دمشق- يعاني التجار في مناطق سيطرة النظام السوري من تحديات وصعوبات جمة للحفاظ على أعمالهم وتجارتهم تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والقانونية منذ سنوات، مما يدفع بعضهم إلى التخلي عن تجارته والانسحاب من السوق للحفاظ على رأس المال.
وتشهد الأسواق السورية واقعا تجاريا هو الأسوأ منذ بداية الأزمة الاقتصادية في البلاد قبل نحو 12 عاما، نظرا إلى الجمود المسيطر على حركة البيع والشراء، وتراجع القدرة الشرائية للسوريين، والقيود التي تفرضها القوانين الاقتصادية على التجار.
ويقول محمد (47 عاما)، وهو تاجر ألبسة في سوق الحريقة بدمشق “أوقات عصيبة تمر على التجار في أسواق دمشق مع انعدام حركة البيع”.
ويضيف في حديث للجزيرة نت “لا يمكننا الحديث عن تجارة معافاة دون الحديث عن قدرة شرائية معقولة للمواطنين، فإذا كان العميل غير قادر على شراء السلعة، فلن يسعف التجار أي حل حكومي”.
واعتبر محمد أن “انعدام القدرة الشرائية” للسوريين هو أبرز أسباب الركود في أسواق دمشق، لا سيما أن متوسط رواتب الموظفين لا يتجاوز 250 ألف ليرة (18 دولارا) وهو ما يكفي بالكاد لشراء مكونات وجبتين أو 3 من الطعام.
ويشير التاجر الدمشقي إلى سبب آخر للأزمة يتعلق بارتفاع أسعار البضائع المصنعة محليا، ويقول “إن المصانع تحمّل بضائعها كل التكاليف المضافة من كهرباء ووقود، ومواد أولية المستوردة بمعظمها غالية الثمن، وهذا كله يقضم من هامش الربح الذي نضعه نحن التجار، والذي أصبح اليوم هامشا ضئيلا جدا مقارنة بالأعوام السابقة.”
ويشكو التجار في دمشق وسائر مناطق سيطرة النظام من الرسوم الضريبية المرتفعة، والتكاليف المالية السنوي التي تفرضها وزارة المالية، والتي تتجاوز في بعض الأحيان مبلغ مليوني ليرة سورية (142 دولارا) لبعض المحال.
ويضاف إلى ذلك ارتفاع سعر الكهرباء التجارية بنحو 150% منذ سبتمبر/أيلول الماضي، والصعوبة البالغة في توفير وتداول العملات الأجنبية التي تخضع لقيود قانونية مشددة.
آليات تعيق التجارة وترفع الأسعار
وكشف عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق ياسر أكريم عن خروج أكثر من 100 ألف تاجر من العمل التجاري في سوريا، معتبرا ذلك بمنزلة خسارة كبيرة للاقتصاد السوري.
وتحدث أكريم، في تصريحات -قبل أيام- عن غياب الدعم الحكومي للقطاع التجاري، وأكد أن هذا الدعم لا يكاد يذكر مقارنة بالدعم المقدم للقطاع الصناعي، مشيرا إلى التداعيات السلبية لهذا الوضع على الاقتصاد.
وأضاف أكريم أنه من أصل 110 آلاف سجل تجاري مسجل لدى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام لا يوجد سوى 7 آلاف سجل فاعل وموجود في غرفة تجارة دمشق، مرجعا هذا الانكماش التجاري إلى “عدم وضوح القوانين التجارية”.
وأوضح أكريم أن التاجر في سوريا بات اليوم في “أسوأ حالاته نتيجة عدم توجه الحكومة لدعمه والوقوف إلى جانبه بالشكل المطلوب”.
وكان أكريم قد أشار في حديث لإذاعة شام المحلية، في سبتمبر/أيلول الماضي، إلى أن ضبط الأسعار غير ممكن في ظل عدم وفرة المواد الأولية، وارتفاع سعر الصرف وأسعار الطاقة والمحروقات.
من جهته، أرجع أبو يحيى (52 عاما)، تاجر أغذية وصاحب مستودع في منطقة الميدان بدمشق، ارتفاع الأسعار في الأسواق للسياسات الحكومية “غير المدروسة”.
وأضاف التاجر في حديث للجزيرة نت “لا يمكننا كتجار تحديد كلفة المستوردات بدقة لعدم ثبات سعر الصرف من جهة، ولتأخر وصول المستوردات عبر المنصة (آلية حكومية لتنظيم استيراد البضائع من الخارج) شهرين و3 أشهر من جهة أخرى، وهو ما يضطرنا إلى تسعير السلع بأسعار أعلى مما قد تكون عليه لضمان عدم الخسارة”.
ويشير أبو يحيى إلى أن بطء عمل منصة المستوردات ضاعف الأزمة حيث أدى إلى “حرمان السوق كثيرا من السلع والمواد الأولية والأساسية، وأدى إلى عجز التجار وأصحاب المصانع عن تأمينها، مما دفعهم في بعض الأحيان إلى إغلاق محالهم ومصانعهم”.
من جهته، كشف عضو إدارة غرفة تجارة دمشق محمد حلاق في تصريح لإذاعة ميلودي المحلية، في سبتمبر/أيلول الماضي، عن عدم وجود آلية حكومية لخفض الأسعار أو تثبيتها، مشيرا إلى أن اللوائح السعرية التي يتم إصدارها من قبل الحكومة غير مطابقة للواقع.
وأكد حلاق أن القرارات الرسمية الصادرة عن الحكومة كإنشاء منصة المستوردات، وإقرار قانون حماية المستهلك أسهمت بإعاقة عمل التجار، وتسببت برفع الأسعار.
ويرى اقتصاديون أن منصة المستوردات أعاقت حركة الإنتاج عبر تقييدها عملية الاستيراد وتمويل المستوردات، وحصرها بشركات الصرافة المحلية والمصرف المركزي، مما أدى إلى هروب رؤوس الأموال وبالتالي انكماش الاقتصاد.
وتجبر المنصة التجار على تسديد 50% من قيمة المستوردات للبنك المركزي مقابل منحهم إجازة الاستيراد شرط تسديد باقي المبلغ بعد شهر من وصول البضائع المستوردة، مما يكبد التجار خسائر ومصاريف إضافية مع تغير سعر الصرف، ويدفعهم للتحوط ورفع الأسعار، وهو ما يؤدي إلى غلاء السلع في الأسواق.
تضخم وخسائر اقتصادية
ويعاني الاقتصاد السوري منذ 12 عاما من أزمات متفاقمة جراء استمرار الصراع في البلاد، وبلغ معدل التضخم عام 2023 وحده 156% بحسب أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب عبد الرؤوف نحاس.
وخسرت الليرة السورية نحو 100% من قيمتها خلال عام 2023، ليسجل سعر صرف الدولار 14 ألف ليرة في ديسمبر/كانون الأول الجاري مقارنة بـ 7 آلاف مطلع عام 2023.
ويشير تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن الخسائر الاقتصادية للحرب في سوريا قد بلغت نحو 1.2 تريليون دولار بحلول عام 2022، في حين يحتاج 13.4 مليون سوري إلى مساعدة إنسانية.
وتُقدَّر الخسائر المباشرة وغير المباشرة للقطاع النفطي وحده بنحو 112 مليار دولار مع نهاية عام 2022، بحسب بيان وزارة الخارجية في حكومة النظام السوري.