تدرس مصر طرح سندات بالعملات الخليجية، في محاولة للحصول على تمويلات بالعملة الصعبة، بعيداً عن صعوبات الاستدانة التي تواجهها القاهرة مؤخراً بسبب تدني التصنيف الائتماني لها دوليا.
ويستهدف التوجه تنويع مصادر الدين وأسواق العملات والمستثمرين، بأدوات جديدة، متزامنا مع إعلان بنك “جيه. بى. مورغان” للسندات الحكومية استبعاد مصر من مؤشرها للأسواق الناشئة مع نهاية الشهر الحالي، على خلفية “مشكلات تتعلق بقابلية تحويل النقد الأجنبية الجوهرية التي أبلغ عنها مستثمرون يتم الرجوع إليهم”، حسب بيان للبنك.
ويستدعي قرار البنك وجود إصلاحات فورية بأقصى سرعة ممكنة، وفق محللين؛ لأنه “قد يحدّ من قدرة مصر على طرح سندات دولية هذا العام، بما في ذلك السندات الخليجية”.
وجاء اتجاه مصر لأسواق السندات الخليجية، بينما كانت تتلقى دفعة دعم أميركية، بتصريحات وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، التي تعهدت خلالها بتقديم دعم من الولايات المتحدة للاقتصاد والإصلاحات في مصر.
وارتفعت السندات السيادية المصرية المقوّمة بالدولار بنحو 1.5 سنت، عقب تلك التصريحات، دون أن تتأثر فورا بخروج مصر من مؤشر “جيه. بى. مورغان”، كما لن تتأثر على المدى المتوسط، حسب محللين.
تنوع وتعدد أدوات الدين
وتحاول الحكومة ـبالاتجاه للسندات الخليجيةـ تكرار تجربة طرح سندات الباندا باليوان الصيني، والساموراي بالين الياباني، التي رأتها الحكومة ناجحة.
وحصلت مصر خلال السنوات العشر الماضية على تمويلات ومساعدات ضخمة من دول خليجية عدة، ممثلة في استثمارات كبيرة، وودائع دولارية، جرى تمديد مواعيد استحقاق بعضها.
وكشف وزير المالية المصري محمد معيط، عن مناقشات جرت بين الحكومة ومسؤولين بدول الخليج، حول مدى إمكانية طرح سندات مقومة بالعملات الخليجية.
ولم يفصح الوزير عن القيمة المستهدفة للطرح المرتقب، لكنه أوضح خلال تصريحات له بمؤتمر اقتصادي في القاهرة مؤخرا، أن طرح سندات في الأسواق الخليجية يتطلب “جهدا كبيرا وترتيبات مع مستشارين محليين ودوليين، ولجنة لتسعير السندات بالأسواق المالية في دول الخليج”.
ويعدّ إصدارات السندات في الأسواق الدولية أحد أدوات الإسهام في إطالة متوسط عمر محفظة الدين العام، وخفض تكلفة الدين الخارجي، وتنويع مصادر وأدوات التمويل والعملات وأسواق الإصدارات، وتوسيع قاعدة وشرائح المستثمرين الدوليين.
ويوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين في حديثه للجزيرة نت أن طرح السندات الخليجية هو نوع من أنواع الاقتراض، ولكن بدلا من أن يكون بالدولار، يتم بعملات يسهل تحويلها للدولار، لسداد المديونيات السابقة، مع تزايد وتيرة الاستدانة، وسط تدني تصنيف مصر الائتماني.
وتأمل الحكومة المصرية من خلال طرح السندات بعملات خليجية أن تتخطى عثرة صعوبة الاستدانة، حسب أستاذ الاقتصاد، مع تزايد الفجوة بين الموارد والنفقات في ميزانية الدولة، والمرشحة لمزيد من التزايد مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ، بتراجع عوائد قناة السويس والسياحة، وهما من أهم الموارد الدولارية لمصر، بالإضافة إلى تراجع تحويلات المصريين بالخارج، أول وأهم موارد مصر الدولارية.
ويقدر مصطفى شاهين المبالغ المأمولة من وراء تلك الطروحات بنحو 30 مليار دولار، ولكن مع زيادة الفجوة بين الموارد والالتزامات الدولارية، ربما لن تستطيع الحكومة أن تدبر المبلغ المطلوب، ومن ثم لن تُحلّ الأزمة، كما هو مأمول.
واعتادت الحكومة الحصول على مساعدات خليجية في صورة قروض وإيداعات، ما يثير التساؤل حول أسباب لجوئها هذه المرة إلى طرح سندات بعملات خليجية، ستكون فوائدها مرتفعة للغاية في الغالب، يُفسر أستاذ الاقتصاد الخطوة بأن مصر بالفعل لم تكن بحاجة للاقتراض من الخليج عبر سندات، ما دامت المساعدات الخليجية متحققة، بيد أن الأمور وصلت إلى حد لا يمكن التساهل فيه، من وجهة نظر بعض دول الخليج، حيث يدفع المواطن الخليجي فاتورة تلك القروض المجانية، التي لو جرى إيداعها في مصارف أخرى لجلبت عوائد للبلاد، أي أن “البراغماتية” يجب أن تكون حاضرة في المعاملات الاقتصادية ولو كانت بين أشقاء، وهو ما فهمته الحكومة المصرية ضمنيا، وقررت التعامل على هذا الأساس، برأيه.
ودفع تأخر دفعات القروض من صندوق النقد الدولي، القاهرة للبحث عن بدائل سريعة تسدد بها التزاماتها العاجلة، ولو بفاتورة مرتفعة، بوصف مصطفى، لن تقل عن أسعار الفوائد التي يحصل عليها المتعاملون في السوق المحلي، حيث لن يقبل ملاك الصناديق الاستثمارية في الخليج أن تحقق استثماراتهم في السندات المصرية خسائر لو كانت عوائدها منخفضة.
استنساخ التجارب السابقة
وكانت مصر قد نفّذت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الإصدار الدولي الثاني من سندات الساموراي اليابانية بقيمة 75 مليار ين ياباني (500 مليون دولار)، لأجل 5 سنوات، كما نجحت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في إصدار سندات “باندا” مقوّمة باليوان الصيني بنحو 3.5 مليارات يوان صيني (500 مليون دولار).
ورأى الكاتب والمحلل الاقتصادي ممدوح الولي أن الحكومة لن تواجه صعوبة في تسويق السندات بالعملات الخليجية، فى ضوء وجود عدد من البنوك الخليجية العاملة في الساحة المصرفية المصرية.
وأشار المحلل الاقتصادي في حديثه للجزيرة نت إلى اقتراض مصر من تلك المصارف، ومن ثم الخليجية “ستكون مسألة السندات المصرية بالخليج امتدادا لهذا الاقتراض الذي لم يتوقف، وهو يشبه ما فعلته مصر مع اليابان والصين، فلم نسمع عن اكتتاب مستثمرين يابانيين وصينيين بالسندات المصرية التي طُرحت هناك، وإنما مجرد جهة مصرفية موّلت تلك السندات التي طُرحت هناك”.
وفي ضوء “تدني” التصنيف الائتماني لمصر لدى وكالات التصنيف الأميركية الثلاثة: فيتش وموديز وستاندر آند بورز، ستكون فائدة السندات “مرتفعة”، ويتابع ممدوح الولي، كما حدث مع فائدة الصكوك السيادية المصرية التي طُرحت، ومع فائدة القرض الذي شارك به أحد البنوك البحرينية مؤخرا.
وأعرب المتحدث عن توقعاته بأن ترحب البنوك الإماراتية بتمويل تلك السندات، في ضوء وجود 5 بنوك إماراتية تعمل بمصر، ودمج أحدها مؤخرا لبنك سادس به، وسيلة لإرضاء السلطات المصرية، عسى أن يساعدها ذلك في اقتناص أحد البنوك المصرية، خاصة بنك القاهرة ذا الامتداد الجغرافي بالمحافظات المصرية، في ضوء الأرباح العالية التي تحققها البنوك الإماراتية بمصر خلال السنوات الأخيرة، وتوليها للأعمال المصرفية للاستثمارات الإماراتية المتعددة بمصر.
ويخلص ممدوح الولي استنادا للأسباب السابقة إلى أن السندات المصرية بالخليج لن تجد صعوبات كبيرة بالسوق الخليجية، لأن “الزبون موجود، والحكومة الإماراتية معززة للأمر مع انخفاض القيمة، بالقياس إلى الحجم الكبير لرؤوس أموال الصناديق السيادية الإماراتية، بالإضافة إلى الأسعار الجيدة للنفط بالأسواق الدولية حاليا.