جيبوتي تصرّ على دعم غزة رغم تأثر تجارتها البحرية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

جيبوتي- في ركن قصيّ بمطعم للمأكولات البحرية بالعاصمة جيبوتي، جلس 4 بحّارة يابانيين يحدّقون في هواتفهم المحمولة. ووسط المطعم، تتناول امرأتان فرنسيتان وجبة خفيفة، فيما شغل الطاولات الأخرى مرتادون من جنسيات مختلفة ينتمي غالبيتهم للقواعد العسكرية الرابضة بالمدينة الصغيرة.

وسط هذا المزيج، كان أحمد عبدي، الذي يعمل نادلا بالمطعم، ينتقل من طاولة إلى ثانية ومن لغة إلى أخرى، لتلبية طلبات الزبائن. وما يلفت الناظرين إليه، الكوفية الفلسطينية الكبيرة المعلقة على كتفه. وعنده سؤاله عن ارتدائها، اعتذر عن الحديث، لكنه أشار إلينا بإصبعي السبابة والوسطى في تعبير رمزي عن علامة النصر لفلسطين.

وأحمد ليس استثناء عن الجيبوتيين الذين عبروا بوسائل مختلفة عن تضامنهم ودعمهم للفلسطينيين، فيما سجّلت جيبوتي -على المستوى الرسمي- مواقف عدة داعمة لفلسطين اعتُبرت الأقوى على مستوى أفريقيا.

“إغاثة حق”

وقال وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، إن بلاده لم تُدن هجمات الحوثيين لأنها تعتبرها “إغاثة حق” للفلسطينيين، مشيرا إلى تحفّظها على المشاركة فيما يسمى بعملية “حارس الازدهار”.

كما كشف رئيس الوزراء عبد القادر كامل، عن رفض بلاده طلبا أميركيا بنصب منصة صواريخ لاستهداف الحوثيين في اليمن. وأعلنت جيبوتي تأييدها الكامل للدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.

لكن في الوقت ذاته، أعربت جيبوتي -أكثر من مرة- عن مخاوفها وقلقها من أن يلقي التوتر في البحر الأحمر بتأثيرات سلبية على عمل موانئها التي تُعتبر المحرك الأكبر لاقتصاد البلاد.

بدأت جيبوتي الاهتمام بموانئها منذ مايو/أيار 1998، عندما قرر رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق ملس زيناوي توجيه كافة بضائع بلاده إلى ميناء جيبوتي بدلا من ميناء عصب الإريتري على خلفية الحرب بين البلدين حينها.

في ذلك الوقت، كان لدى جيبوتي، التي تعادل مساحتها مساحة ولاية نيوجيرسي الأميركية، طريق واحد مرصوف لم يكن له القدرة على التعامل مع حمولات الشاحنات الكبيرة، فيما كان ميناؤها القديم المنفذ الوحيد للصادرات والواردات.

وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، استثمرت جيبوتي بكثافة في تطوير بنية موانئها التحتية، وباتت تحتضن اليوم 5 موانئ تُعد الأكثر تطورا على مستوى أفريقيا، إضافة إلى طرق سريعة وشبكة قطارات كهربائية تربطها بجارتها إثيوبيا.

قلق ومخاوف

في مكتب يطل على ميناء جيبوتي القديم، كان رئيس هيئة الموانئ والمناطق الحرة، أبو بكر عمر هادي، مشغولا بالحديث مع أحد ممثلي شركات الشحن الأجنبية، قبل أن يتجه نحونا مُرحّبا ويطلب دقائق إضافية قبل إجراء اللقاء.

انتقل هادي إلى مكتبه الجديد حديثا، لا سيما أن الواجهات البحرية في البلاد باتت مكتظة بالفنادق والمرافق السياحية ومقرات الشركات والمنظمات غير الحكومية، إلى جانب عدد من القواعد العسكرية المختبئة خلف متاهة من الحواجز الخرسانية والأسلاك الشائكة.

“حتى الآن نحن بخير، لكن إن استمر التوتر، فإن أنشطة موانئ جيبوتي ستتأثر على المدى البعيد، خاصة الشحن العابر وإعادة الشحن”، بهذه الكلمات أعرب هادي، في حديثه للجزيرة نت، عن قلقه من الانعكاسات السلبية للتوتر في البحر الأحمر على بلاده.

إضافة إلى خدمة دول الجوار الحبيسة، عززت جيبوتي طوال السنوات الماضية حضورها كموانئ وسيطة لإعادة الشحن من قلب أفريقيا إلى العالم الواسع والعكس، مستفيدة من وقوعها على مرمى حجر من مضيق باب المندب، أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاما في العالم، ما أسهم في ازدهار عمليات الشحن العابر عبر موانئها التي تعتبر بمثابة حلقة وصل حيوية في السلسلة اللوجستية للملاحة البحرية.

ويؤكد رئيس هيئة الموانئ وجود حاجة لإقناع شركات الشحن الكبرى، غير المرتبطة بإسرائيل، بأن عبورها من مضيق باب المندب سيكون آمنا. وقال “يجب إقناعهم بكيفية تنفيذ ذلك والالتزام به، لا سيما أنهم يتحملون مسؤولية حمل البضائع وتسليمها، ولن يخاطروا بذلك”.

كما أوضح أنه في ظل التوتر السائد بالبحر الأحمر، اتخذت موانئ جيبوتي إجراءات جديدة لمساعدة مستخدميها وسلاسل التوريد، من أبرزها ضمان الرسو مباشرة عند الوصول للشحن العابر، وتفريغ شحنات السفن بالحد الأدنى.

زورق من البحرية الجيبوتية لتأمين الموانئ

منطقة نشطة

مع بداية كل أسبوع، تكتظ المنطقة التجارية الحرة بجيبوتي، بالكثير من ممثلي شركات التخليص الجمركي المحلية والأجنبية، فالجميع يستغل اعتدال الطقس في البلاد لإتمام أعماله قبل دخول شهر مايو/أيار حيث تزيد الحرارة على 100 درجة.

أبادر أحمد، واحد من هؤلاء. وقد تخصص في العمل مع السفن القادمة من الصين وأوروبا. يقول إن شركتي الشحن “ميرسك” و”إم إس سي”، أبلغتهم بإيقاف رحلاتهما عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر، معربا -في حديثه للجزيرة نت- عن مخاوفه من تأثيرات هذا الأمر على مرونة سلاسل التوريد وارتفاع التكاليف على المستهلك النهائي.

إلا أن الرجل بدا متفائلا بزوال الأزمة قريبا خاصة وأن طرق الملاحة البحرية من قارة آسيا -حيث الصين والهند– ما تزال آمنة ومفتوحة للتجارة، وفق تقديره.

وأوضح أحمد أنه إبان أزمة كورونا واجهت شركات التخليص الجمركي الأزمة نفسها، لكن موانئ جيبوتي اتخذت حينها إجراءات متعددة لضمان استمرارية التدفق السلس للبضائع، وتقليل فترة انتظار السفن وعمليات الشحن والتفريغ.

وتسعى جيبوتي من خلال اقتصادها المعتمد على الموانئ إلى تحقيق ما تسميها “رؤية 2035″؛ وهي إستراتيجية طموحة تسعى إلى تحقيق تنوّع اقتصادي، وتعزيز التنمية المتكاملة في بلد يعاني من ندرة الموارد الطبيعية.

كما تأمل الحكومة في أن تصبح أول دولة في أفريقيا تعتمد على الطاقة المتجددة، من خلال تسخير “رياح 50” العاتية التي تهب على جيبوتي في الفترة من يونيو/حزيران إلى أغسطس/آب، لتشغيل مزرعة رياح بقدرة 60 ميغاواتا، فضلا عن الاستفادة من الشمس القاسية، التي تضرب بقوة طوال العام، لتشغيل مشاريع الطاقة الشمسية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *