بغداد- يعاني العراق من تراجع حاد في قطاع الصناعة، وذلك بعد أن كانت البلاد تتمتع بصناعات ثقيلة متطورة قبل 3 عقود، ويرجع السبب في ذلك إلى الأحداث السياسية والاقتصادية التي مرت بها، بالإضافة إلى الفساد والإهمال الذي أصاب القطاع في ظل الحكومات المتعاقبة.
وبحسب إحصائيات، فإن المعامل الصغيرة تشكل قرابة 90% من إجمالي المصانع والمعامل، وهي نسبة تعكس مدى ضعف الصناعة العراقية وهيمنة الصناعات التحويلية بدلا من الإستراتيجية والثقيلة.
كما يبلغ العدد الكلي للمصانع التابعة لشركات القطاع العام في العراق نحو 227 مصنعا، في حين يبلغ عدد المصانع النشطة منها 140 فقط بحسب بيانات وزارة الصناعة والمعادن للعام 2022.
ووفقا لتلك البيانات، فإن نحو 18 ألفا و167 مشروعا صناعيا متوقفة عن العمل لأسباب مختلفة.
ويقول عضو اتحاد الصناعات العراقية المهندس عبد الحسن الزيادي إن “العراق كان يتمتع بصناعات ثقيلة وجيدة جدا، وقد وصلت إلى مراحل متقدمة في تطويرها، لكن بعد سقوط النظام السابق في عام 2003 تركت هذه الصناعة وأهملت المعامل، مما أدى إلى تدهورها بشكل كبير”.
ويضيف الزيادي خلال حديثه للجزيرة نت أن “الحصار الذي فرض على النظام السابق أتعب الصناعة العراقية، وبعد عام 2003 جاءت الحكومات الجديدة التي لم تكن تملك خبرة أو معرفة بالصناعة والزراعة، إذ كان أغلب هؤلاء يعيشون خارج البلد وليست لديهم أي معرفة بما يصنع أو ينتج العراق”.
ويشير الزيادي إلى أن “هؤلاء الحكام لم يكونوا يعلمون أهمية هذه القطاعات، بل كان اهتمامهم ينصب على الفساد الذي نجحوا من خلاله في تعطيل البلد لمدة 20 سنة دون صناعة”.
وأكد أن “هناك بوادر للتغيير في الحكومة الحالية التي يرأسها محمد شياع السوداني، إذ تبنت مشاريع بسيطة”.
قبل وبعد 2003
بدوره، سلط الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي الضوء على التحديات التي تواجهها هذه الصناعة والفرص المتاحة للنهوض بها، مشيرا إلى أنه في الفترة ما قبل عام 2003 كانت المصانع العراقية تنقسم إلى قطاعين رئيسيين: العام والخاص.
وأوضح التميمي خلال حديثه للجزيرة نت أن مصانع القطاع العام كانت تعاني من تدهور ملحوظ في خطوط الإنتاج، إذ بدأت تنهار وتصبح قديمة، ولم تكن الدولة قادرة على تحديثها وإعادة تشغيلها بجودة عالية.
18 ألفا و167 مشروعا صناعيا متوقفة عن العمل في العراق
من ناحية أخرى، كانت مصانع القطاع الخاص تشهد تفاوتا في الأداء، إذ ازدهر بعضها، في حين واجه الكثير منها مصاعب كبيرة.
وأضاف “بعد عام 2003 شهدت المصانع في كلا القطاعين تدهورا حادا، فقد تعرضت مصانع القطاع العام للنهب ثم الإهمال وعدم وجود مخصصات مالية كافية في الموازنة لضمان نجاحها، أما مصانع القطاع الخاص فقد واجهت تحديات كبيرة متعلقة بالمنافسة في السوق، إذ لم تكن صناعاتها قادرة على المنافسة مع المنتجات المستوردة، سواء من حيث الجودة أو النوعية أو التصاميم”.
وتابع “هذه الظروف أدت إلى تضاؤل النشاط الصناعي في كلا القطاعين إلى أدنى مستوياته، إذ لم تسهم هذه الصناعات سوى بنسبة لا تزيد على 1-2% من الناتج المحلي الإجمالي”.
ويضيف التميمي أنه في السنوات الأخيرة بدأ ينبثق نوع من الاهتمام بالقطاع الصناعي في العراق، إذ تم تفعيل بعض القوانين المهمة، مثل قانون حماية المنتج المحلي وقانون حماية المستهلك، وتم فرض ضرائب على البضائع المستوردة، بالإضافة إلى منع استيراد بعض المنتجات، مثل حديد التسليح والإسمنت ومواد أخرى تنتج محليا.
وبالإضافة إلى ذلك، بدأت الحكومة العراقية في تشجيع الاستثمار في بعض القطاعات الصناعية الحيوية، مثل الصناعات الدوائية، إذ توفرت فرص حقيقية للمستثمرين -برعاية الحكومة- لإنتاج مجموعة واسعة من الأدوية، كما بدأت هيئة الصناعات الحربية في الانفتاح على عقد شراكات مع القطاع الخاص وفتح عشرات المعامل والمصانع.
ووفقا للتميمي، فإن ما نشهده الآن هي خطوات أولى نتمنى أن تستمر بالوتيرة نفسها، مؤكدا على أهمية اهتمام الحكومة بقطاع الصناعات النفطية والبتروكيميائية، على اعتبار أن العراق يتمتع بموارد نفطية وفيرة، ومن الضروري تطوير هذه الصناعات وجعلها محركا رئيسيا للاقتصاد العراقي.