وزير التجارة التركي للجزيرة نت: حرب إسرائيل على غزة ستغير اقتصاد المنطقة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 14 دقيقة للقراءة

إسطنبول- بعد جائحة “كوفيد-19” التي هزت العالم -والحرب الأوكرانية الروسية؛ دخلت التجارة في أزمة كبيرة في جميع أنحاء العالم، ولهذا أصبحت وزارات الاقتصاد والتجارة للدول ذات أهمية كبرى.

وتأثرت تركيا -التي تقع في المكان الأكثر إستراتيجية لسلاسل التوريد خلال الوباء- بشكل كبير بهذه الأزمة، ومرة أخرى؛ خلال الحرب الأوكرانية الروسية، كانت لتركيا علاقات تجارية قوية مع كلا البلدين.

وعلى رأس الأزمتين الخطيرتين، أضيفت الحرب الإسرائيلية على غزة.

وتعد تركيا، التي لم تتمكن من التغلب بشكل كامل على هشاشتها الاقتصادية، من أكثر الدول المتضررة من هذه الأزمات، ولأن وزارة التجارة واحدة من أهم الوزارات في هذه البيئة؛ فقد تم تعيين الدكتور عمر بولات، وزيرًا لها بعد انتخابات 2023، فهو يعرف السوق جيدًا من خلال عمله بالقطاع الخاص لـ41 عاما.

وفي هذا الحوار الذي خص به الجزيرة نت تناول الوزير مدى تأثر تركيا والجغرافيا العربية بالأزمة، خاصة بعد حرب إسرائيل على غزة، وكيف سيتشكل مستقبلهما، وماذا لو امتد الصراع إلى إيران، وارتفعت أسعار النفط.

وإلى الحوار…

تستمر حرب إسرائيل على غزة كدراما عظيمة من الجانب الإنساني، ولكن مع ذلك؛ هناك أيضا بعد اقتصادي. فكيف تأثرت التجارة في المنطقة بالحرب في هذا الوقت؟

لقد مر الشهر الثاني من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ حيث إن المأساة الإنسانية في غزة تخلق آلامًا جديدة كل يوم أمام أعين العالم. وبطبيعة الحال، فإن الأحداث التي تشهدها المنطقة لها أيضا أبعاد اقتصادية؛ حيث إن الاقتصاد العالمي والإقليمي؛ الذي كان تحت تأثير أحداث مثل وباء “كوفيد-19″، والحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والحرب الروسية الأوكرانية في السنوات الأخيرة، يتأثر الآن بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ووفقًا للتوقعات التي أعدتها المنظمات الدولية، إذا اقتصر الصراع على إسرائيل وفلسطين، فإن تأثيره على أسعار النفط سيكون ضئيلا. ومع ذلك فإنه إذا تطورت وتحولت إلى حرب إقليمية تشارك فيها دول منتجة للنفط مثل إيران، فقد يرتفع سعر البرميل فوق المستوى الحالي البالغ 76.5 دولارًا، ومن المؤكد أن ذلك ستكون له آثار سلبية على الاقتصاد العالمي والإقليمي الذي يمر حاليا بفترة تضخمية وهو في حالة هشة.

في ظل الصراع الدائر بين إسرائيل وفلسطين؛ أصبح مدى أمان الممر الاقتصادي الجديد موضوعا للنقاش

هل تعتقد أن الحرب ستغير أشياء كثيرة؟

نعم؛ على سبيل المثال ممرات المواصلات. وكما تعلمون؛ فإن إحدى نتائج قمة مجموعة العشرين التي عقدت في الهند في الأشهر الأخيرة كان الإعلان عن ممر اقتصادي جديد وتوقيع مذكرة التفاهم لإنشاء شبكة السكك الحديدية والموانئ التي ستربط الهند بالشرق الأوسط وأفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا.

وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست من الدول التي وقعت على مذكرة التفاهم ضمن نطاق المشروع، فإن ميناء حيفا الإسرائيلي يعد أحد أهم نقاط العبور في الممر. وفي ظل الصراع الدائر بين إسرائيل وفلسطين؛ أصبح مدى أمان الممر الاقتصادي موضوعا للنقاش. ويُعد طريق التنمية، الذي سيبدأ من ميناء البصرة في العراق ويمتد شمالا إلى أوفاكوي على الحدود التركية، ومن ثم إلى أوروبا عبر تركيا، بديلا جيدا.

وهل تعتقد أن الحرب ستؤثر سلبًا على التجارة العالمية؟

لقد أعرب صندوق النقد الدولي عن رأيه قائلًا إن تأثير الصراعات الإسرائيلية الفلسطينية على الاقتصاد الإقليمي والعالمي سيكون عاليا وسلبيا، في وقت يتباطأ فيه النمو وترتفع أسعار الفائدة وتزداد تكلفة خدمة الديون بسبب “كوفيد-19” والحرب.. وأنا لديَّ نفس وجهة النظر.

هل تفكرون كوزارة أيضًا في مقاطعة أو فرض عقوبات على إسرائيل أو الشركات التي تدعمها؟

تمتد التجارة الحالية مع إسرائيل، والشركات بما في ذلك الشركات العالمية، كما أن الوجهات التالية للسفن التي تصل إلى موانئ بلادنا للمنتجات الخاضعة لتجارة الترانزيت لإسرائيل تدخل أيضًا في هذا الإطار.

وتعترف بلادنا بالعقوبات التي تدخل في نطاق الأمم المتحدة. وفي هذا السياق، نحاول قيادة جميع القرارات التي ستتخذ في الأمم المتحدة ضد إسرائيل فيما يتعلق بالهجمات الإرهابية الإسرائيلية.

وتعرب تركيا عن دعمها الكامل لقضية فلسطين العادلة. وهذا الدعم يفوق السياسة، وهو مستمر، فلم يكن من الممكن أبدا لتركيا أن تترك فلسطين وشأنها، ولن يحدث ذلك من الآن فصاعدًا.

لم تعد الكلمات كافية لوصف ما حدث في الأراضي الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ حيث يواجه إخواننا وأخواتنا الفلسطينيون قمعًا غير مسبوق في التاريخ كل يوم.

إنني أدين بشدة هذه المذبحة، التي تستهدف بشكل خاص المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال، وأتذكر بالرحمة إخواننا الفلسطينيين الذين فقدوا أرواحهم في الهجمات، وأتمنى الشفاء العاجل للجرحى.

نحاول قيادة جميع القرارات التي ستتخذ في الأمم المتحدة ضد إسرائيل فيما يتعلق بالهجمات الإرهابية الإسرائيلية

كيف ستتشكل العلاقات التجارية بين إسرائيل ودول المنطقة في المستقبل بعد هذه الحرب المروعة؟

إن العالم الإسلامي، الذي يحاول دعم الشعب الفلسطيني، يحاول إبعاد إسرائيل عن الموارد التي ستمول الحرب، خاصة من خلال مقاطعة المنتجات الإسرائيلية.

ونتوقع أنه مع استمرار مثل هذه الإجراءات الجماعية؛ فإن حجم تجارة إسرائيل مع دول المنطقة الإسلامية -من حيث الصادرات والواردات- سوف ينخفض ​​نسبيًّا على المدى المتوسط ​​والطويل. ولكن بعد انتهاء الحرب، أعتقد أنه إذا أمكن تحقيق حل الدولتين، الذي طال انتظاره، فإن السلام والازدهار والتنمية في المنطقة سيعود.

لقد قمتم أنتم والرئيس أردوغان بزيارات متكررة إلى دول الخليج والمنطقة؛ ما نوع الخطة التجارية التي ستقوم بها تركيا مع الدول الإقليمية؟

تتبع تركيا تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان إستراتيجية تهدف إلى إقامة علاقات تجارية قوية مع دول الخليج والمنطقة وتوطيد العلاقات القائمة، وفي هذا الصدد، وبالتوازي مع الحركة الدبلوماسية المكثفة لرئيسنا، أُجريت زيارات واتصالات مختلفة من أجل تقييم الفرص المتاحة في مجال التجارة وزيادة فرص التعاون وحماية المصالح الاقتصادية لتركيا.

وتتمثل خطتنا التجارية في زيادة المكاسب المتبادلة من خلال إقامة علاقات تجارية قوية وعادلة مع دول المنطقة، عبر اتخاذ خطوات مختلفة بشأن قضايا مثل اتفاقيات التعاون مع دول الخليج، وتسهيل التجارة وتحسين بيئة الاستثمار.

وفي هذا السياق؛ دخلت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (KEOA) التي وقّعتها تركيا مع الإمارات العربية المتحدة حيز التنفيذ في 1 سبتمبر/أيلول 2023، كما ستدخل اتفاقية الشراكة التجارية والاقتصادية القطرية (TEOA) حيز التنفيذ بمجرد الانتهاء من عمليات الموافقة الداخلية؛ حيث تشكل هذه الاتفاقيات أهمية كبرى من أجل تطوير تجارتنا.

نتوقع أنه مع استمرار مثل هذه الإجراءات الجماعية؛ فإن حجم تجارة إسرائيل مع دول المنطقة الإسلامية سوف ينخفض ​​نسبيًّا على المدى المتوسط ​​والطويل

لقد عدتَ للتو من زيارة دول الخليج، هل ستبدأ عملية تجارية بديلة؟

نحن نولي أهمية كبيرة للجغرافيا الإسلامية، بما في ذلك دول الخليج.

وتهدف جميع الدول الكبرى التي لها وزن في الاقتصاد الإقليمي إلى تنويع اقتصاداتها من خلال رؤى تنموية، لذا فإن رؤية قطر الوطنية 2030، ورؤية السعودية 2030، ورؤية أبو ظبي 2030، والرؤية الاقتصادية للبحرين 2030، ورؤية الكويت 2035، ورؤية عمان 2040، تحتوي على فرص مهمة للشركات التركية، ونحن نبذل جهودًا كبيرة لإدراج الشركات التركية في خطط التطوير هذه، والتي تشمل مشاريع واسعة النطاق.

ونقوم بتنفيذ “إستراتيجية تنمية الصادرات مع الدول الإسلامية” من أجل تنمية وتنويع صادراتنا مع الدول الإسلامية”.

وتبلغ حصة الدول الواقعة في نطاق الإستراتيجية المذكورة 26% من صادراتنا حاليًا، ونهدف إلى زيادة هذه الحصة إلى 30% بحلول عام 2028.

وقد قمنا مؤخرًا، بزيارة الإمارات والسعودية وقطر، ووقّعنا مذكرات تفاهم مع المملكة العربية السعودية في مجالات الدفاع والطاقة والاتصالات وزيادة الاستثمارات المباشرة.

وقد وقعنا “اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة” مع الإمارات ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ اعتبارًا من الأول من سبتمبر/أيلول، واتفقنا على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية المتبادلة مع قطر ونهدف إلى وصول حجم التجارة الثنائية إلى 5 مليارات دولار على المدى المتوسط.

بالإضافة إلى ذلك، وقعنا إعلانًا لبدء مفاوضات اتفاقية التجارة التفضيلية مع الجزائر، وخلال زيارتنا للكويت في بداية نوفمبر/تشرين الثاني، اتفقنا على تسريع جهودنا لتنويع وتوطيد تجارتنا، وفي زيارتنا لمصر، اتخذنا قرارات مهمة لإثراء تجارتنا الثنائية وتعزيز شراكتنا الاستثمارية.

وقمنا أيضًا بتنظيم أكثر من 60 وفدًا تجاريًّا بتنسيق من وزارتنا لترويج منتجاتنا التصديرية في الدول الواقعة ضمن نطاق إستراتيجية تنمية الصادرات مع الدول الإسلامية ودعمنا المشاركة في أكثر من 400 معرض. باختصار، نحن نعمل بجد على هذه القضية.

نقوم بتنفيذ “إستراتيجية تنمية الصادرات مع الدول الإسلامية” من أجل تنمية وتنويع صادراتنا معها

لنتحدث قليلا عن تجارة تركيا، هل تعتقد أن انخفاض قيمة الليرة التركية سينتهي قريبًا؟

بداية، لا أعتقد أنه من الصواب تعريف انخفاض قيمة الليرة التركية على أنه أزمة، نحن نتابع عن كثب تطورات سعر الصرف من حيث استقرار الأسعار والاستقرار المالي والتوازن الخارجي، وقد أصبح مسار الليرة التركية أكثر استقرارًا، خاصة في الآونة الأخيرة، فالتوازن الذي نراه في سعر الصرف الحقيقي يشير إلى عكس وصف الأزمة.

وقد بدأت آثار الخطوات التي اتخذها البنك المركزي التركي لضمان استقرار الأسعار والاستقرار المالي في الظهور، كما نلاحظ تباطؤ الطلب المحلي على العملات الأجنبية، وهناك انخفاض في معدل زيادة التضخم.

ونلاحظ أيضًا التوازن في جانب التجارة الخارجية، كما أن عائدات بلادنا من النقد الأجنبي تتزايد مع زيادة الصادرات، وقد ارتفع إجمالي احتياطاتنا من النقد الأجنبي من 111.6 مليار دولار في يوليو/تموز، إلى 140.1 مليار دولار وفقا لأحدث البيانات، ونلاحظ استقرار سعر الصرف بتأثير تدفق العملات الأجنبية.

إذن ما توقعات الحكومة لمستويات التضخم؟

في نطاق البرنامج متوسط ​​المدى؛ من المتوقع أن يصل معدل الزيادة السنوية في مؤشر أسعار المستهلك إلى 65% في نهاية العام، وقد حدث انتعاش في اتجاه التضخم الأساسي وفي الآونة الأخيرة، عند استبعاد العوامل المؤقتة، وأعتقد أن هذا الاتجاه سيستمر.

وفي مكافحة ارتفاع الأسعار خلال الفترة المقبلة، نهدف إلى خفض التضخم إلى 33% في عام 2024.

واستمرارًا لعملية مكافحة التضخم، نهدف إلى خفض معدل الزيادة السنوية لمؤشر أسعار المستهلكين إلى خانة الآحاد بنسبة 15.2% في عام 2025، و8.5% في نهاية عام 2026.

وفي هذا السياق؛ فإننا نتخذ وسنواصل اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لضمان أن تتمتع الليرة التركية بمظهر مستقر، وتعزيز القدرة التوريدية والقضاء على العوامل التي تسبب الجمود التضخمي.

أعتقد أنه من الصواب تعريف انخفاض قيمة الليرة التركية على أنه أزمة، نحن نتابع عن كثب تطورات سعر الصرف وقد أصبح مسار الليرة التركية أكثر استقرارًا

شهدت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي زيادة سريعة في السنوات الأخيرة، فما أسباب ذلك والتوقعات بشأنه؟

لقد ارتفع إجمالي احتياطي النقد الأجنبي من 111.6 مليار دولار في يوليو/تموز، إلى 140.1 مليار دولار وفقا لأحدث البيانات، والسبب الأكثر أهمية لذلك هو السياسات الاقتصادية التي نفذتها حكومتنا الجديدة بشكل كلي والقضاء على حالة عدم اليقين في الانتخابات.

ولقد أوضحنا بشكل كامل ما نهدف إليه وما سنفعله بهذه السياسات، سواء في البرنامج المتوسط ​​الأجل أو في خطة التنمية.

ولهذه السياسات تأثير إيجابي على احتياطاتنا وتصنيفنا وأقساط مقايضات العجز الائتماني، وأود أن أشير إلى أنه بدأ يؤثر على العديد من مؤشرات الاقتصاد الكلي.

على سبيل المثال؛ هناك تحسُّن في التجارة الخارجية وميزان المدفوعات، واتجاه إيجابي في تركيبة النمو، وإنا على ثقة تامة بأن مؤشراتنا الكلية ستتحسن نتيجة لجميع الخطوات المتخذة لضمان استمرارية وضع التشغيل القوي واستقرار سعر الصرف وانخفاض التضخم، لذا أعتقد أن زيادة الاحتياطيات ستستمر خلال الفترة المقبلة.

على الرغم من أننا نعتقد أن بلدنا يستحق تصنيفًا ائتمانيًّا أعلى، فإننا نرحب بخطوة وكالة ستاندرد آند بورز

ماذا يعني أن “ستاندرد آند بورز” غيّرت النظرة المستقبلية لتركيا إلى إيجابية؟ هل تتوقع تحديث التصنيف الائتماني للبلاد قريبا؟

لقد بدأنا في جني ثمار الخطوات التي اتخذتها حكومتنا مؤخرًا، وأود أولاً أن أؤكد على التحسن الكبير في علاوة المخاطرة في بلادنا، على الرغم من شدة الظروف المالية العالمية وزيادة المخاطر الجيوسياسية.

فقد انخفضت علاوة مخاطر الائتمان في تركيا إلى أقل من 350 نقطة أساس للمرة الأولى منذ ما يقرب من 3 سنوات، حيث انخفضت إلى مستوى 330.

بالإضافة إلى ذلك؛ قامت وكالة التصنيف الائتماني الدولية “ستاندرد آند بورز” بمراجعة، ورفعت توقعات التصنيف الائتماني لبلادنا من “مستقر” إلى “إيجابي”، ويجب التأكيد هنا على أن هذه الخطوة كانت خارج التقويم. وعلى الرغم من أننا نعتقد أن بلدنا يستحق تصنيفًا ائتمانيًّا أعلى، فإننا نرحب بهذه الخطوة.

وسيؤثر هذا الوضع بشكل إيجابي على فرص التمويل الأجنبي لبنوكنا؛ وقد كانت تجديدات القروض المشتركة في الربع الأخير من العام عند مستويات عالية، كما نرى أن إصدارات سندات اليورو قد انتعشت أيضًا.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *