لا تزال المناطق التي أصابها زلزال الحوز تحصي خسائرها، وفي غياب تقديرات رسمية حول الخسائر الاقتصادية للزلزال وكلفة إعادة الإعمار، كشفت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، أن المغرب يواجه خسائر محتملة تصل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، ورجحت أن تتراوح الخسائر بين مليار إلى 10 مليارات دولار.
فكيف يقيّم الخبراء المغاربة هذه الخسائر؟ وماذا عن تكاليف إعادة إعمار المناطق؟
الضرر على الاقتصاد
تقول السلطات المغربية ومعها خبراء اقتصاديون، إنه ما زال من المبكر تقدير تأثير الزلزال على الاقتصاد الوطني وإحصاء الخسائر الناجمة عنه بدقة، أو تحديد كلفة إعادة إعمار المناطق المنكوبة، خاصة أن جهود إنقاذ وإسعاف الضحايا متواصلة، وعملية إحصاء الخسائر في المباني والطرق لم تنته.
يوضح الخبير الاقتصادي عبد النبي أبو العرب، أن المنطقة التي تضررت بشكل كبير هي مناطق قروية جبلية تعاني الفقر والهشاشة، ولا تضم بنايات اقتصادية مهمة، لذلك فقدر إسهامها في الناتج الداخلي للبلد محدود جدا.
وظلت المراكز الاقتصادية والمدن الكبرى في الجهات التي أصابها الزلزال (3 جهات هي: مراكش آسفي، وسوس ماسة، ودرعة تافيلالت) بعيدة عن الآثار المدمرة، خاصة مدن مراكش وأكادير.
لذلك يشير أبو العرب في حديث مع الجزيرة نت، إلى أن الخسائر التي تعرضت لها المنطقة، هي بالخصوص إنسانية وبشرية واجتماعية، حيث فقدت عائلات أفرادها ومنازلها وممتلكاتها ومواشيها.
وحسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2021، فإن 83% من سكان إقليم الحوز -حيث بؤرة الزلزال- يعيشون في القرى والأرياف، وكذلك 65% من سكان إقليم تارودانت ثاني أكبر المتضررين، و80% من سكان إقليم شيشاوة. وتعدّ الزراعة وتربية الماشية النشاط الأبرز في هذه المناطق إلى جانب السياحة.
من جهته، استبعد الخبير الاقتصادي زكرياء كارتي التقديرات التي تحدثت عنها هيئة المسح الجيولوجي، من كون الخسائر تصل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، ويرى أنها مبالغ فيها بالنظر للمنطقة التي وقع فيها الزلزال.
وقال كارتي للجزيرة نت، إنه تقصى عن مدى تأثير الزلزال على الشركات الكبرى والمصانع في المغرب فلم يجد أي تأثير، إذ لم يتضرر سوى المنازل السكنية، والبنية التحتية من طرق، وأغلبها غير معبّدة، وشبكة ماء وكهرباء.
ولفت إلى أن الحديث عما قد يفقده المغرب من عوائد سياحية، بسبب الخوف من السفر إليه أمر غير مؤكد، بالنظر للحملات التي أُطلقت في دول أوروبا للتشجيع على زيارة المملكة بعد الزلزال.
كلفة إعادة الإعمار
وكانت لجنة وزارية اجتمعت بالعاصمة الرباط في اليوم الثالث للزلزال -الذي وقع الجمعة الماضية آخر الليل-، لوضع برنامج مستعجل لإعادة تأهيل وتقديم الدعم، لإعادة بناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة من الزلزال، برئاسة رئيس الحكومة عزيز أخنوش.
وأكد رئيس الحكومة، في تصريح صحفي عقب هذا الاجتماع -حسب وكالة المغرب العربي للأنباء-، أن اللجنة بصدد وضع تصور بشأن إعادة بناء المناطق المتضررة، وتعويض المتضررين الذين فقدوا مساكنهم، وهو التصور الذي سيُعلن عنه رسميا في الأيام المقبلة، بعد تدقيقه خلال الأسبوع الجاري.
في قراءة أولية، يقول زكرياء كارتي، إن تكلفة إعادة إعمار المناطق المتضررة، بما يتطلبه من بناء المساكن وإصلاح الطرق وشبكات المياه والكهرباء، لن يتعدى ما بين 3 و 5% من الناتج المحلي الخام، متوقعا أن هذا الأمر سوف يتم على مدة تتراوح بين 4 إلى 5 سنوات.
فرصة للتأهيل
من جانبه، يدعو عبد النبي أبو العرب إلى الاستفادة من زلزال الحوز، ليكون فرصة لإعادة بناء وتأهيل المناطق المنكوبة.
ويرجح أن يكلف إعادة التأهيل العمراني للمنطقة كلها ما بين 10 و15 مليار دولار، كون البنية التحتية الحالية غير ملائمة.
ويرى أبو العرب أن الزلزال فتح فرصة جديدة للدفع بتنمية هذه المناطق الجبلية ومناطق أخرى، وذلك بإدخال المعايير المعاصرة في البناء والعمران والخروج من النمط العشوائي والتقليدي، وأوضح أن هذه المسألة ستكون من اختصاص صندوق دعم الحوز، الذي أُطلِق بعد الزلزال.
وأطلقت المملكة صندوقا خاصا بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال، يستقبل الإسهامات التطوعية والتضامنية من المواطنين، والمؤسسات الرسمية والمدنية.
وسيخصص الحساب لتحمل مجموعة من العمليات من بينها: النفقات المتعلقة بالبرنامج العاجل لإعادة التأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة في المناطق المتضررة.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس دعا في جلسة عمل مع عدد من المسؤولين إلى “تشجيع اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﯾن، ﺑﮭدف اﻻﺳﺗﺋﻧﺎف اﻟﻔوري للنشاطات ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﻣﻌﻧﯾﺔ”، وسيخصص جزء من نفقات الصندوق لدعم هؤلاء الفاعلين الاقتصاديين في المنطقة، من أجل العودة لمزاولة نشاطهم.
ويؤكد أبو العرب أن المغرب قادر على القيام بهذه المهمة، إذ يتوفر على الإمكانات المالية، والدعم الدولي كذلك.
من جهة أخرى، يرى المتحدث أن إعادة إعمار مناطق الزلزال ستعطي دفعة إضافية لمستوى النمو في المغرب، حيث ستضخ أموالا ضخمة في الاقتصاد، من بناء وأشغال عمومية، وتجهيزات وغيرها.
ويشدد أبو العرب على دور الفاعلين الاقتصاديين في مواكبة الإستراتيجيات التي أطلقتها الحكومة من أجل إعادة الإعمار، معدا أن هذه المناطق يمكن أن تكون نموذجا يبني عليه المغرب تجربة أولية من أجل الاهتمام بباقي المناطق القروية والجبلية الشاسعة في المغرب.
وإذا كان زلزال الحوز فاجعة إنسانية خلّفت ندوبا في المنطقة وفي كل المغرب، فقد يكون -حسب خبراء- فرصة اقتصادية لبدء مرحلة جديدة في التعامل مع العالم القروي، الذي ظل خارج مدارات التنمية لعقود.