يهدد قانون “استعادة الطبيعة” -الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي، والذي يرمي إلى معالجة تغير المناخ والحفاظ على التنوع البيولوجي- تجارة عالمية تقدر سنويا بنحو 110 مليارات دولار، وهي تمس اقتصادات في جميع أنحاء العالم، والموردين الذين يكافحون لاستيعاب حقيقة سعي أوروبا إلى أن تصبح أكثر مراعاة للبيئة، وفق ما ذكرت وكالة بلومبيرغ الاقتصادية.
7 سلع
وبحلول نهاية العام، سيُطلب من الشركات الكبرى العاملة في 7 سلع أساسية (القهوة والكاكاو وفول الصويا وزيت النخيل والماشية والمطاط والخشب)، إثبات أن الأشخاص في سلاسل توريدها لم يعملوا في الأراضي التي تمت إزالة الغابات منها بعد عام 2020، بشكل قانوني أو غير قانوني.
ويعني هذا أن كل حبة قهوة، وذبيحة من الماشية ولوح الخشب، إلى جانب أشياء مثل الشوكولاتة وإطارات السيارات والكتب، ستحتاج إلى أن يتم تعقبها إلى المواقع الدقيقة التي جُلبت منها، أو سيفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات ثقيلة، وفق ما ذكرت بلومبيرغ .
ويوجد أكثر من 55 دولة تصدر كل منها بما لا يقل عن 100 مليون دولار سنويا من البضائع إلى الاتحاد الأوروبي والتي ستتأثر بالقانون، وسيعتمد التأثير على السلع التي يشحنونها، ومن يشتريها، وما إذا كان ثمة معطيات للتعامل مع رسم خرائط المزرعة وجميع الأعمال الورقية اللازمة، لكن يوجد محاذير من ارتفاع الأسعار للمستهلكين في أوروبا.
ويزيد ثقل المهمة في صناعة القهوة، وهي أقل ارتباطا بإزالة الغابات من زيت النخيل أو الماشية أو فول الصويا، ولكنه يعتمد أكثر على ملايين المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة المنتشرين في عشرات البلدان، ويفتقر كثيرون إلى الوسائل التي تثبت قدرتهم على الامتثال للقانون.
تحد عالمي
قالت إليزابيث تيغ، مديرة المرونة المناخية في (روت كابيتال)، وهي مستثمر مؤثر يدعم صغار المزارعين في المراحل الانتقالية، “بدأنا في رؤية حجم هذا التحدي في جميع أنحاء العالم.. الجميع يحاول التدافع والاستجابة لواقع القانون الأوروبي”.
وتصدّر إندونيسيا كميات كبيرة من 5 سلع من جملة السبع سلع التي سيطبق عليها القانون، إذ تعد أكبر منتج لزيت النخيل في العالم، وثاني أكبر مصدر للمطاط، وواحدة من أكبر منتجي القهوة.
وأعربت حكومة جاكرتا عن قلقها إزاء نهج تطبيق قاعدة واحدة على الجميع، الذي يتبعه الاتحاد الأوروبي ويهدد بتقويض الاقتصادات من خلال استبعاد المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة من أكبر كتلة تجارية في العالم.
وقالت المديرة التنفيذية لمركز التجارة الدولية باميلا كوك هاملتون الذي يعمل مع الاقتصادات الضعيفة “ثمة خوف شديد لدى البلدان بشأن ما سيعنيه هذا بالنسبة لصادراتها، وبالتالي أرباحها النهائية.. لأنها ضخمة”، وفق ما نقلت عنها بلومبيرغ.
ولا أحد ينكر الحاجة إلى حماية الغابات، التي تشكل أهمية بالغة لخفض نسبة الكربون في الغلاف الجوي، فوفق بلومبيرغ، في غضون 3 عقود فقط، خسر العالم ما يقدر بنحو 4.2 ملايين كيلومتر مربع من الغابات، وهي مساحة أكبر من مساحة الاتحاد الأوروبي.
وفي قمة المناخ (كوب 26) في غلاسكو عام 2021، تعهدت أكثر من 100 دولة بوقف هذا الأمر وزيادة مساحة الغابات، وفي حين خفف البعض من التزامه بالأمر، فإن تمسك الاتحاد الأوروبي بالوعود، بحجة أنها مسألة مصداقية بعد حصولها على دعم شعبي ساحق.
ويسلط التكيف مع القواعد الجديدة الضوء على حجم التحدي المتمثل في تقديم السياسات البيئية الخضراء، والتي يواجه بعضها بالفعل ردة فعل عكسية، ومنذ أن دخل التشريع حيز التنفيذ في يونيو/حزيران الماضي، أدى هذا التشريع في بروكسل إلى دعوات لتأجيل تطبيقه، والعديد من رسائل القلق بشأن تنفيذه، وضغوط شديدة من الحكومات.
وأعربت مجموعات صناعية متنوعة، مثل محامص البن، وصانعي الأرضيات الخشبية، والطابعات، والمزارعين، عن مخاوفها بشأن تنفيذ القانون، وهو مصدر قلق متزايد.
وطلبت دول مثل أستراليا التأجيل حتى يتم فهم المتطلبات بشكل جيد بما فيه الكفاية، وألقى التجار باللوم على الاتحاد الأوروبي في زيادة أسعار الكاكاو هذا العام، وحذرت الدول المنتجة للبن من نقص محتمل في أوروبا.
وفي الأسابيع الأخيرة، أعربت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن قلقها من عدم حصول مزارعيها وشركاتها على الوقت الكافي للاستعداد، ودعت إلى “مراجعة سريعة” وتمديد فترة التنفيذ.
تحديد المواقع
وفي الوقت نفسه، يجري السباق لإثبات أن المزارع لم تشارك في إزالة الغابات وتلتزم بالقوانين المحلية، تنشغل الشركات والحكومات والتعاونيات الزراعية في تحديد الموقع الجغرافي للأراضي حول العالم.
وبحسب بلومبيرغ، يشرف توماس فاسن مدير شركة ميريديا لاند على عملية شاقة للتحقق من البيانات من أكثر من 35 دولة، وخرائط للمزارع في إندونيسيا وساحل العاج وغانا، لصالح الشركات العاملة في الاتحاد الأوروبي.
ويزداد الإقبال على الشركة من قبل بعض أكبر العلامات التجارية الاستهلاكية والشركات منها يونيليفر ومونديليز إنترناشيونال وكارغيل ولولي دريفس، على سبيل المثال لا الحصر.
ويقول فاسن إن عدد عملاء الشركة تضاعف منذ الإعلان عن القانون الجديد في أواخر عام 2021، وتعمل في التحقق من ملايين المزارع الأخرى.
ويقدر أن حوالي نصف المزارع المشمولة في القانون الأوروبي ربما لم يتم رسم خرائط لها، وقال فاسن “يقوم الآن الآلاف من الأشخاص بتحديد المواقع الجغرافية للمزارع حول العالم، ثمة جهد هائل مستمر.. ثمة ملايين المزارع ويجب رسم خرائطها جميعا في غضون سنوات قليلة”.