الرباط- وصلت قبل أيام الأمتار المكعبة الأولى من مياه حوض سبو إلى حوض أبي رقراق، ضمن مشروع ضخم للربط المائي البيني للأحواض المائية، ويهدف إلى تخفيف أزمة المياه التي تعيشها المدن المغربية الكبرى، خاصة الدار البيضاء والرباط.
وقالت وزارة التجهيز والماء -في بيان لها- إن هذا المشروع يهدف إلى تحويل فائض مياه حوض سبو -التي كانت تصب في المحيط الأطلسي- إلى حوض أبي رقراق؛ من أجل تأمين تزويد نحو 12 مليون نسمة في محور الرباط-الدار البيضاء بالماء الصالح للشرب، وكذلك تخفيف الضغط على سد المسيرة، الذي يزود العاصمة الاقتصادية (الدار البيضاء) باحتياجها من المياه.
بدأ إنجاز المشروع -الذي أطلق عليه “الطريق السيار المائي”- في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتم الشروع في تشغيله تدريجيا ابتداء من 24 أغسطس/آب 2023 لإجراء التجارب اللازمة على المعدات وتحويل المياه بتدفق أولي لا يتعدى 3 أمتار مكعبة في الثانية، وسيتم خلال الأسابيع القادمة الزيادة تدريجيا في تدفق المياه لتصل إلى 15 مترا مكعبا في الثانية؛ مما سيمكن من تحويل حجم سنوي من فائض مياه حوض سبو يتراوح بين 350 و400 مليون متر مكعب، وفق وزارة التجهيز والماء المغربية.
وحسب المصدر ذاته، فإن تكلفة هذا المشروع تقدر بنحو 6 مليارات درهم (نحو 600 مليون دولار)، ويتكون من منشأة لأخذ الماء على مستوى سد المنع في إقليم القنيطرة (غربي المغرب) على واد سبو، و67 كيلومترا من القنوات الفولاذية بقُطر 3200 مليمتر، ومحطتين للضخ بتدفق 15 مترا مكعبا في الثانية، وحوض لإيصال الماء لبحيرة سد سيدي محمد بن عبد الله بالرباط.
مشروع استعجالي
راهنت الحكومة المغربية على إنجاز هذا المشروع في زمن قياسي، وترأس الملك محمد السادس جلسات عمل خُصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه الري، والإشراف على المشاريع الاستعجالية للمياه، ومنها مشروع الربط بين الأحواض المائية لسبو وأبي رقراق وأم الربيع.
ويأتي إنجاز هذا المشروع في الوقت الذي دق فيه ناشطون وخبراء في الموارد المائية ناقوس الخطر، بعد أن وصلت أزمة المياه إلى المدن الرئيسية، خاصة العاصمة الرباط والدار البيضاء؛ الرئة الاقتصادية للمملكة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن وزير التجهيز والماء نزار بركة حديثه في مجلس النواب عن الأزمة التي تهدد العاصمة بسبب الخلل الذي تشهده بعض المنظومات المائية؛ مما يؤثر على تزويد العاصمة والمدن المجاورة لها بالماء ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة.
أما الدار البيضاء وضواحيها، فتشهد أيضا أزمة خانقة في الموارد المائية، وتوضح الباحثة المختصة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة أميمة خليل الفن أن هذا الوضع راجع إلى زيادة الطلب على الماء بنسبة تفوق 30% مقارنة مع السنوات العشر الماضية، بسبب ارتفاع الكثافة السكانية وطبيعة الأنشطة الصناعية والاقتصادية المتمركزة فيها، مقابل تراجع هطول الأمطار وتعاقب سنوات الجفاف وتراجع منسوب السدود.
ويوفر سد سيدي محمد بن عبد الله -الذي يقع في ضواحي العاصمة الرباط- المياه لسكان الدار البيضاء الشمالية والرباط والمدن المجاورة، أما سد المسيرة فيوفر الاحتياجات المائية للدار البيضاء الجنوبية والمدن المحيطة بها.
وبلغ مخزون المياه في هذين السدين الرئيسيين مستويات حرجة وغير مسبوقة، إذ لم يتجاوز معدل ملء سد سيدي محمد بن عبد الله 15% حسب معطيات يوم 30 أغسطس/آب الماضي، في حين بلغ معدل ملء سد المسيرة 2.3%.
ويرى خبراء أن مشروع تحويل فائض الماء من حوض سبو -الذي يعد من أهم الأحواض المائية في المغرب ويتمتع بفائض مهم- نحو حوض أبي رقراق عوض أن تضيع في البحر؛ يعد مشروعا إستراتيجيا سيسهم إلى جانب محطات تحلية مياه البحر في سد العجز المائي لهذه المدن.
وتؤكد أميمة خليل الفن أن مشروع الربط المائي بين الأحواض مبتكر وسيستجيب للحاجات المائية المتزايدة للسكان في هاتين الجهتين، وكذلك اللازمة للأنشطة الاقتصادية.
تفاوت توزيع الموارد
تتوزع الموارد المائية بالمغرب -على قلتها- بشكل متفاوت، وفق أستاذ علم المناخ وباحث في قضايا البيئة والماء عبد الحكيم الفيلالي، ويستحوذ مثلا حوضا سبو واللوكوس على أكثر من 70% من الموارد المائية المعبأة في السدود.
لذلك يوضح الفيلالي للجزيرة نت أن المغرب يسعى لتوزيع الموارد المائية بشكل متوازن من خلال بناء ما يسمى “الطريق السيار المائي”، وهو عبارة عن مجموعة من القنوات تمتد من حوض سبو في اتجاه حوض أبي رقراق بهدف نقل المياه من المناطق التي تشهد فائضا إلى تلك التي تعاني من نقص حاد.
وأوضح المتحدث أن هذا المشروع يعد من أهم المشاريع الإستراتيجية التي تم إطلاقها لمواجهة الإجهاد المائي الذي ازدادت حدته في السنوات الثلاث الأخيرة.
وأضاف أنه بعد اكتمال المرحلة الأولى من المشروع ووصول المياه إلى حوض أبي رقراق لتأمين حاجة سكان الرباط والضواحي؛ فإن المشروع ما زال مستمرا لمسافة ستتجاوز 200 كيلومتر، ليمكّن من تزويد سكان مراكش بحاجتهم من المياه أيضا.
من جهتها، تؤكد أميمة الخليل ضرورة اللجوء إلى حلول مبتكرة للتعامل مع حالة الإجهاد المائي التي تشهدها المملكة وتجنب الوقوع في أزمة ندرة المياه.
وأشارت إلى أن سياسة السدود كانت في مرحلة ما سياسة مستشرفة جنّبت المغرب حينها تبعات سنوات الجفاف، لكنها تؤكد الحاجة اليوم إلى سياسات أخرى؛ مثل تحلية مياه البحر والربط المائي بين الأحواض المائية، وأيضا ترشيد الموارد المائية والاستثمار في هذا القطاع.
ويصنف المغرب ضن البلدان التي تعاني من الإجهاد المائي؛ إذ تبلغ حصة الفرد من المياه أقل من 650 مترا مكعبا سنويا، مقابل 2500 متر مكعب عام 1960، ومن المتوقع أن تنخفض هذه الكمية لأقل من 500 متر مكعب بحلول عام 2030.
ويبلغ المتوسط العالمي لحصة الفرد من الماء 6750 مترا مكعبا في السنة، وفق منظمة الصحة العالمية، أما خط الفقر المائي العالمي فيقدر بنحو 1000 متر مكعب من المياه سنويا.