الإسكندرية- تثير قضية بيع وشراء سلع وخدمات بالدولار (الدولرة) جدلا في مصر بين الفينة والأخرى، كونها تخالف القانون المصري، الذي يحظر التعامل بغير العملة المحلية داخل البلاد.
ومع بداية فصل الصيف تجدد الجدل هذه المرة في منطقة الساحل الشمالي، والتي تعد واحدة من أبرز الوجهات السياحية في البلاد بعد أن تحولت إلى ساحة لظاهرة التعامل بالدولار في كثير من العمليات المالية، بدلا من الجنيه المصري الذي انخفضت قيمته أمام العملات الصعبة بنسبة 40% مع التعويم الأخير، إذ كان سعر الدولار في البنوك 31 جنيها، حتى أوائل شهر مارس/آذار 2024، قبل أن يتراجع إلى أقل من 47 جنيها بقليل حاليا.
وخلال الفترة الماضية، وجد كثير من المواطنين أنفسهم محاصرين في عالم موازٍ يسوده الدولار بعد أن انتشرت إعلانات لشركات ووسطاء عن طرح بيع أو إيجار وحدات سكنية بالدولار، بدلا من الجنيه، وتصاعد الترويج على منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الخاصة بالوحدات المعروضة للإيجار، والتي يطلب أصحابها التسديد بالعملة الأجنبية أو بما يعادلها بالجنيه المصري.
ووفق صحف محلية، حذر أعضاء في البرلمان المصري من مغبة انتشار هذه الظاهرة التي تؤدي إلى أزمات اقتصادية داخل السوق المصري، فيما تقدم أحدهم بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس الوزراء، ووزير المالية، بشأن انتشار ظاهرة بيع المنتجات في السوق المحلية بالعملات الأجنبية بدلا من عملتهم الوطنية أو (الدولرة).
اتساع الظاهرة
يقول صافي سرور، صاحب شركة مستلزمات طبية للجزيرة نت، إنه يريد وأسرته الاستمتاع بقضاء عطلة صيفية في الساحل الشمالي، لكنه يواجه تحديا يتعلق بطريقة التعامل مع المؤجّرين، بسبب إصرارهم على تحصيل مستحقاتهم بالدولار بدلا من الجنيه المصري، وهو ما يعرضه وأسرته لتحديات مالية إضافية، مضيفا أن العملة الخضراء تكاد تكون السائدة كعملة تثمين في معاملات مالية مختلفة.
وأشار إلى أن الظاهرة تتسع على الرغم من أن الجنيه هو العملة الرسمية والوحيدة التي يجب أن يتم التعامل بها في مصر، وفق القوانين النافذة، التي يتجاهلها المتعاملون.
ويضيف سرور أنه مع المزيد من البحث عن وحدات يقبل أصحابها الدفع بالعملة المحلية، يجد من يرأف بحال الراغبين في الاستئجار، ويقبل التسديد بالجنيه المصري لكن بما يعادل سعر صرف الدولار.
ويقول ناجي محمد، مدير في أحد الشركات الخاصة، وأحد مستأجري الوحدات الصيفية للجزيرة نت إنه تعرض لموقف مشابه، وإن ثمة استجابة لطلبات المؤجّرين، التي تتطلب شراء الدولارات بسعر صرف مرتفع، وإجراءات تحويل العملات ودفع رسوم إضافية، ما يضيف عبئا على ميزانيته الخاصة، بالإضافة إلى عرقلة بعض أعماله، التي تحتاج إلى العملة الصعبة التي يكاد يوفرها بشق الأنفس من المصارف الرسمية أو غير الرسمية.
وأضاف: من الآثار السلبية لتداعيات هذه الظاهرة أنها تؤثر سلبا على القدرة الشرائية والاستقرار المالي للأفراد، ويُحمل المستأجر المخاطرة المرتبطة بتقلبات سوق العملات، وزيادة الإيجار بشكل شبه دوري وغير متناسب، بينما يكون المؤجر محميا من هذه المخاطر.
على الجانب الآخر، أكد مدير شركة تسويق وتطوير عقاري للجزيرة نت -رفض نشر اسمه- أن التعامل أو تسعير الوحدات بالدولار قرار ملاك الوحدات، والغالبية منهم يعتبرون أن هذا النهج يعزز الاستدامة المالية، ويوفر لهم حماية من التذبذبات الاقتصادية والتضخم، بالنظر مع ارتفاع تكاليف كل من الصيانة والإدارة والأمن والحراسة والمرافق.
وأوضح أن ارتفاع الإقبال مقابل محدودية المعروض من وحدات مميزة بالساحل الشمالي، يجعل المستأجر أمام خيارات محدودة، ويجبره على الموافقة على الدفع بالدولار، خاصة إذا أراد وحدات ذات جودة عالية في الخدمات والبنية التحتية.
وأشار إلى أن مستهدفهم الرئيسي هو فتح الباب أمام المستأجرين من خارج البلاد والسياح الأجانب وغيرهم من المصريين من الذين يرغبون في قضاء عطلتهم في الساحل الشمالي، وهذا هو ما يزيد قدرة المالك على تحقيق عائدات إيجابية، ويعزز الاستثمارات في القرى الساحلية، ويساهم في تطويرها وتحديث المرافق والخدمات المحيطة، بالتالي يعود بالفائدة على الدولة والمجتمع، ويخلق فرص عمل جديدة.
آثار سلبية
من جانبه، يقول المحامي المصري هاني فهيم إن القانون المصري يحظر صراحة عمليات الشراء والبيع بين المواطنين باستخدام العملات الأجنبية خارج القطاع المصرفي، نظرا للتأثير الكبير الذي يمكن أن يحدثه ذلك على العملة المحلية.
ويضيف أن قانون البنوك المصري يعاقب الأشخاص الذين يستخدمون العملات الأجنبية بدلا من الجنيه المصري في عمليات الشراء والبيع داخل البلاد، بغرامات مالية تتراوح بين 10 آلاف و20 ألف جنيه مصري (214 دولارا إلى 428 دولارا).
ويتابع في حديثة للجزيرة نت أن آثارا سلبية على المجتمع تنشأ في منطقة الساحل الشمالي بسبب التعامل بالدولار، مما يؤدي إلى تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فيصبح التمتع بالخدمات والسلع ذات القيمة العالية مقتصرا على الأثرياء الذين يملكون الدولار، وبالتالي يتم استبعاد شريحة كبيرة من المجتمع، وتفاقم التفاوت الاجتماعي.
بدوره، حذر الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للنقل البحري الدكتور علي الإدريسي من تصاعد ظاهرة “الدولرة”، ليس في العقارات فقط، لكن في كثير من المعاملات المالية.
واعتبر أن هذه الظاهرة تؤدي إلى تقويض الاستقرار المالي في البلاد وتشوش على سوق الصرف نتيجة تدفق العملات الأجنبية، خارج القطاع المصرفي، وهو ما يساهم في تجدد أنشطة السوق السوداء وآثارها السلبية على الاقتصاد المصري.
ويقول الإدريسي للجزيرة نت إن أهم أسباب إصرار بعض المواطنين على التعامل بالعملات الأجنبية هو التقلبات المستمرة في سعر صرف الجنيه، فقد شهدت العملة المصرية تدهورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تراجع قوتها الشرائية وزيادة الاضطرابات الاقتصادية في البلاد، ودفع إلى الوثوق أكثر في الدولار، كونه عملة مستقرة وذات قوة عالمية.
ماذا يقول القانون
بدوره، أكد إسلام الجزار، المتحدث باسم جهاز حماية المستهلك، أن التعامل بالعملات الأجنبية (بخلاف الجنيه المصري) في عمليات البيع والشراء للمنتجات والسلع في مصر يُعد مخالفة ومُجرَّم من قِبل القانون.
وأوضح الجزار، خلال تصريحات إعلامية، أنه غير مسموح للشركات داخل مصر بتلقي الأموال بالدولار من المواطنين المصريين، وفي حال رصد أشخاص يتعمدون التعامل بالدولار في بيع المنتجات خارج القطاعات المستثناة، تتم إحالة صاحب الواقعة إلى النيابة، التي تقوم بالتحقيق على الفور في الوقائع، وتصدر قرارها حسب ما تراه لمخالفة قانون البنك المركزي، الذي ينص على أن هذا النوع من التعامل يعاقب عليه القانون بالحبس لمدة تصل إلى 3 سنوات.
ولفت إلى أن هناك بعض الاستثناءات المحدودة على هذا القرار، مثل بعض الفنادق والمنشآت الموجودة في المناطق الحرة، مضيفا أنه تم رصد بعض الحالات المخالفة، كبيع السيارات بالعملات الأجنبية، وتم إحالة هذه الحالات إلى النيابة العامة للتحقيق، والمعاقبة عليها وفقا للقانون.
وأشار المتحدث الرسمي للجهاز إلى أن هناك محاولات مستمرة من قِبل بعض التجار للالتفاف على قرار حظر التعامل بالعملات الأجنبية في السوق المحلية، وأن فريق العمل بالجهاز يرصد حالات كثيرة لبيع السلع والخدمات بالدولار أو اليورو، ويتخذ إجراءات رادعة بحق هؤلاء المخالفين.