هل ينجح ترامب بتحويل ولايته إلى “عصر ذهبي”؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

في عودته إلى البيت الأبيض، يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تحقيق ما يسميه “عصرا ذهبيا” جديدا لأميركا، من خلال دفع الاقتصاد نحو الاعتماد على الذات والابتعاد عن الأساليب التقليدية للتجارة الدولية؛ فيركز من خلال القرارات التنفيذية على تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

وفي تقرير نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية، قال الكاتب ديفيد أوبيرتي إن عودة ترامب السريعة إلى منصبه سلطت الضوء على رؤيته لما يسميه العصر الذهبي الجديد لأميركا؛ فقد أظهرت سلسلة من الأوامر التنفيذية والتوجيهات في أول أسبوع من إدارته توجها نحو اقتصاد أكثر اعتمادية على الذات، من خلال صنع المزيد من المنتجات محليا، وضخ المزيد من النفط والغاز الخاص به، وتوفير فرص عمل أكثر للعمال الأميركيين.

وأضاف الكاتب أن حكومته قد تكون أكثر كفاءة وقسوة، فقد بدأت بالفعل في استخدام قوة البلاد للتأثير على التجارة العالمية لصالح أميركا، حتى وإن كان ذلك ضد حلفائها التقليديين.

“محل حسد”

ونقل الكاتب ما قاله ترامب في خطابه الافتتاحي، “سنكون محل حسد كل الأمم ولن نسمح لأنفسنا أن نُستغل بعد الآن”، مشيرًا إلى أن خطته تشمل فرض تعريفات جمركية قد تعطل سلاسل الإمداد الأميركية والاقتصادات الأخرى، مع مقارنة نهجه بسياسة الرئيس ماكينلي في “عصر الثراء الزائف”، حيث صنع الثروة عبر التعريفات والمواهب.

وشبّه ترامب نهجه بنهج الرئيس ويليام ماكينلي، وهو زعيم جمهوري خلال حقبة عُرفت باسم العصر المذهب، وهي فترة التصنيع السريع بعد الحرب الأهلية التي خلقت ثروة هائلة لأميركا، لكنها اتسمت بتفشي عدم المساواة.

وأوضح الكاتب أن حملة ترامب “صُنع في أميركا” تعد في بعض النواحي تسريعًا لسياسات عهد بايدن الرامية لتعزيز التصنيع المحلي في مواجهة الصناعات الصينية التي تزداد قوة، فقد استهدفت إدارة بايدن فرض تعريفات جمركية وخصصت مئات المليارات من الدولارات لدعم الطاقة المتجددة وتصنيع الرقائق والبنية التحتية.

وأشار الكاتب إلى أن ترامب وعد بمزيد من الجهود التوسعية المدفوعة بالوقود الأحفوري لحماية الولايات المتحدة من المنافسة الأجنبية، وفي بعض الأحيان، عرض النزعة الحمائية كجزء من تحول جوهري إلى نموذج كان فيه فرض التعريفات الجمركية العالية يساعد في ملء خزائن الحكومة بينما يعزل الأميركيين عن كفاءة وتقلبات الأسواق العالمية.

ونقل الكاتب عن جوزيف لافورغنا، كبير الاقتصاديين في المجلس الاقتصادي الوطني خلال إدارة ترامب الأولى، والمستشار الاقتصادي الرئيسي في شركة سوميتومو ميتسوي المصرفية الأميركية، قوله “لقد انغمسنا كثيرًا في نظرية الأسواق العظيمة ولم نركز أبدًا على الجوانب الواقعية التي يواجهها الناس. التجارة الحرة تبدو رائعة عندما تتعامل مع أطراف تتبع نفس القواعد”.

وذكر الكاتب أن الأجندة التي تحدث عنها ترامب ومستشاروه تتضمن جزرات الجمهوريين التقليدية لجذب رأس المال إلى الولايات المتحدة مثل فرض قواعد أقل وخفض الضرائب على الشركات، وتوفير طاقة أرخص، بالإضافة إلى عصا شعبوية كبيرة تتمثل في فرض تعريفات جمركية على السلع المستوردة.

إعادة تقييم العلاقات

ووجه الرئيس الأسبوع الماضي الوكالات الفدرالية لإعادة تقييم العلاقات التجارية الأميركية، ووعد بفرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على البضائع القادمة من الصين و25% على البضائع القادمة من كندا والمكسيك اعتبارًا من أول فبراير/شباط المقبل.

وبيّن الكاتب أن الرسائل المتناقضة التي أرسلها ترامب بشأن مدى تأثير الرسوم الجمركية تركت الاقتصاديين في حالة من عدم اليقين العميق بشأن التأثير المحتمل على اقتصاد تقدم بسرعة عن نظرائه الأغنياء.

ووفق الكاتب، قالت كاثرين روس، كبيرة الاقتصاديين في مجلس المستشارين الاقتصاديين خلال إدارة أوباما، وأستاذة الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في دافيس: “عدم اليقين يمكن أن يعمل أيضًا مثل الرسوم الجمركية من حيث إنه يعيق التجارة. إنه يمنع الاستثمار في قطاعات التصدير من قبل البلدان الأخرى”.

واعتبر الكاتب أن رؤية ترامب قد تخلق، كذلك، توترا بين العمال الأميركيين الذين ساعدوا في إعادة انتخابه وبين شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات التي تعتزم أتمتة أساليب العمل بالكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي، وقد حضر كبار المديرين التنفيذيين من تسلا، وأمازون، وميتا، وألفابت حفل تنصيب ترامب.

ولتحقيق أهدافه، يعتمد ترامب على اقتصاد قوي يتمتع بنمو ثابت يُعتبر محط إعجاب في العالم. ولا يزال معدل البطالة منخفضا، ونمو الأجور بالساعة فاق الزيادة في الأسعار العامة منذ مايو/أيار 2023، كما أن ثروة الأسر سجلت أرقاما قياسية بفضل ارتفاع قيم المنازل وسوق الأسهم الذي يواصل ازدهاره بفضل طفرة الذكاء الاصطناعي.

ونقل الكاتب ما قاله إيرني تيدسكي، مدير قسم الاقتصاد في مختبر الميزانية بجامعة ييل وكبير الاقتصاديين في مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة الرئيس جو بايدن، “إذا كنا منغلقين على أنفسنا ونحاول القيام بكل شيء، بدلا من التركيز على ما نتميز فيه، فمن المحتمل أن يتآكل تفوقنا في الإنتاجية مع مرور الوقت. ولم يكن النمو مشكلة أميركية، لكنه قد يصبح كذلك إذا قررنا فجأة اتباع سياسة اقتصادية أكثر انعزالية”.

وأفاد الكاتب أن بعض الاقتصاديين يخشون أيضا من أن يساعد الانعطاف نحو الداخل في إحياء التضخم الذي انتقده ترامب كجزء من جاذبيته الناجحة للناخبين ذوي الدخل المنخفض.

وفي الأشهر الأخيرة، دفع متداولون في السندات العوائد على الديون الحكومية طويلة الأجل إلى الارتفاع، وهو ما يعتبر تحذيرا من أن خفض الضرائب والهجرة في اقتصاد نشط قد يؤدي إلى زيادة التضخم ورفع أسعار الفائدة.

 

تهديد الدولار القوي

وأوضح الكاتب أن الدولار الأميركي القوي يشكل تهديدا للشركات التي تبيع السلع والخدمات في الخارج. وفي الوقت نفسه، يعارض مستثمرو الطاقة في وول ستريت بشكل علني سياسة ترامب التي تهدف إلى تعزيز إنتاج النفط والغاز القياسي بالفعل وتقليص تكاليف الطاقة.

وأشار الكاتب إلى أن الاقتصاديين يعتقدون أن الحرب التجارية التي شنتها إدارة ترامب الأولى مع الصين، بالإضافة إلى التعريفات الجمركية المفروضة على بعض السلع مثل الألمنيوم والصلب والغسالات، قد تسببت في زيادة أسعار تلك السلع.

وقد يكون للتعريفات الجمركية الشاملة التي وعد بها ترامب الآن تأثير اقتصادي أوسع بكثير.

وقال روبرت ميري، مؤلف كتاب “الرئيس ماكينلي: مهندس القرن الأميركي”: “إذا انتهى خطاب ترامب التجاري ليكون أكثر صخبا من تأثيره الفعلي، فلن يكون أول رئيس حمائي يخفف من موقفه”.

وسوّق ماكينلي نفسه لسنوات على أنه رجل التعريفة الجمركية، على خُطا العديد من الجمهوريين في فترة ما بعد الحرب الأهلية، وفي النهاية دعا ماكينلي -الذي أُصيب بطلق ناري أثناء توليه منصبه وتوفي متأثرا بجراحه- إلى اتباع نهج أكثر تبادلية مع الشركاء التجاريين بهدف مساعدة الشركات الأميركية على الوصول إلى الأسواق الخارجية.

واختتم الكاتب تقريره موضحا أن ماكينلي اعتمد لغة مشابهة لتلك التي استخدمها العديد من الديمقراطيين في ذلك الوقت، الذين كانوا أكثر دعمًا للتجارة الحرة، وقد آمن ماكينلي بأنه “إذا كنت تريد البيع في الخارج، عليك أن تشتري من الخارج”، حسبما قال ميري، الذي أضاف “لم يتردد في قول إن آراءه قد تغيرت”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *