هل يحقق برنامج أردوغان الاقتصادي أهداف التنمية لتركيا؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

تسعى الحكومة التركية من خلال اعتماد برنامج اقتصادي متوسط المدى، لرسم خارطة طريق جديدة تعزز التنمية والاستقرار الاقتصادي في البلاد.

ورغم ما يحمله البرنامج من أهداف تمثل تطلعات تركيا وجهودها المبذولة لمكافحة التضخم وتحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات وتحسين توزيع الدخل، لكن مسار تحقيق ذلك تعوقه كثير من التحديّات، بحسب خبراء اقتصاد.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد كشف عن ملامح البرنامج الاقتصادي متوسط المدى الذي أعدته حكومته للفترة القادمة.

وقال أردوغان -في خطاب ألقاه بالمجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة في السادس من الشهر الجاري- “تماشيا مع هدفنا المتمثل بجعل تركيا أقوى وأكثر أمنا وازدهارا، فإننا نكشف عن خارطة طريقنا الأولى للاقتصاد من خلال البرنامج متوسط المدى”.

وبين أن بلاده تهدف، خلال 3 سنوات، إلى تحقيق التوازن عبر نمو اقتصادي، تقوده استثمارات القطاع الخاص ذات القيمة المضافة العالية بنسبة 4.5% بالمتوسط، وأكد أن الصادرات من السلع والخدمات سترتفع إلى مستويات تاريخية.

أهداف البرنامج

ويهدف البرنامج الاقتصادي متوسط المدى إلى تحقيق جملة من الأهداف والسياسات الاقتصادية على مدى السنوات الـ3 القادمة. ويستهدف رفع النمو الاقتصادي من 4.4% هذا العام، ليصل إلى 5% مع نهاية عام 2026، وخفض التضخم من 65% متوقعة نهاية العام الجاري، إلى 8.5% عام 2026، وأن تتراجع نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي من 6.4% متوقعة في 2024 إلى 2.9% نهاية فترة البرنامج.

وحول ذلك يقول الكاتب والباحث التركي فراس رضوان أوغلو، إن أهداف هذا البرنامج تتمثل في تقليل التضخم واستقرار سعر العملة المحلية وجذب الاستثمارات الأجنبية ومواكبة الاقتصاد العالمي.

ويلفت رضوان أوغلو في حديثه للجزيرة نت، إلى أن “نجاح البرنامج مرتبط بسياسات الحكومة التركية”. ويحذر الباحث التركي من أن هناك “خطورة” تتعلق باحتياطي النقد الأجنبي في تركيا كونه مرتبطا بالخارج، والذي يؤثر على الاقتصاد.

وينوّه إلى وجود عديد من المعوقات أبرزها أنّ الأداء في داخل تركيا لم يكن مهيّأ بشكل جيّد، كما أنّ زيادة الضرائب على بعض الأمور ليست بالأمر الجيّد، فضلا عن التضخم العالمي وتداعيات الحرب في أوكرانيا التي تؤثر بشكل أو بآخر.

ويعرب رضوان أوغلو عن مخاوفه من الخلاف التركي الأوروبي فيما يخص اليونان، وكذلك الصراع بين أذربيجان وأرمينيا، وقال إن تلك الخلافات مؤجلة حاليا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا واحتياج أوروبا لتركيا،بحسب قوله.

تحقيق الاستقرار المالي

من جانبه يقول الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد مصبح، إن الحكومة التركية تتبنى بشكل صريح سياسة اقتصادية متشددة وتعمل على سحب الأموال من السوق من خلال رفع الفائدة، وزيادات قياسية في الضرائب، وذلك بهدف زيادة الاحتياطات النقدية، وتقليل عجز الموازنة، وتقليل عجز الحساب الجاري وصولا إلى السيطرة التدريجية على التضخم.

ويعرب مصبح في حديثه للجزيرة نت عن اعتقاده بأن تكاليف تأخر تلك الإجراءات باهظة أكثر من تكاليف الإجراءات نفسها، خاصة وأن تلك الإجراءات كان من المفترض اتخاذها بشكل تدريجي قبل عامين.

ويرجّح بأن يتعرّض الاقتصاد التركي لمرحلة من الركود التضخمي (أي انكماش في معظم القطاعات مع استمرار التضخم) خلال الأشهر القليلة القادمة، لأن تشديد السياسة الاقتصادية (رفع أسعار الفائدة، وزيادة الضرائب وتقليل الإنفاق الحكومي) على المدى القصير سوف يزيد من الأسعار، بسبب زيادة الضرائب وتجنب الإنفاق وارتفاع الفوائد.

لكنّه يتوقّع أن استمرار هذه السياسة لأشهر قد يتسبب بانحسار موجات التضخم، بسبب حالة الركود وزيادة الاحتياطات النقدية والقدرة على العمل على أرضية أكثر صلابة، وفي المقابل يتوقع زيادة في معدلات البطالة.

ويؤكد خبير الاقتصاد أن من أهم محددات نجاح السياسة المالية للحصول على النتائج المرجوة، هو قدرة الحكومة على اتخاذ تلك الإجراءات في الوقت المناسب، فتأخر تطبيق السياسة المالية يعني عدم الحصول على النتائج المرجوة حتى لو طبقت بعد فترة.

وفي ظل هذه الظروف المعقدة، يشدد مصبح على ضرورة قيام الحكومة التركية باستثمار العلاقات الدبلوماسية لجذب الاستثمارات من الدول الصديقة في محاولة لتقليل تلك التكاليف وتقليل الفترة الزمنية لمرحلة العلاج والتداوي.

‎⁨برنامج_تركيا_الاقتصادي_متوسط_المدى - انفوغراف من المراسل

معضلات اقتصادية

بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي جلال بكار على أن الاقتصاد التركي اليوم أمامه معضلات اقتصادية وعجز وأزمات وكوارث طبيعية أبرزها زلازل فبراير/شباط الماضي، فضلا عن التقلبات السياسية التي رافقت الانتخابات التي جرت هذا العام وتأثيرها السلبي على الاقتصاد.

ويشير بكار في حديثه للجزيرة نت، إلى وجود تحديات كبيرة جدا تواجه الرؤية الاقتصادية متوسطة المدى، التي ستنفذ ما بين 2024 و2026، وتنص على تحقيق الاستقرار للاقتصاد التركي وأهم نقطة في هذا الاستقرار هو سعر صرف الليرة التركية التي دائما ما كانت عرضة للأزمات الاقتصادية وهي المتضرر الأول، لأنها تعتبر نقطة الضعف التي من خلالها يبدأ الاقتصاد التركي بالاهتزاز.

ويضيف الخبير الاقتصادي بأن البرنامج يهدف إلى تحسين النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة، وزيادة الصادرات، ودعم المناطق المتضررة من الزلزال وغير ذلك.

ويرى بكار أنّ الاستثمارات بعيدة المدى والاستثمارات غير المباشرة تعتبر الأهم الآن للاقتصاد التركي من الاستثمارات المباشرة، وخاصّة صناديق السيادة مثل صندوق الاستثمار السعودي الذي ضخّ 5 مليارات دولار، وصندوق الاستثمار الإماراتي الذي ضخ أكثر من 8 مليارات دولار، وهذه جميعها ستبدأ بالاستثمار في مشاريع إستراتيجية ونوعية، أهمّها صناعة الأسلحة والأمن الغذائي.

ويبيّن بأن موقع تركيا الجغرافي هو القيمة المضافة الأكبر الآن وهو العامل والمفتاح الأقوى في يد السلطة السياسية للوصول إلى مراحل اقتصادية من خلالها تتم التفاهمات السياسية والاقتصادية على المستوى الدولي.

وينوّه إلى أن تركيا دائما ما كانت معرّضة للعقوبات الدولية السياسية من خلال الاقتصاد، لكنها تتجه اليوم نحو بعض الاستقرار بسبب اقترابها من الغرب، لا سيما السياسات الاقتصادية الأخيرة فيما يخصّ رفع معدلات الفائدة.

تشكيك

إلى ذلك، يستبعد المحلل السياسي التركي باكير أتاجان إمكانية نجاح البرنامج الذي جرى الإعلان عنه، مؤكدا على أنه “من الصعب تطبيقه على أرض الواقع”.

ويرى أتجان في حديثه مع الجزيرة نت، أن المشكلة الأساسية تتعلق بالقروض التي وُعدت بها تركيا من صندوق النقد والبنك الدولي وبعض الدول، كونها ليست لمنفعة البلاد وإنما للتحكم في اقتصاد تركيا وسياستها.

وكان البنك الدولي أعلن عن دعم خطط الاستثمار التركية بحزمة تمويل قيمتها الإجمالية 35 مليار دولار، على مدى السنوات الـ3 المقبلة بالتزامن مع تطبيق البرنامج الاقتصادي التركي.

ويلفت أتجان إلى أن إستراتيجية تركيا الجديدة لجذب الاستثمارات المباشرة وتعزيز بيئة الأعمال، ممكن أن تكون مساندة للخطة الاقتصادية على المدى القصير، لكنّها لا تنفع على المدى الطويل.

ويذكر المحلل التركي أنّ عديدا من الاستثمارات كان من المتوقع أن تأتي إلى تركيا، خاصة في ظل المشاكل بين الغرب والصين، لكن يبدو أن تلك الاستثمارات لن تأتي إلى تركيا بل ستذهب معظمها إلى الهند، وبمعنى آخر باتت تركيا خارج اللعبة مرة أخرى، بحسب أتجان.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *