توقفت بعض المتاجر المحلية في لندن عن عرض أسعار بعض السلع منذ عامين، وقد بدأ الأمر مع بائعي الأسماك بالمتاجر الفاخرة، ولكن بعد ذلك انتشرت هذه الممارسة إلى المتاجر الصغيرة وبائعي الخضار، مع قاعدة زبائن أوسع، وإلى المشتريات اليومية مثل الفواكه والخضروات.
وكانت ثمة أزمة تكلفة معيشة مستمرة، وهي الأسوأ في بريطانيا منذ 40 عامًا، وفق ما قال الكاتب آندي بيكيت في تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية.
إنكار
أوضح الكاتب أنه بعد مرور عامين من ارتفاع الأسعار بلا هوادة، لا يزال جزء كبير من بقية البلاد في حالة إنكار؛ فالتضخم آخذ في الانخفاض ولكنه لا يزال أعلى في بريطانيا من العديد من الدول المماثلة.
ومع ذلك -كما يتابع الكاتب- فإن استطلاعات الرأي تظهر بانتظام أن ما يقرب من ثلث البريطانيين يعتقدون خطأً أن انخفاض التضخم يعني انخفاض الأسعار بشكل عام، وليس مجرد ارتفاع الأسعار بشكل أبطأ.
وأشار الكاتب إلى أن الحكومة تشجع في بعض الأحيان سوء الفهم هذا، ففي يوليو/تموز الماضي، قال ريشي سوناك لمحطة إذاعة “إل بي سي”: “إذا خفضنا التضخم، فسيكون لدى الناس المزيد من الأموال لإنفاقها”. وبالنسبة لمستشار سابق؛ كان من المفترض أن يفهم الاقتصاد بشكل أفضل من أي شخص آخر تقريبًا، فقد بدا هذا توقعًا مفرطًا في التفاؤل.
وأفاد الكاتب بأنه يمكن تفسير تصريحات سوناك المتفائلة بشأن التضخم جزئيًا بأنها يأس سياسي، ورغم أن هذا الانخفاض لم يكن نتيجة لسياساته بقدر ما كان راجعًا إلى عوامل عالمية، مثل انخفاض ضغوط الأسعار نتيجة للحرب في أوكرانيا؛ فإن معدل الانخفاض كان واحدًا من “النجاحات” القليلة التي يمكن لرئاسته ادعائها.
وعلى الرغم من كونه زعيمًا لا يشعر عادةً بما يعتقده الناخبون، فإن موقف سوناك بشأن التضخم يتوافق مع بعض الجمهور، على الأقل من الناحية النفسية، فلقد خلقت أزمة تكلفة المعيشة واقعًا اقتصاديًّا جديدًا في بريطانيا، وهو الواقع الذي لم يقدره الكثيرون منا بشكل كامل بعد، أو ببساطة لا يريدون مواجهته.
وأضاف الكاتب أنه باستثناء عدد قليل من السلع التي يبيعها تجار التجزئة ذوو القدرة التنافسية العالية، مثل الزبدة والحليب؛ فإن أسعار معظم السلع لا تنخفض، ولا تزال تكلفة الخدمات ترتفع بسرعة وفقًا لمعايير العقود الأخيرة: بنسبة 6% سنويًّا، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية.
موجات أكثر قسوة
وتوقع الكاتب موجات تضخم أكثر قسوة مقبلة؛ إذ يحذر المزارعون من أن أسعار المواد الغذائية سترتفع بعد فترة طويلة من هطول الأمطار بمعدلات قياسية، كما أن تجميد حدود ضريبة الدخل يعني معدلات أعلى للملايين، وتتزايد ضريبة المجلس بوتيرة غير مسبوقة.
وفي الوقت نفسه، كما يضيف الكاتب، يشير الانهيار البطيء لشركة (تايمز ووتر) إلى فاتورة ضخمة في الطريق، إما إلى عملائها البالغ عددهم 16 مليونًا في جنوب إنجلترا أو إلى دافعي الضرائب بشكل عام.
وأرجع الكاتب ذلك إلى “الخصخصة الخاطئة”، وأزمة المناخ، والموارد المالية المتوترة لكل من الحكومات المحلية والوطنية، فالتضخم البريطاني هو نتاج قوى عالمية ضخمة وخيارات سياسية سيئة، وفق الكاتب.
وإلى أن تبدأ الحكومة في معالجة الرغبات غير المرضية والمصالح الخاصة التي تدعم هذا التضخم ــ على سبيل المثال، من خلال تقويض عمالقة بناء المساكن ببرنامج للمساكن الأرخص، فمن المرجح أن تظل بريطانيا مكانًا باهظ الثمن للعيش فيه.
وبالنسبة للفقراء، أدى التضخم إلى تفاقم حالة الطوارئ الاجتماعية الناجمة بالفعل عن التقشف واعتلال الصحة على نطاق واسع وركود الأجور، بحسب الكاتب.
وقال الكاتب إنه بالنسبة للطبقة الوسطى بين الأثرياء والفقراء، تغيرت النزعة الاستهلاكية، ربما إلى الأبد؛ فبدلاً من الإشباع الفوري، والعروض المنتشرة في كل مكان، أصبح التسوق يدور حول مقارنة الأسعار بعناية، ودفع الرسوم الجمركية.
قوة انتهت
ويضيف أن الشعور بالقوة الاستهلاكية الذي كان يتمتع به الملايين من المستهلكين البريطانيين من ذوي الدخل المتوسط ذات يوم انتهى، فقد كان مبنيًا جزئيًا على عجز عمال المصانع في البلدان الفقيرة، وربما كان غير مستدام بيئيا، ومع ذلك فإن قسمًا كبيرًا من المجتمع، من مراكز المدن التي يهيمن عليها التسوق إلى التجارة يوم الأحد، كان مبنيًا حولها.
وأضاف الكاتب أن إحدى الطرق لمحاولة استعادة هذا الشعور بالقوة، ولو بشكل مؤقت، هي اقتراض المال، لكن الاقتراض يسلب السلطة أيضًا. ووفقًا لتقرير من المقرر أن تصدره مؤسسة “ستيب تشينغ” الخيرية للديون؛ فإن ما يقرب من 3 ملايين عامل بدوام كامل أو واحد من كل ثمانية من القوى العاملة بدوام كامل في المملكة المتحدة، غير قادرين على مواكبة أقساطهم.
وأشار الكاتب إلى أنه عندما يتوقف أحد المتاجر عن عرض الأسعار، يمكن أن يكون ذلك وسيلة لإقناع الناس بشراء ما لا يستطيعون تحمله، أو علامة على أن الأسعار ترتفع بسرعة كبيرة بحيث لا يتمكن المتجر من مواكبتها.