أعلنت المفوضية الأوروبية اليوم الأربعاء أن فرنسا و6 دول أخرى في الاتحاد الأوروبي ستواجه إجراءات تأديبية لتجاوز حدود العجز في الميزانية. وسيتم تحديد المواعيد النهائية لخفض هذا العجز في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة من قبل الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي إلى تقييد أي خطط إنفاق إضافية من قبل الحكومة الفرنسية الجديدة التي ستخرج من الانتخابات المقررة في الفترة من 30 يونيو/حزيران إلى 7 يوليو/تموز المقبل.
ووفقا للقواعد التي تم إصلاحها، لا يجوز للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تراكم ديونا تتجاوز 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويتعين على دول الاتحاد المثقلة بالديون والتي تتجاوز مستويات ديونها 90% من الناتج المحلي الإجمالي أن تخفض نسبة ديونها بواقع نقطة مئوية واحدة سنويا، وعلى الدول التي تتراوح مستويات ديونها بين 60% و90% أن تخفض نسبة ديونها بواقع نصف نقطة مئوية.
وهذا من شأنه أن يمنع حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان، الذي يتصدر حاليا استطلاعات الرأي، من الوفاء بوعوده بزيادة الإنفاق العام وخفض سن التقاعد.
اضطرابات سياسية واقتصادية
وأدت الانتخابات المبكرة، التي دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب النتائج الضعيفة لحزبه في انتخابات البرلمان الأوروبي، إلى إدخال فرنسا -ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا- في حالة من الفوضى السياسية. وقد أدى عدم الاستقرار هذا إلى زيادة تكاليف الاقتراض الفرنسية في أسواق السندات.
وتشمل الدول الأخرى التي حددتها المفوضية الأوروبية كلا من بلجيكا وإيطاليا والمجر ومالطا وبولندا وسلوفاكيا.
ويُعزى هذا العجز في المقام الأول إلى تداعيات جائحة كورونا وأزمة أسعار الطاقة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022.
إيطاليا تستجيب وتداعيات أوسع
وطمأنت إيطاليا، صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي والتي تبلغ ديونها مستوى 138% من الناتج المحلي الإجمالي ونموها أقل من 1%، الأسواق بالتزامها بالإدارة المالية المسؤولة.
وقال وزير الاقتصاد جيانكارلو جيورجيتي “نحن ندرك أنه في ظل السياق الذي نجد أنفسنا فيه من الضروري الحفاظ على نهج مسؤول في تخطيط وإدارة سياسة الميزانية”.
ويمثل هذا أول استخدام لإجراءات العجز المفرط في الاتحاد الأوروبي منذ تعليقها في عام 2020 بسبب وباء كورونا. ومنذ ذلك الحين، تم إصلاح القواعد المالية لتأخذ في الاعتبار الحقائق الاقتصادية الجديدة المتمثلة في ارتفاع الديون في مرحلة ما بعد الجائحة.
فرنسا وتحديات الميزانية
وبلغ عجز ميزانية فرنسا 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، ومن المتوقع أن يتقلص قليلا إلى 5.3% هذا العام، ولا يزال أعلى من الحد الأقصى للاتحاد الأوروبي البالغ 3%.
وبلغ الدين العام الفرنسي 110.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 112.4% هذا العام و113.8% بحلول عام 2025، أي ما يقرب من ضعف الحد الأقصى الذي وضعه الاتحاد الأوروبي عند 60%.
وستقترح المفوضية خطة مدتها سبع سنوات على باريس لخفض ديونها، ومن المقرر أن تبدأ المناقشات قريبا. وأشار مسؤول بوزارة المالية الفرنسية إلى أن “أي حكومة سيتم تشكيلها بعد انتخابات السابع من يوليو/تموز المقبل ستواجه التزاما بالعمل مع المفوضية لتحديد إستراتيجية متوسطة المدى”.
مخاوف وشكوك في الاتحاد الأوروبي
ومع تقدم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في استطلاعات الرأي، قد يواجه الاتحاد الأوروبي حكومة فرنسية متشككة في جدوى الاتحاد وتسعى إلى تخفيف السياسات المالية.
وأثار موقف لوبان الاقتصادي “فرنسا أولا” مخاوف بين الأسواق المالية القلقة بالفعل بشأن المالية العامة في البلاد.
وحذر ليو بارينكو، الخبير الاقتصادي في جامعة أكسفورد، في حديث لرويترز من أن الأزمة السياسية يمكن أن تعرقل ضبط الأوضاع المالية المخطط له. وقال بارينكو “من غير المرجح أن يتمكن البرلمان المنقسم من الاتفاق على تخفيضات الإنفاق الصعبة سياسيا، مما قد يؤدي إلى عجز أعلى من خط الأساس الحالي لدينا”.
وأدت حالة عدم اليقين السياسي إلى بيع المستثمرين الأصول الفرنسية، مما تسبب في أن تشهد عوائد السندات الفرنسية أكبر ارتفاع أسبوعي لها منذ عام 2011 وانخفاض أسهم البنوك.
ومن المرجح أن يكون ضغط المستثمرين حاسما في ضمان التزام الحكومات بمسارات الدمج المتفق عليها مع المفوضية.
وقد أشارت السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي إلى أنها لن تفرض عقوبات على الأهداف المفقودة. ومع ذلك، من الناحية النظرية، قد يؤدي الفشل في توحيد الموارد المالية إلى انقطاع أموال الاتحاد بعد الوباء وغيرها من أشكال الدعم المالي، والتي قد تصل إلى مليارات اليوروات.
صرح مسؤولون في الاتحاد الأوروبي بأنه بسبب العجز وارتفاع الديون الناتجة عن الصدمات الخارجية وليس فشل السياسات الفردية، فإن إمكانية فرض غرامات على الحكومات لا تنطبق حاليًا.