الجزائر – دخلت مخرجات القمة الثلاثيّة لقادة الجزائر وتونس وليبيا، حيز التنفيذ في غضون 48 ساعة من انعقاد أولى اجتماعاتها بالعاصمة تونس، الاثنين الماضي، حيث وقعت البلدان الثلاث على أول اتفاقية لإنشاء “آلية تشاور حول إدارة المياه الجوفية المشتركة بالصحراء الشمالية”، يكون مقرها بالجزائر.
وقال وزير الري الجزائري، طه دربال، خلال مراسيم التوقيع، مساء الأربعاء الماضي في الجزائر العاصمة، إنّ الاتفاقية “تفتح صفحة جديدة واعدة في مجال التنسيق والتعاون بين بلداننا في مجال حيوي، ألا وهو الموارد المائية الذي ترتبط به كل عملية تنموية”.
كما لفت دربال الى أن الوثيقة من شأنها “تعميق معرفة البلدان الموقعة بمواردها المائية المشتركة في شمال الصحراء وتكثيف تبادل المعلومات في ذات الإطار”، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية.
واعتبر الوزير الجزائري أن “تخصيص مقر ثابت ودائم للآلية يسمح للبلدان الثلاث بالعمل بأريحية، وفي إطار واضح المعالم ومقنّن، بما يكرس سيادة كل بلد على موارده المائية”، مثلما يضيف المصدر.
وبدوره، أكد وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري التونسي، عبد المنعم بلعاتي، أن “اجتماع القمة الرئاسي يعطي الغطاء السياسي الكبير للمرور وبالسرعة القصوى نحو التنفيذ الميداني”.
ومن جانبه، أكد وكيل وزير الموارد المائية لدولة ليبيا، محمد فرج قنيدي، أن الاتفاقية “تضع حجر الأساس لتعاون بنّاء خدمة لشعوب المنطقة، وبما يضمن إدارة وتنمية واستدامة هذه الموارد المشتركة للأجيال القادمة”.
أكبر منسوب للمياه الجوفية في العالم
وبهذا الصدد، قال إبراهيم موحوش، الخبير الدولي في الأمن المائي والغذائي، إن الجزائر وتونس وليبيا تشترك في واحد من أكبر منسوبات المياه الجوفية في العالم، عبر الطبقة الألبيّة، والتي تمتد بين جنوب شرق الجزائر وغرب ليبيا وجنوب تونس، على مساحة تعادل ضعف مساحة فرنسا تقريبا.
وأوضح موحوش أنها تعدّ أكبر طبقة مياه جوفية عالميّا، حيث يقدر حجمها في الواقع بحوالي 40 ألف إلى 50 ألف مليار متر مكعب من المنسوب الجوْفي.
وأكد الخبير في تصريح لـ”الجزيرة نت” أن الطبقة المشتركة تتوزع بين الدول الثلاث، بنسبة 70% في الأراضي الجزائرية جنوب شرق البلاد، و20% تحت ليبيا، و10% عبر الإقليم التونسي.
تحسين إدارة المياه وتفعيل التشاور
وعن أهمية الاتفاق المعلن، أوضح موحوش، وهو أستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للزراعة في الجزائر، أن البلدان المعنيّة تقع في قلب المنطقة الجغرافية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المعروفة بالجفاف والعجز الشديد في المياه، علاوة على ذلك، فإن جميع أراضيها تقريبا قاحلة وصحراوية.
ويعني هذا الوضع، حسب المتحدث، أن الموارد المائية المتجددة لا يمكنها تغطية الاحتياجات المائية لهذه الدول، خاصة فيما يتعلق بالقطاع الزراعي الذي يستهلك ما بين 70 إلى 85% من الإمكانات المائية لها، رغم أنه يمكن أن يصل ويتجاوز 85% في الدول الغنية بموارد المياه.
وعليه تصنف الدول الثلاث ضمن فئة الدول الفقيرة جدا في الموارد المائية، بالنسبة لعتبة الندرة التي حددها البنك الدولي بألف متر مكعب للفرد في السنة، والكلام للخبير نفسه.
ونتيجة لذلك، لم يتمكن الإنتاج الزراعي لفترة طويلة من تغطية الاحتياجات الغذائية للسكان في بعض المنتجات، وخاصة الحبوب ومشتقاتها، وكذلك مدخلات الصناعة الزراعية الإستراتيجية.
ولتحقيق هذه الغاية، فإنّ أحد أفضل التعديلات المطلوبة يتمثل في توفير أقصى استفادة للأنشطة الاقتصادية والزراعية التي تتطلب الكثير من المياه، مثل الحبوب والمحاصيل الصناعية، عن طريق نقلها إلى مناطق الجنوب الكبير المليئة بالمياه الجوفية القادمة من الطبقة الألبيّة.
وفي هذا الإطار، أدرج الخبير موحوش الاتفاق الذي وقعته الدول الثلاث، حيث يقضي بدراسة وسائل تحسين إدارة موارد المياه الجوفية، وإعادة تفعيل آلية التشاور بشأنها، و”التي بدأتها الجزائر وتونس وليبيا منذ 2005، كجزء من مشروع مرصد الصحراء والساحل”.
مخاطر الاستغلال غير المقنّن
من جهته كشف الخبير الدولي في المياه الجوفية جمال معيزي، أنّ نظام طبقات المياه الجوفية في شمال الصحراء الكبرى، والذي تتقاسمه الجزائر وتونس وليبيا، يغطي مساحة تزيد على مليون كيلومتر مربع.
مقابل ذلك، فإنّ كميَّة الأمطار المتساقطة بالأقاليم المذكورة لا تتجاوز 100 مليمتر، بينما احتياطات المياه الجوفية لا تتجدد، فهي مخزونات جيولوجية أحفورية، ولذلك يؤدي تكثيف استغلالها إلى ظهور عدد من المشاكل، مثلما يقول معيزي.
وأبرز الخبير المائي في حديث لـ”الجزيرة نت” أن الانخفاض والاستغلال غير المقنّن يُنذِرُ بالخطر في منسوب المياه، وزيادة ثمن الضخ، وضعف الارتوازية، وجفاف المنافذ الطبيعية، وتزايد خطر تدهور الجودة الكيميائية للمياه بواسطة ارتفاع نسبة الملوحة.
وهناك مخاطر أخرى يمكن أن تؤثر على كميّة المياه الجوفية ونوعيتها، بسبب القصور في إدارة مياه الصرف الصحي ومياه الصرف، وكذلك في التنقيب عن النفط والغاز، على حد تعبيره.
وهذا ما يوجب على البلدان الثلاثة، بحسب المتحدث، التحكم في كمية المياه المستخرجة لضمان مستقبل المنطقة، ولا سيما بسياسة متظافرة، للحفاظ على الموارد المائية، بواسطة تبادل البيانات.
وقال معيزي، وهو أستاذ علم المياه بجامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا، إنّ إنشاء قاعدة بيانات مشتركة يهدف إلى تعزيز قيمة المعلومات، لتكون أداة للتبادل، وإنشاء نموذج جديد يحاكي السلوك الهيدروديناميكي لنظام طبقة المياه الجوفية والتمكين من الإدارة المشتركة للمياه الجوفية.
وكشف الخبير معيزي أن عمليات المحاكاة التي أجريت على النموذج الرياضي سلطت الضوء على المناطق الأكثر عرضة للخطر، حيث “مكنت من وضع خريطة مخاطر عبر البلدان الثلاثة المعنية، لإيجاد شكل من أشكال الإدارة المشتركة للحوض”.