عمّان – أثارت التعليمات الجديدة التي أصدرتها الحكومة الأردنية مؤخرًا الخاصة باستيراد السيارات الكهربائية إلى البلاد ضجة في أوساط الشارع عموما، والمستثمرين وتجار السيارات على وجه الخصوص.
تهدف التعليمات الجديدة إلى ضمان مطابقة السيارات الكهربائية التي ستدخل الأردن للمواصفات والمقاييس الأوروبية والأميركية، وحظر استيراد أي مركبة لا تطابق هذه المواصفات.
والتعليمات الجديدة تعني وقف استيراد المركبات الكهربائية غير الأوروبية أو الأميركية، وحصر الاستيراد بالسيارات الكهربائية ذات المنشأ الأوروبي والأميركي.
وقالت مؤسسة المواصفات والمقاييس الأردنية إن التعليمات الجديدة تهدف إلى الحفاظ على سلامة وأمان الاستخدام لهذا النوع من السيارات وحماية حقوق المستهلكين، في ظل الطلب المتزايد عليها، إذ إنه سيتم طلب شهادات مطابقة تضمن أمان السيارات الكهربائية.
وأوضحت أن “الشهادات المطلوبة للسماح بإدخال المركبات الكهربائيّة وفقا للتعليمات هي شهادة الموافقة النوعيّة الأوروبيّة للمركبة (European Whole Vehicle Type Approval) أو شهادة “المطابقة لمواصفات السلامة الأميركيّة” (Federal Motor Vehicle Safety Standards | FMVSS)، اللتان توفران آلية لضمان تلبية المركبات لمعايير البيئة والسلامة والأمان المطلوبة”.
تعليمات مجحفة
أثار الأمر استياء وكلاء وتجار هذه السيارات في الأردن، وبخاصة العاملين في المنطقة الحرة، والذين يركزون في عملهم على استيراد السيارات الصينية التي تلقى إقبالا كبيرا من المواطنين بسبب أسعارها المعقولة المتوافقة مع قدراتهم وإمكانياتهم المالية.
ولم يقنع التبرير الحكومي، كذلك، المستثمرين وتجار السيارات الكهربائية، وكذلك المواطنين الأردنيين الذين صُدموا من صدور هذه التعليمات “المجحفة” و”الظالمة” – حسب تعبيرهم- والتي ستؤدي في النهاية إلى ارتفاع أسعار المركبات الكهربائية بشكل كبير يقع خارج قدرة المواطن الأردني العادي على الشراء.
وفي هذا السياق، قال عضو هيئة مستثمري المناطق الحرة في الأردن، جهاد أبو ناصر، في تصريحات خاصة لـ”الجزيرة نت”: “ما تقوله مؤسسة المواصفات والمقاييس لا علاقة له بالواقع لأن لدى السيارات الكهربائية الصينية مواصفات أمان عالية جدا، تضاهي المواصفات الأوروبية والأميركية، بل وتتفوق عليها في كثير من الأحيان، خصوصا من حيث السلامة العامة والأمان”.
ويرى أبو ناصر أن “الهدف من هذه التعليمات هو إقصاء ومنع المناطق الحرة والمستثمرين العاملين في هذه المناطق من استيراد السيارات الكهربائية عموما، وحصر استيراد هذه المركبات بوكلاء الصنف الرسميين”.
مفاجأة
من جهته يقول المستثمر الأردني محمد خطاب في تعليق لـ”الجزيرة نت”: “التعليمات الجديدة كانت صادمة ومفاجئة لنا كمستثمرين لأنها تغلق الباب أمام استيراد السيارات الكهربائية من مختلف دول العالم، وتحصرها بالسيارات الأوروبية والأميركية فقط”.
ويضيف: “كمستثمرين أنشأنا استثمارات جديدة، وصرفنا أموالًا طائلة، وأعددنا بنية تحتية، وجهزنا مستودعات تخزين، وفتحنا معارض للسيارات، ومحطات شحن كلفت أموالا كثيرة، ولدينا عقود استيراد سيارات وقطع غيار من الصين، ثم جاء هذا القرار الصادم والمفاجئ الذي لم يكن بالحسبان، فلن يستطيع أحد منا استيراد سيارات جديدة (عداد زيرو) من أوروبا إلا الوكلاء الحصريون فقط، ومن وجهة نظري فإن هذا القرار ممنهج ومبني على أساس إيقاف استيراد جميع السيارات الكهربائية إلا لبعض الوكلاء فقط، ويأتي هذا القرار لمصلحة هؤلاء الوكلاء وحدهم من دون غيرهم”.
حرب تجارية
ورأى خطاب أن المقصود بالتعليمات الجديدة وقف استيراد السيارات الكهربائية الصينية التي تشكل الغالبية العظمى من المركبات الكهربائية التي يتم استيرادها للأردن، ويقبل على شرائها المواطنون الأردنيون بسبب رخص ثمنها مقارنة بالسيارات الكهربائية الأوروبية والأميركية مرتفعة الثمن، والتي لا يستطيع المواطن الأردني العادي تحمل ثمنها.
ويدل ذلك، وفق المستثمر وليد الحيت في تعليقات لـ”الجزيرة نت” على أن التعليمات الجديدة لا تمنع استيراد سيارات البنزين والهجينة (تعمل بالوقود والكهرباء) الصينية، “وهذا بحد ذاته تناقض صارخ”، على حد قوله.
ويقول الحيت: “السيارة التي لا تحتوي على محرك احتراق داخلي تكون أقل درجة من حيث مواصفات الأمن والسلامة من السيارات التي تحتوي على مولد احتراق داخلي، ومع ذلك تم السماح باستيراد سيارات الهايبرد والبنزين صينية المنشأ، والتي لا إقبال عليها في الأردن في حين تم منع استيراد السيارات الكهربائية الجديدة من الصين والتي تلقى إقبالا كبيرا من الأردنيين”.
ويناقض القرار نفسه، وفق الحيت، فلم يمنع دخول سيارات الكهرباء “السالفج” الواردة من أوروبا وأميركا، ومنع دخول السيارات الصينية الجديدة.
و”السالفج” هي السيارات المستعملة التي تعرضت لحوادث ببلدها.
ويضيف: “استيراد سيارات كهربائية مستعملة من أوروبا وأميركا سواء كانت تعرضت لحوادث في بلدها، أو كانت سيارات مستعملة بشكل طبيعي وتوريدها للأردن، يعني أن يصبح السوق مكب نفايات للسيارات الأوروبية والأميركية المستعملة”.
ويرى الحيت أن هذا القرار يدخل ضمن الحرب التجارية التي تشنها الدول الغربية بقيادة أميركا على الصين، في حين أنه من المفترض أن يكون الأردن خارج هذا السياق قائلًا: “نحن بلد استهلاكي، ولا نملك موارد كبرى لكي نقوم برفض مواصفة ثاني أكبر اقتصاد بالعالم”.
ويؤكد جهاد أبو ناصر هذه النقطة بالقول: “من الواضح أن المقصود بالتعليمات منع استيراد السيارات الكهربائية الصينية تحديدا، لأن التعليمات استثنت سيارات الهايبرد وسيارات البنزين والتي كانت تناقش بين جميع الجهات ذات العلاقة بما فيها مؤسسة المواصفات والمقاييس الأردنية، وتم استثناء المواصفة الصينية عند صدور التعليمات والتركيز على المواصفات الأوروبية والأميركية فقط”.
“آثار مدمرة”
وعن آثار هذه التعليمات على سوق السيارات الكهربائية في الأردن، يقول أبو ناصر: “أي مستثمر استثمر في قطاع السيارات الكهربائية سوف يتوقف عمله بشكل تام، وسيضطر إلى إغلاق استثماره، أو التحول لاستيراد صنف آخر من السيارات، وبالتالي سيكون هناك ضرر مادي كبير وملموس، وخسائر قوية لدى المستثمرين في قطاع السيارات الكهربائية في الأردن، خصوصا الجدد منهم”.
من جانبه، يرى الحيت أن “التعليمات الجديدة ستؤدي إلى سحب العديد من المستثمرين استثماراتهم في هذا القطاع من الأردن، خصوصًا أن العديد من هؤلاء المستثمرين كانوا يخططون لضخ المزيد من الأموال، وجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية للعمل في هذا القطاع الحيوي الذي كنا نرى أنه المستقبل القادم للسيارات في البلاد”.
وسيؤدي القرار إلى ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية بشكل هائل، وبنسبة لا تقل عن 50%، وفق أبو ناصر، نظرًا لارتفاع أسعار السيارات الأوروبية والأميركية مقارنة بأسعار السيارات الكهربائية الصينية.
وثمة أضرار غير مباشرة، حسب قول الحيت، ستطال العديد من القطاعات المساندة مثل مراكز تقديم الكفالات التي ستتضرر بشكل كبير نتيجة القرار والتعليمات الجديدة؛ فحسب قانون تم تشريعه سابقا ونص على ضرورة وجود كفالة من قبل مركز معتمد، وضمن شروط معينة تم وضعها للسيارات الكهربائية الجديدة التي تدخل السوق، مما أدى لقيام سوق لوكالات السيارات الكهربائية، وتم استثمار أموال طائلة في هذا السوق، والآن فإن هذه المراكز ستتوقف تماما بشكل كلي أو جزئي عن العمل”.
سيطال الضرر، كذلك، أصحاب محطات الشحن الذي أنفقوا الكثير من المال من أجل بناء منافذ شحن معتمدة، وكان التركيز على بناء منافذ شحن خاصة بالسيارات الصينية بسبب انتشارها الواسع في الأردن، ومع القرار الجديد فإن هذه المنافذ ستصبح خارج الخدمة نتيجة حصر الاستيراد بالسيارات الأوربية التي لها منافذ شحن مختلفة عن المركبات الصينية، وفق الحيت.
البحث عن حل
يعيش سوق المركبات الكهربائية الأردني حاليًا في حالة تخبط وقلق وعدم استقرار نتيجة التعليمات الجديدة، ويطالب المستثمرون والمواطنون على السواء بحل لهذه المعضلة الجديدة التي لم تكن بالحسبان.
ويرى جهاد أبو ناصر أن الحل يكمن بإنشاء قاعدة فنية لأي مركبة كهربائية تدخل البلاد بغض النظر عن الجهة المصنعة، وهذه القاعدة الفنية تنص على اشتراطات خاصة بالسلامة العامة تحكم جميع السيارات، وبهذا يكون هناك عدالة، فأي سيارة يتم استيرادها من أي منشأ كان تدخل البلاد إذا انطبقت عليها القواعد الفنية الأردنية، وذلك بدلًا من استثناء عملاق صناعة السيارات في العالم، والسماح للسيارات التي تحقق المواصفات الأوروبية فقط.