنك الدولي

وذكر البنك الدولي في مذكّرة اقتصادية خلال الشهر الماضي أن الاقتصاد الفلسطيني شهد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، إحدى أكبر الصدمات الاقتصادية المسجلة في التاريخ الاقتصادي الحديث، ففي غزة، على وجه التحديد، هوى الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 80% في الربع الأخير من عام 2023.

وأشار إلى أن جميع الأنشطة الاقتصادية في غزة توقفت تقريبا، مع عدم وجود مؤشرات تذكر على حدوث تحسن في أي وقت قريب.

وبحسب التقرير، فإنه في حين أن الضفة الغربية لم تشهد تدميرا للأصول الثابتة، فإن اقتصادها تأثر بشدة من جراء الآثار المتتابعة الناجمة عن “الصراع”. والأهم من ذلك، أن الجمع بين القيود المتزايدة على الحركة والوصول التي تفرضها حكومة إسرائيل داخل الضفة الغربية والتي تمنع العمال من الوصول إلى أماكن عملهم وإلغاء تصاريح العمل لأكثر من 170 ألف عامل فلسطيني، أثر بشكل كبير على الضفة الغربية.

كما أدى تراجع نشاط التجارة والقطاع الخاص في الضفة الغربية، وانخفاض الدخل بسبب فقدان الوظائف والتخفيضات المؤقتة في الرواتب العامة، إلى انكماش اقتصادي يقدر بنحو 22% في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأخير من عام 2023، مع انكماش 2.5% للسنة بأكملها، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

صندوق النقد

لم تختلف تقييمات صندوق النقد الدولي لأداء الاقتصاد الفلسطيني، وفق ما جاء على لسان المديرة العامة للصندوق، كريستالينا غورغييفا في منتدى المالية العامة للدول العربية، في فبراير/شباط الماضي، لكنها أضافت بعدا إقليميا جراء الحرب على غزة، إذ توقعت أن تتباطأ اقتصادات الشرق الأوسط في 2024.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي ركّز برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير على النتائج الأولية للحرب على اقتصادات كل من الأردن ومصر ولبنان، وأعلن عبد الله الدردري الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه بناء على دراسة فإن الكُلفة الاقتصادية للحرب على الدول الثلاث قد ترتفع إلى ما لا يقل عن 10 مليارات دولار في عام 2023، وتدفع أكثر من 230 ألف شخص إلى براثن الفقر.

وردا على سؤال للجزيرة نت” بشأن الخسائر المرجّحة لاقتصاد إسرائيل، قال الدردري إنه غير مخوّل بالرد بالنظر إلى أنه يختص بالمنطقة العربية التي أجريت الدراسة الأممية على 3 من بلدانها بتكليف من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وبشأن التوقعات الاقتصادية في الربع الأول من السنة الحالية وجهت الجزيرة نت سؤالا لكل من صندوق النقد والبنك الدوليين، وقال الصندوق إنه سيرد في أقرب فرصة في حين لم يستجب البنك.

خسائر إسرائيل

وأظهر تقدير أولي لمكتب الإحصاءات الإسرائيلي المركزي بعد نحو 50 يوما من انتهاء 2023 أن اقتصاد إسرائيل انكمش بنسبة 19.4% على أساس سنوي في الربع الأخير من السنة، متضررا من الحرب التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة.

وذكر المكتب أن الانكماش المسجل في الربع الأخير، جاء مدفوعا بتدهور القطاعات كافة، في وقت تراجع فيه مستوى الاستثمار بنسبة 70%.

وحسب البيانات، تباطأ النمو الاقتصادي لإسرائيل إلى 2% لعام 2023 بأكمله مقارنة مع 6.5% عام 2022.

وتوالت خلال الفترة الأخيرة مؤشرات تراجع الاقتصاد الإسرائيلي، فقد وافقت لجنة المالية في الكنيست (برلمان إسرائيل) على مقترح لرفع عجز موازنة 2024 من 2.25% إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة زيادة الإنفاق للمساعدة في تمويل الحرب على غزة.

وتمهد موافقة اللجنة الطريق لإجراء تصويت بالكنيست بالكامل في الأسابيع المقبلة.

ونقلت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية يالي روتنبرغ، الأسبوع الماضي قوله إن إسرائيل تخطط لاستدانة 60 مليار دولار في السنة الحالية وتجميد التوظيف الحكومي وزيادة الضرائب بعد أن تضاعف إنفاقها العسكري تقريبا جراء حربها على قطاع غزة.

وقال روتنبرغ إن العامل الأساسي في استعادة صحة الاقتصاد الإسرائيلي هو تسريح جنود الاحتياط، وإن نحو خُمس من تم استدعاؤهم هم الذين ما زالوا يحاربون (أي نحو 60 ألفا)، متوقعا أن يتراجع العدد إلى ما بين 30 و40 ألفا بنهاية مارس/آذار المقبل، خاصة أن حدة المعارك كانت “في تراجع”، على حد قوله.

تحيز

في خضم الحرب التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتأثير الاقتصادي السلبي على أطرافها يبرز السؤال: لماذا تركز المؤسسات الدولية على خسائر الاقتصادات العربية من الحرب من دون التعرض لخسائر إسرائيل؟

ويقول الخبير الاقتصادي، مصطفى عبد السلام لـ”الجزيرة نت” إن ثمة تحيزا واضحا من قبل المؤسسات الدولية تجاه الاقتصاد الإسرائيلي المتعثر بسبب كلفة الحرب الباهظة على غزة والتي فاقت 50 مليار دولار والخسائر التي مني بها مع استدعاء ما يزيد على 300 ألف من جنود الاحتياط واضطرابات البحر الأحمر.

ويضيف أن هذا التحيز ظهر بشكل واضح في تأخر مؤسسات التصنيف العالمية خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل لمدة تجاوزت 4 أشهر رغم قيام المؤسسات نفسها بخفض تصنيف روسيا عقب أيام قليلة من الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وأشار إلى أن هذا التحيز ظهر كذلك من قبل هذه المؤسسات والتي شاركته فيها وكالات الأنباء والمؤسسات الإعلامية الغربية في تجاهل الكشف عن الخسائر الفادحة التي تعرض لها اقتصاد دولة الاحتلال بسبب الحرب والكلفة الباهظة للحرب والعجز المزمن في الموازنة العامة والإيرادات الحكومية خاصة من الضرائب، مع تكثيف التغطية لخسائر الاقتصاد الفلسطيني وإظهاره بمظهر الهش والضعيف.

ورأى عبد السلام أن هذا التحيز له ما يبرره، إذ إن تلك المؤسسات سواء المالية أو الإعلامية مملوكة لحكومات وشركات ومستثمرين غربيين يدعمون إسرائيل في حربها “الإجرامية” على قطاع غزة، أو تخضع إداراتها ومجالس إداراتها لسيطرة أميركية أوروبية كما هو الحال مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وكذا المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، على حد قوله.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *